“مُرهفٌ كالنسيم وشاهق كالجبل”: في استذكار عبد العزيز المقالح
يمن مونيتور/ضفة ثالثة
في استذكار الشاعر والناقد اليمني، عبد العزيز المقالح (1939 ــ 2022)، أحد رموز الحداثة العربية المعاصرة، تحضر مناقب جمّة لمبدع نزف حياته محبًا للشعر واللغة والناس، تاركًا، برحيله في يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، فراغًا في الوسط الأدبي والثقافي اليمني والعربي، في لحظة موغلة في الهزيمة والانكسار.
بدعوة من أسرته، التأمت في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول 2024، فعالية خطابية بمناسبة مرور عامين على رحيل عبد العزيز المقالح، تم فيها تذكّره مبدعًا مُرهفًا، وكاتبًا مهمومًا باليمن وبقضايا وطنه العربي الكبير.
شهدت الفعالية توزيع كتاب بعنوان: “عبد العزيز المقالح: الذكرى والذاكرة”، احتوى شهادات يمنية وعربية، وقصائد شعرية عن المقالح، وهو عبارة عن استكتاب جماعي سهرت عليه أسرة المقالح ولجنة الإعداد لفعالية مرور عامين على رحيله.
“شاعر من أجل فلسطين”
يفتتح الكاتب والباحث الفلسطيني، أنطوان شلحت، القسم الأول من الكتاب المخصص لشهادات الكتّاب العرب عن المقالح، بتحية إلى شاعر “من أجل فلسطين”، يستهلها بالقول إنه، ككاتب فلسطينيّ، يرى أن الاحتفاء بعبد العزيز المقالح يعود إلى أسباب كثيرة، منها أن أول قصيدة نشرها باسمه الشخصي صراحةً كانت بعنوان “من أجل فلسطين”، وأذيعت من راديو صنعاء في مناسبة العام الأول لافتتاح هذه الإذاعة في عام 1956. وعكست القصيدة، منذ ذلك الوقت، موقفًا ظلّ الشاعر قابضًا على جمرته، مؤداه أن فلسطين هي قضيّة العرب أولًا ودائمًا، بالرغم من كل ما استجدّ من ظروف. وظل على هذا الموقف، حتى ساعاته الأخيرة، كما أثبتت تحيته إلى ما عُرف بـ”انتفاضة السكاكين” في عام 2015، والتي جدّد فيها تأكيده أن فلسطين أهم قضية عربية، وهي مفتاح كل القضايا الثانوية التي يعاني منها الوطن العربي. وقبل ذلك، أشار إلى أن القضية الفلسطينية خلقت ضربًا من الشعر القادر على ملامسة الواقع بأبعاده المحلية والعالمية، وأن يصل إلى شغاف الروح. كما ألّف كتابًا مخصّصًا لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أراضي 1967 في ثمانينيات القرن الفائت بعنوان “صدمة الحجارة”. وفي أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2021 قرأنا قصيدته “غزة تكتب قصائد الدم والانتصار”.
ووفقًا لشلحت، لدى العودة إلى إرث المقالح سرعان ما نعثر لديه على رؤية ترى في النموذج المشتهى للفلسطيني من وجهة نظره ما يؤصّل لـ”الزمان الجميل”، إذا ما جاز التعبير، فهو الملتزم الذي لا يفرِّط ولا يساوم، القادر على أن يحفظ للقضية العامة توهجها وسخونتها حتى في ظل أوضاع قد تكون الأقسى والأسوأ، لا في تاريخ فلسطين والأمة العربية وحسب، إنما أيضًا في تاريخ الإنسانية.
ويندر أن تجد مثقفًا فلسطينيًا- يتابع شلحت- لم يقرأ المقالح ويطلع على أفكاره. وهذا عائد إلى طبيعة تلك الأفكار، واتسامها برؤى تُعلي من شأن دور الكاتب في مجتمعه.
