من يحصل على راتبه؟.. الفائزون والخاسرون في قانون رواتب الحوثيين
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
مع تنامي الغضب الشعبي والمتغيّرات الإقليمية لحلفائهم، سارع الحوثيون لأول مرة منذ أغسطس/آب 2016 إلى البحث عن آلية جديدة لصرف رواتب القطاع العام الذين يزيد عددهم عن 800 ألف موظف. لكن كثير من التساؤلات حول جدوى القانون وهدف الجماعة المسلحة التي تسيطر على صنعاء.
الأسبوع الماضي كُشف عن تقديم مشروع القانون “الاستثنائي المؤقت” لصرف المرتبات خلال اجتماع لقادة الجماعة بينهم عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي. قُدم المشروع إلى مجلس النواب غير المعترف به دولياً، (فاقد النصاب القانوني ولا يتجاوز عددهم 25 عضوا من أصل 301) باسم الآلية الاستثنائية المؤقتة لصرف المرتبات وحل مشكلة صغار المودعين.
حصل يمن مونيتور على نسخة من مقترح القانون المقدم إلى مجلس النواب، يتضمن أربعة فصول وتسع عشرة مادة، وأثار جدلا واسعا على مستوى المحامين والأعضاء والموظفين.
مصادر الإيرادات
من حيث الأهداف يشير إلى تحقيق العدالة بين موظفي جميع وحدات الدولة في الدخل، وهذا يعني ضمنا قطع مرتبات عن موظفي الوحدات العامة المستقلة التي لديها إيرادات مثل موظفي المؤسسة العامة للاتصالات، والبريد، وهيئة النقل وعشرات الهيئات الأخرى. وتدير الآلية إيرادا وصرفا وزارة المالية الخاضعة للحوثيين.
ينص القانون الجديد على أن يتم تمويل حساب آلية دفع المرتبات من عدة مصادر أهمها: فائض حساب الحكومة بعد إخراج نفقاتها “الحتمية والتشغيلية”. ومبالغ المساهمات الشهرية المحددة في قائمة المساهمات، دون تحديد ماهية تلك المساهمات.
كما ستمول الآلية من إيرادات صندوق المعلم، بما فيها الزيادات الجديدة التي تم فرضها منتصف 2023 دون قانون حتى الآن. إلى جانب نسبة 20% من نفقات مؤسسات الوحدات العامة من حساب الحكومة. ونسبة 10% من البرامج الاستثمارية العامة والهيئات والمصالح المستقلة، ومصادر أخرى مثل الضرائب على الموظفين، ولن يستثنى أي موظف تقريبا إلا من كان راتبه أقل من 25 ألف.
يشير القانون إلى فرض سلسلة من الجبايات ورفع الأسعار على السلع غير المنتجة محلياً، وتؤخذ بصورة قاطعة دفعة واحدة في المنافذ الجمركية، أي تؤخذ ضرائب دخل ومبيعات أرباح وصناعة وتجارة عند لحظة الاستيراد بغض النظر عما يحدث في السوق بعد ذلك. ويستورد اليمن أكثر من 80% من احتياجاته الأساسية.
السيطرة على جميع إيرادات الصناديق التي يزيد عددها عن خمسين صندوقا، وإيرادات المؤسسات العامة المستقلة والصناديق المحلقة والشركات المختلطة.
لم يذكر القانون من قريب أو بعيد إيرادات الضرائب والجمارك وهيئتي الزكاة والأوقاف، وهي كبرى المؤسسات الإيرادية لدى الحوثيين.
تقسيم الموظفين إلى ثلاث طبقات
يقسم القانون الحوثي الموظفين الحكوميين حسب تسلمها للراتب، الفئة الأولى تستلم كامل مرتباتها شهريا، والفئة الثانية نصف مرتب شهريا، والفئة الثالثة: نصف مرتب كل ثلاثة أشهر فقط.
