الاستنكار -حسب التعبير الشعبي- لا يودي ولا يجيب.. منذ عامين والجميع يستنكر.. لكن بدون لجنة دولية تحقق وترصد كل الضحايا سيتم بيعهم بأقرب تسوية سياسية. كان لابد من تبني لجنة تحقيق دولية، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب المرتكبة من كافة الأطراف ضد المدنيين، لأن عدم تشكيل مثل هذه اللجنة معناه أن الميليشيا الانقلابية والتحالف المساند للشرعية، سيواصلان جرائمهما بحق المدنيين وانتهاكاتهما لحقوق الإنسان دون أن يرف لهما أي جفن.
إن هذا هو المسعى الناضج للحقيقة، كما لجبر ضرر ضحايا الحرب مستقبلا.. أما الإكتفاء بالمتاجرة بالضحايا فهو الإجراء الذي يزيد من معاناة ذويهم فقط.
والمعنى أننا سنظل نشاهد أنصار كل طرف وهم يحتشدون للتنديد بجرائم الطرف المضاد.. ثم رويداً رويدا، سنلاحظ اختفاء الحملات التضامنية التي سنكتشف أنها استخدمت لأغراض سياسية وتحشيدية، وبعدها سيصبح الضحايا شيئا من الماضي!
لكن حتى لو تمت تسوية سياسية قادمة، فلن ينسى الناس معاناتهم البالغة.
ولا يمكننا بالتأكيد، معالجة إرث الحرب اللعينة دون تشكيل هذه اللجنة. وفي ملف كهذا لا تجدي الانتقائية على الإطلاق.. الانقلابيون يهمهم ضحايا التحالف كما هو ملاحظ.. الشرعيون بالمقابل يهمهم ضحايا الانقلابيين فقط.. لكن الضحايا من المدنيين هم من أبناء اليمن أولا وأخيرا. وهذه الأطراف المتعارضة تتفق بشأن عدم احترامها للضحايا، لأنها تنمطهم وتحصرهم وتجيرهم أيضا، ما يعني أنها تقسمهم إلى خانتين، ونرى بوضوح ازدواج المعايير في التعامل معهم، فضلا عن رفض تشكيل لجنة تحقيق دولية.
ولذلك نقول للذين يستنكرون جرائم الميليشيا، كما للذين ينددون بجرائم التحالف:
الضحايا ضحايا، ولا ينبغي الإنحياز لضحايا دون ضحايا.
كذلك الصادق أنه مع الضحايا، فليطالب بلجنة تحقيق ورصد دولية.. غير هذا سيصبح الضحايا مجرد أرقام.
الاستنكار -حسب التعبير الشعبي- لا يودي ولا يجيب.. منذ عامين والجميع يستنكر.. لكن بدون لجنة دولية تحقق وترصد كل الضحايا سيتم بيعهم بأقرب تسوية سياسية.
ونكرر: هناك من أصابهم عمى الضمير.. وهناك من يتعامون أيضا.. بينما كل تسوية سياسية مقبلة، بشأن وقف الحرب، لن تنجح، في ظل إصرار أطراف الحرب والمفاوضات أصلا، على إغفال حقوق الضحايا المدنيين، من الذين سقطوا، أو تضرروا في هذه الحرب التي لم تشبع بعد، ويتعامل أطرافها مع السلام كأنه هدنة بين حربين.
والحال أن ما يجري من استغلال وتسويف صفيق لجرائم وانتهاكات طرف ضد آخر، من قبل وسائطهما الإعلامية والحقوقية المنحازة، لهو أقذر وأسوأ من هذه الحرب الملعونة بمراحل.. ذلك أن انتهاكات وجرائم كل طرف، لا ينبغي أن تكون تبريرا لانتهاكات وجرائم الطرف الآخر مهما كانت الذرائع. وعليه؛ ينبغي الإلتزام بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، تكون على مسافة واحدة من كل الأطراف، وتفند بمهنية وشفافية ومصداقية كل الشكاوى والاتهامات والمزاعم المتعلقة بجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ارتكبتها ضد المدنيين: الميليشيات الحوثية، أو القوات الموالية لصالح، أو المقاومة والقوات الموالية لهادي، أو التحالف العربي، أو المقاومة الجنوبية.. إلخ إلخ إلخ.
على أن لا تخضع تلك اللجنة للابتزاز السياسي، أو لسماسرة حقوق الإنسان.. لجنة ذات إجماع، وسوية ، واتساق مهني، تحقق في كافة الإنتهاكات والجرائم منذ بداية الحرب، وحتى اللحظة، دون تمييز بين الضحايا أو انتقاء أو تجيير أو فهلوة.!
إن هذا المسعى فقط، هو ما سيكرس الحق الأصيل وطنيا وإنسانيا لصالح الضحايا وذويهم، كما لإقرار العدالة والإنصاف. ثم إن المجتمع لن يتعلم من دروس الإستبداد والعنف والحروب، ما لم يتم التصدي لكل الاعاقات التي يرفض أطرافها فتح هذا الملف، ووفق الشروط اللائقة وبالمعايير الدولية، مع أنه الملف المكتظ بآلاف الضحايا، وأوجاع ذويهم التي لن تنتهي، إلا إذا تم الإستماع لمعاناتهم بمسؤولية كاملة.
فالحوثيون وصالح، ارتكبوا انتهاكات وجرائم لا تعد ولاتحصى بحق المدنيين، إلا أن التحالف وكذلك أطرافا في المقاومة، قد ارتكبوا انتهاكات وجرائم لا يمكن اغفالها.
وإذ يزايد الطرف سين على الطرف صاد، بإستغلال الضحايا في مهاترات إعلامية متمترسة أو ضجيج حقوقي مزيف، تبقى العدالة الممكن تحقيقها للضحايا وذويهم، متمثلة في الإقرار الشجاع بتلك الإنتهاكات والجرائم والتحقيق فيها، من أجل جبر الضرر وعدم تكرار آثام الحروب مستقبلا.
والشاهد أن الإكتفاء بإرادة التوظيف السياسي من قبل طرف ضد آخر في هذا الملف المأساوي، دون الضغط لفتحه بشفافية عقب أي إتفاق سياسي قادم، هو ما يفضح ضمير كل أطراف الصراع بدون إستثناء.
والخلاصة أن هناك ضحايا أبرياء قد قتلوا بدم بارد، أو تضرروا جراء الإنقلابيين، فضلا عن أطراف محسوبة على الشرعية، ومن غير اللائق عدم الإقرار بحقوقهم كما يحدث للأسف.
كذلك يبدو التحايل من قبل الجميع، تجاه هذا الملف أكثر من مستفز بالطبع، ولا يعقل على الإطلاق إسقاط المسؤولية عن أي طرف، لأن ذلك معناه ببساطة: استمرار إحتقار الضحايا، أو إعتبارهم مجرد قرابين.
فهل ستتكرر -وبكل سهولة هكذا- مآثم تمييع حقوق ضحايا الصراعات مرة أخرى؟!