ويقدم الناقد والأكاديمي السوري المقيم في المملكة المتحدة، كمال أبو ديب، ملاحظة حول “التحول الحميمي عند عبد العزيز المقالح في الشعر: من الأيديولوجية إلى الحميمية”. ومما تم معاينته نقديًا بدءًا من قصائد مجموعة “أوراق الجسد العائد من الموت”، يجد أبو ديب أن مجلد المقالح بأكمله مزدحم بصور التشظي والتفتت. وهنا يعلق أبو ديب: يبدو أن الأشياء تنكسر، والجروح تنفتح على مصراعيها، وقد اقتحمت المأساة حياة بأكملها. لقد انهار النضال السياسي، الحلم الوطني. وكذلك الحب والصداقة والعلاقات مع المكان والزمان.
“عكست قصيدة المقالح “من أجل فلسطين” موقفًا ظلّ الشاعر قابضًا على جمرته، مؤداه أن فلسطين هي قضيّة العرب أولًا ودائمًا”
وتمثل كل قصيدة أخرى تتبعها تجربة مواجهة زلزال من نوع أو آخر. يتابع أبو ديب، مبينًا أن الاهتزاز، والتفتت، والانقسام، والتدمير، ينسج نسيج اللغة الشعرية وصورها. ولكن مع تقدم هذه الزلازل، ننتقل من الوطني والعام والسياسي والاجتماعي، إلى الفردي والخاص والشخصي والحميم. وهكذا، فإن القصائد الأخيرة في مجلد المقالح، التي تسبق القصائد مباشرة حول قطع الصداقة، هي خمس قصائد شخصية للغاية تجسد التحول الذي حدث في الشعر العربي برمته. وفي خضم هذه المآسي الشخصية، يبقى الشعر وحده مصدر العزاء.
الاحتكام إلى سلطة النصّ
ويُعدّ عبد العزيز المقالح أحد كبار الشعرية العربية المعاصرة، وفقًا للشاعر والأكاديمي التونسي منصف الوهايبي، الذي يرى أن للمقالح أفضالًا كثيرة على ثقافتنا العربية، تتنزّل ضمن إطار معرفي أرحب، وبمناهج بحث ومحارق تحليل تنزع إلى إعادة ترتيب العلاقة بالنص الشعري العربي تحديدًا بمنأى عن “المركزية الشرقية الشوفينية” التي تكاد تحصر الآداب العربية في ما نشره وينشره مشارقة البلاد العربية؛ وهي في جانب منها عقدة كثير أو قليل من المغاربيين (وفقًا للوهايبي).
على أن ما يعني الوهايبي، في سياق هذه الذكرى، كما يقول، هو تحرر المقالح من كل هذه العُقَد، واحتكامه إلى سلطة النص وسلطة القراءة معًا. والمحدد الرئيس لهذه القراءة هو الموقع من النص، ولا مشاحة أنّ هذا الموقع إنما تتضافر في صياغته عند المقالح أعراف وعناصر متعاقدة، لعل أظهرها النصّ نفسه وجنسه الأدبي، وثقافة الباحث/ الناقد، والمحددات الاجتماعية والتاريخية، وما إليها. ويقدِّر الوهايبي أن هذه ناحية جديرة بالاعتبار في قراءة المقالح ناقدًا.
ويستعيد الشاعر والناقد اللبناني، جودت فخر الدين، زياراته لليمن بين عامي 1992 و2006، وأواصر الصداقة العميقة التي انعقدت بينه وبين الشاعر المقالح: لقد فتح لي عبد العزيز المقالح “باب اليمن” عندما دعاني في المرة الأولى أستاذًا زائرًا إلى جامعة صنعاء. وبمعيته، زرت مناطق عدة في اليمن، شماله وجنوبه، وصولًا إلى حضرموت، كتَبتُ إثرها أربع قصائد صدرت في مجموعة شعرية بمناسبة “صنعاء عاصمة للثقافة العربية” (2004). وفي السنوات الأخيرة من حياته، كان يرسل إليّ ما يكتبه من أشعار “حرصًا منه على الاستئناس برأيي”، وقبل شهر من وفاته، لم يكتفِ بالكلام في أمورنا الخاصة، بل عبّر ــ في حديث هاتفي ــ بصوته المتهدج عن أسفه على بلدينا اللذين تمزقهما الصراعات والكوارث: لبنان واليمن.