تشمل الفئة الأولى كبار موظفي الدولة بما فيهم مجلس النواب والشورى والقضاء وغيرهم. أما الفئة الثانية: فتستلم نصف مرتب شهريا وهي موظفي الجهات الإيرادية التي لا تكفي إيراداتها لصرف كامل مستحقاتها. ويتوقع أن يكون أغلبية الموظفين في هذا القسم، بما فيهم المعلمين.
والفئة الثالثة: تستلم طوال السنة راتبين فقط؛ بحيث يصرف نصف مرتب كل ثلاثة أشهر، وهم من موظفي الجهات التي لديها إيرادات كافية لصرف مرتباتها سنويا.
يشدد القانون الجديد إن وزير مالية الجماعة المسلحة هو من سيحدد قوائم الطبقات الثلاث. أما ما تبقى من أموال الحساب الاستثنائي يصرف لسد ديون الحكومة لصغار المودعين، ولم يصدر توضيح حوثي بعد عن آلية هذا البند.
فئة دون مرتبات
هناك طبقة رابعة لن تستلم أي مرتب، فوفق القانون الجديد لن يشمل الصرف جميع الموظفين، بل سيقتصر على قلة محددة يسمونهم بالعاملة فعليا، وفق آخر عملية صرف لنصف مرتب حسب كشوف النظام الموحد الذي اعتمده الحوثي قبل سنوات.
كما سيتم الاعتماد على الموظفين الذين سيبقون في أعمالهم بعد عملية الدمج والتغيير التي يقوم بها الحوثيون منذ منتصف العام الجاري. وستشمل على سبيل المثال فصل خمسة آلاف موظف من هيئة النقل العام من وظائفهم وفق “علي الزنم” عضو مجلس نواب الحوثي الأسبوع الماضي.
ذلك يعني أن عشرات آلاف الموظفين باسم الجيش والأمن من غير العاملين في مؤسسات الدولة الخاضعة للحوثيين حاليا لن يتسلموا مرتباتهم، ويعتبرون مفصولين.
وفق بيانات جديدة فإن تقديرات الحوثي للموظفين ترى أن 80% منهم تقريبا مستحقون للتقاعد، ونالوا أحد الأجلين: خدمة 34 سنة، أو تجاوز سنهم 64 سنة.
لماذا اللجوء إلى آلية استثنائية؟!
وتعليقاً على القانون قال عبده بشر الوزير السابق في حكومة الحوثي، وأحد أعضاء مجلس النواب في صنعاء الذي اشتهر مؤخرا بانتقاد الجماعة إن القانون ” استكمال مصادرة اموال الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق ومنها صدوق المعلم، والنتيجة صرف نصف مرتب كل٣ أشهر وفي أحسن الأحوال نصف مرتب شهريا، ومصادرة أي حقوق سابقة”.
يواجه الحوثيون تحديات عميقة في مناطق سيطرتهم ترفض “التغيرات الجذرية” التي أعلن عنها زعيم الجماعة. ويرفض الموظفون الحكوميون التعامل مع تدويرهم أو اقصائهم وإعادة هيكلة مؤسساتهم. ففشلت الجماعة حتى الآن في إحداث التغيير في مؤسسات الدولة بما يتوائم وخططها لذلك تريد إيجاد إطار قانوني يسرح الموظفين الذين يمثلون عبء عليها ودمج مؤسسات الدولة بما يتناسب مع تصور الجماعة لإدارة مناطقها.
كما يريد المجتمع أن تركز الجماعة بدلاً من تثبيت أركانها في بنية السلطة والمجتمع أن تحلّ الوضع السيء والمزري في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وشكلت انقطاع المرتبات صداعا حقيقيا للحوثيين، رغم اعتمادها الشامل والعنيف على القوة لحماية سلطتها، وتصل إيرادات الجماعة سنوياً من الجمارك والضرائب أكثر من 2مليار دولار.
وتزايد ركود الاقتصاد في مناطق سيطرة الحوثيين إلى مستوى غير مسبوق فعلى الرغم من وجود السلع في المتاجر إلا أنه لا توجد أموال في أيدي المواطنين في مناطق سيطرتهم. ويقول خبراء اقتصاد في مناطق الحوثيين إنه “لاوجود لدورة مالية التي تحرك الاقتصاد”.