من جهته، يفيد الناقد العراقي المقيم في الولايات المتحدة، حاتم الصكر، أن شخص عبد العزيز المقالح يحضر في الذاكرة وهو يوغل في تجديد القصيدة العربية ومناهج النقد الأدبي. ودعوته للأدباء كي لا يكفّوا عن التجريب.
ويستعيد الصكر لقاءه المباشر الأول بالمقالح عام 1984، والذي شكّل بدءًا لعلاقة مستديمة. وعن شمائل عبد العزيز المقالح، يؤكد الصكر أنها تفيض على كتاباته شعرًا ونقدًا: لا يعرف الضغينة، أو يحجب وعيه وشعوره خصام. تجتمع في شخصه خصال الإنسان، والشاعر والكاتب والمعلم.
وفي إشارته إلى كتابة المقالح لشعر التفعيلة الذي اجترح له مصطلح “الشعر الجديد” وصلته بأبرز رواده وكتّابه ومن بعدهم، يفيد الصكر أن ذلك لم يمنع المقالح من الانحياز للقفزات الأخرى التي توخت تحديث النص الشعري، فأطلق على قصيدة النثر مصطلح “القصيدة الأجد”، ولم يقف في جانب مناوئيها، بل نافح عن نماذجها المكتملة فنيًا، وأصدر كتابًا عن شعراء الحداثة في اليمن أسماه “بدايات جنوبية”، منوهًا بأصوات كُتب لها من بعد الانتشار ونضجت تجاربها.
أما “كتاب الأصدقاء”، فيعدّه الصكر سبقًا يُسجّل للشاعر المقالح على مدى التاريخ الأدبي، فهذا “صنيع لم يعرفه الشعراء في علاقاتهم ببعضهم”.
“كان شاهقًا كالجبال”
“كان مرهفًا كالنسيم وشاهقًا كجبال اليمن”- هكذا يصف الشاعر والناقد اللبناني، شوقي بزيع، المقالح، لكنه يستدرك: كم هو شاق على المرء أن يختزل بحفنة من الكلمات قامة إبداعية وإنسانية بحجم عبد العزيز المقالح، الذي لم يكتسب أهميته من الشعر وحده، بل قسّم نفسه كما فعل جده عروة بن الورد، بين الشعر، والفكر، والنثر الأدبي، والدراسات النقدية، والتاريخية، والعمل الأكاديمي.
ويشير بزيع، وهو الذي زار اليمن في مناسبات عدة تتعلق بالأدب والحوار مع الآخر وقضايا قومية وإنسانية مختلفة، وبدعوة من الشاعر المقالح في الأعم الأغلب، إلى ما أسماه بـ “الخلطة السحرية” التي تشكلت منها شخصية المقالح، والتي وفرت له القدرة على الاحتفاء بعشرات المثقفين والكتاب من ذوي المراس الصعب والأمزجة المتقلبة.
وكنا نكتشف ولو متأخرين، يتابع بزيع، بأن الشعر عند عبد العزيز المقالح هو فعل حب للغة بقدر ما هو فعل حب للبشر وكائنات الطبيعة، وأنه عبارة عن نشيد متقطع المشاهد، لبراءة الأشياء وطفولة العالم الغاربة، أو هو “حروفٌ من الطين/ تقرأها في النهار العصافير/ وتقرأها في المساء النجوم”، كما جاء في “كتاب القرية” للمقالح.
وختم بزيع: لشدة تماهي المقالح مع آلام اليمن ومكابداتها، جعل من مصيره، كشاعر وإنسان، فعل احتجاج صارخ على مصير البلاد، متوئمًا بطريقة رمزية بين أنفاسه الأخيرة وبين نزيفها الكارثي.
عن “كتاب الحب”
أما المصري محمد عبد المطلب، فيتوقف أمام قصائد “كتاب الحب”، أحد دواوين المقالح الأخيرة، مبينًا أن قراءة هذا الديوان تعتمد على كونه سجلًا مبكرًا لشعرية المقالح وعلاقتها “بسيرة الحب” التي ضمّت سبع تجارب. فالمقالح في هذا الديوان يستكمل “قصة الحب” التي صاغتها الحكايات القديمة بوصفها “قصة بلا نهاية”. واللافت أن الشعرية قدمت “كتاب الحب” في خمس وأربعين لوحة، بعضها يصعد بالحب إلى السموات العلى، وبعضها يربط اللوحات بالطبيعة، وبعضها يعطي الحب طبيعة مائية، وبعضها يقود الحب إلى أفق النور.
ووفقًا لعبد المطلب، فهذا الكتاب الذي فتحه المقالح للقراءة لن ينغلق أبدًا أمام العشاق والمحبين، تصديقًا لمقولة ابن عربي: “كل محب مشتاق، ولو كان موصولًا”.
ويكتب الناقد السوري، وهب رومية، رسالة إلى عبد العزيز المقالح، هي عبارة عن نص شعري مكثف بعنوان: “طيف الغريب”. ومما جاء في النص: مَن هذا القادمُ في هودج الذكريات، مكللًا بالبرقِ، ومغمورًا بتراب الغياب؟ مَن هذا المختلفُ في زمنِ تشابُهِ الرجال؟
ويعبِّر رومية عن حزنه برحيل الشاعر المقالح: ليس لأحزاننا ضفافٌ ولا شواطئ، فكأنّ الحزن هو ميراثُ البسطاء الوحيد، لقد أخذ الأثرياءُ الوطنَ، وأعطونا الوطنيّة، وسرقوا أحلامنا، فكيف يعيش الإنسانُ بلا أحلام؟
ويختم رومية مرثيته: ما أكثر ما شكوت ممّا نحن فيه يا أبا محمد، ولكن صلابة روحك كانت مستعصيةً على الكسر، وكان إيمانك بأمّتك أثبت من أن تزعزعه النكبات، فظللت بقوة اليقين ورسوخِه تدافع عن رسالتك النبيلةِ حتى طواك ما يطوي المخلوقات جميعها، فرحلت بعد أن بلّغت رسالتك كما يليقُ بإنسانٍ مفعمٍ بالحبّ والعطاء أن يفعل، فالسلام عليك يوم وُلدتَ، ويوم قُبضتَ إلى ربِّك، ويوم تُبعثُ حيّا.
وتفيد الناقدة والأكاديمية اللبنانية، يمنى العيد، بأن الكتابة الشعرية عند المقالح تعبيرٌ له قوة الانتقال بالزمن من صمته إلى نطقه، ومن غيابه وموته إلى قوله وحياته. هكذا تصير الكتابةُ هي السيف والثورة. إنها أداةُ التغيير وسبيله، وهي صوت الجوع، الحنجرة التي فيها يتوقّد الحنين إلى الفعل، إلى الخلق.
وتؤكد العيد أن نص المقالح الشعري فاصلة واضحة في التاريخ اليمني الثقافي، يتقدم بحثًا عن هذا المقموع في تراسيمه الدالة عليه، وفي الظواهر العريضة التي أمكن لها أن تصارع الموت. ومع هذا تبقى المساحةُ الأوسع فيه هي للبياض، لقلق الكلام وهو يصارع صمته.
ومن ناحيته، يشدد الروائي الكويتي، طالب الرفاعي، على أنه لا يمكن النظر إلى المقالح بوصفه شاعرًا يمنيًا، لكون نتاجه الشعري بقدر ما هو مهموم بقضايا اليمن المؤلمة، وما أكثرها، فإنه في الآن نفسه ينتمي إلى الشعر العربي، بنيةً وموضوعًا وشكلًا، ولذا فإنه شاعر عروبيّ بامتياز. ثم إن بيت المقالح ومنتداه الأسبوعي كان عامرًا بجميع أطياف الشعب اليمني، إلى جانب الضيوف العرب والأجانب، وبالتالي كان مَعلمًا ومكانًا للقاء المفكرين العرب والأجانب.
ويستعيد الكاتب والناقد المصري، عبد السلام الشاذلي، بعضًا من ذكرياته في جامعة صنعاء مع رئيسها (يومئذ) الدكتور عبد العزيز المقالح، “المبدع المفرط في إنسانيته”، على حد تعبير الشاذلي، الذي يفيد بأنه عاش في رحاب الرعاية العلمية للمقالح لأكثر من ثلاثة عقود.