قانون تميزي عنصري
ويرى عمر الحميري المحامي والباحث في القانون العام إن قانون الحوثيين: لا يستند إلى التشريعات اليمنية والدستور اليمني، ولا يوجد فيه أي نص دستوري يشبه أو يقترب من المحتوى الوارد في القانون. ومن ناحية ثانية استند إلى الاتفاق مع المؤتمر الشعبي الذي انهار عمليا.
يضيف الحميري في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور”: الهدف الأساسي من القانون الإعلان النهائي من مليشيا الحوثي تخليها عن مسؤولية دفع المرتبات عن الموظفين العاملين تحت سيطرتها. وهناك استثناء في المادة 11 و16 بأن هذا القانون سيتوقف عندما تسيطر المليشيا على مصادر النفط والغاز وتحصل على التعويضات (لاحقا تم تعديل المادة عند إصداره الثلاثاء وتحول إلى دائم). أي أنه قانون حرب، وهي تتعامل مع الموظفين على أنهم عمال سخرة يقومون بأعمال مجبرين.
وأكد الحميري أن القانون “قسم موظفي الدولة إلى ثلاث مستويات، الأول أسندوا لأنفسهم الحق باستلام كامل مرتباتهم شهريا، وحصروها على بعض الموظفين”.
الفئة الثانية: معظم موظفي الدولة موظفي القطاع العام والخدمات العامة الذين لا تمتلك وحداتهم مصادر دخل مثل المعلمين، أي مئات الآلاف من الموظفين وتحديدا في قطاعي التعليم والصحة.
الفئة الثالثة: التي يعملون لدى قطاعات ووحدات رسمية لديها عوائد. وهذه الفئتان متضررتان بشكل رئيس من القانون الحوثي، وهم المستهدفين. وبموجب هذا القانون سيكونون المتضررين الرئيسين.
أما الدكتور نبيل عبدالصمد وهو محام يمني، في المنفى، فيقول عن القانون الحوثي: يخالف الدستور، لأنه يغول السلطة، ويدمر المساواة والعدالة الاجتماعية… مشروع القانون فيه تمييز عنصري، من خلال تقسيم الموظفين إلى فئات تمييزية، وهناك تمييز بين الموظفين حيث أحدهم تعطيه راتب كامل، وآخر نصف وثالث نصف كل ثلاثة أشهر. ولكن مشروع القانون تركها مفتوحة وجعلها بيد وزير المالية الحوثية.
صلاحية وزير مالية الحوثيين
يؤكد الحميري “ولكن حتى هذا الأمر غامض، إذ سيبقى هذا بيد وزير المالية، ويمنح الحوثيين السلطة منح ما تريد لمن تريد… الضرر الكبير من القانون يتمثل بأن من يستفيد من هذه الرواتب هم الأشخاص العاملين فعليا، وليس المسجلين وفق الخدمة المدنية، أو كشوفات 2014، وهناك إحلال كبير وهائل للعناصر الحوثية محل الموظفين الحكوميين. نسبة لا يستهان بها من موظفي الدولة محرومون من المرتبات بسبب عبارة العاملين فعليا”.
ويشير عبدالصمد إلى أن القانون نظم صفقة مع مجلس النواب يدفع لهم المرتبات مقابل تمرير القوانين، وكذلك مع القضاة.
وأكد عبدالصمد أن هناك مخاطر هائلة على الموظفين وفئاتهم: “من يستحق الراتب؟ كشف آخر راتب الذي وضعه الحوثي. ومعيار الإنجاز والانضباط، سيعينه الحوثي. معيار العامل الفعلي وهذا بالغ الأهمية لن يصرف إلا للعاملين الفعليين وهذا يعود مرة أخرى للحوثيين”.
وبالتالي يؤكد الدكتور نبيل عبدالصمد “هذا قانون تمييزي بشكل دقيق”.