ويِرى الشاذلي في الدكتور المقالح رمزًا حضاريًا وثقافيًا لليمن العريق في الحكمة والإيمان، فكل كتاباته الشعرية تفخر بتاريخ اليمن الحضاري بعمق ومحبة بالغتين، وكأنه يريد أن يُرسِّخ في وجدان شعبه من الأجيال القادمة بأن نهضة اليمن لا يمكن أن تُقام بعيدًا عن تراثها وحضارتها الموغلة في القدم. فاليمن هي المهد لكل الحضارات التي عرفها الشرق الأوسط، يضيف الشاذلي: “نعم هي المهد، كما قال أدونيس، ولنا فيها عرق ما”.
وينوه الناقد العراقي، علي الحداد، بالقيم الإنسانية التي اتسمت بها شخصية عبد العزيز المقالح: كان ملاذ قيم لا تكاد تعلن عن نفسها بهذا الغنى والاكتمال والتجسد إلا عنده، وذلك ما جعله محجّة لمن يزور اليمن.
وبحسب الحداد، لقد كانت للمقالح في الشعر سجايا تماهت مع ذاته وقناعاتها الراسخة، ففي قصيدته تنساب الأفكار بيسر دلالي طالما نادت عبره بتيقنها الروحي العميق، ومدركها القيمي. ولم يكن الشعر وحده وجهة إشراق لشخصية المقالح التي تشدّ المتلقي وتشغله، فلقد تناهى مد فيضه مدونات عميقة الغوص في تاريخية الظواهر الفكرية والسياسية لليمن، وتشكيلها خصوصيات مجتمعية احتكم إنسانها وما يزال إلى تفوهاتها التي أمست طبائع خاصة به. وتماهيًا مع ذلك، كانت إشكالات الراهن العربي ومشكلاته مما يشغله طويلًا. أما منجزه النقدي اللافت، فقد عاين به مخرجات الاحتكام الثقافي والنقدي الحديث، فكانت له مؤلفاته التي لا يمكن تجاوزها لمن يستقرئ المشهد النقدي العربي المعاصر، بما رصدته من الظواهر الأدبية والمعرفية، وبشرت به من جديدها.
ويسرد الشاعر والكاتب المسرحي العراقي المقيم في عُمان، عبد الرزاق الربيعي، تفاصيل اللحظات الأولى التي تلقى فيها خبر رحيل الشاعر المقالح، في ظهيرة يوم اثنين حزين، وهو الذي أقام في اليمن لسنوات وتعرف إلى المقالح عن قُرب.
ويختم الربيعي: بعد سلسلة من الخيبات على المستويين الداخلي والخارجي، ومحاولات جادة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السفينة اليمنية الغارقة، وجد عبد العزيز المقالح نفسه مُحبطًا، ويائسًا، فقد كان يتمنى أن يرى اليمن قد عاد له السلام، والأمن، لكن هذا الحلم طال حتى تبدد.
ووفقًا للسفير سالم غصّاب الزمانان، مساعد وزير خارجية الكويت لشؤون مجلس التعاون الخليجي، سفير الكويت الأسبق لدى اليمن، فإن اليمن والعالم العربي بحاجة إلى ندوات عديدة حول عبد العزيز المقالح “الظاهرة الفكرية والثقافية والأدبية الفريدة”، على حد تعبيره.
ويستعيد الزمانان ذكريات من زياراته المتكررة للمقالح، وحضوره منتداه الأسبوعي في بيته بصنعاء، مشددًا على أنه من الإجحاف أن تمرّ سيرة عظيمة تخصّ إنسانًا عبقريًا ملهمًا بحجم عبد العزيز المقالح من دون أن تُدوَّن في صفحات التاريخ، وتُدرّس بعضها لأطفال المدارس وشباب الجامعات، ليس في اليمن فحسب، بل وفي عالمنا العربي الذي كان ينتمي إليه.
واختُتِم القسم الأول من الكتاب بقصيدتين لكل من الشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلّاق، والشاعرة الأردنية جمانة الطراونة.