المقالح: نسيجُ وحده
د. كمال أبو ديب
في العربية تعبيرٌ فريد هو أن تقولَ عن شخصٍ إنه نسيجُ وحده، أو كان نسيجَ وحده… ولا أعرفُ تفسيراً لنحو هذه العبارة؛ لكنها بكونها شاذةً تجسدُ معناها. وأكثرُ الناسِ الذين عرفتهم في حياتي المديدة جدارةً بأن يوصف بهذا التعبيرِ الفذ هو الصديق الفذ الذي فقدناه، عبد العزيز المقالح.
لقد كان بحق نسيجَ وحده. الإنسان الوحيد الذي عرفته يجسدُ النقائضَ والأضدادَ في العديد من جوانب شخصيته وإنتاجه المدهش. كان يجمعُ، بل سأقولُ إنه يجمعُ، بين الهدوء الذي يدفعكَ إلى الصمت، والجموحِ الذي يكاد يطيرُ بكَ مع جموحه.
الحكمةُ، الحِلمُ، والشجاعةُ، واللطفُ، والهيجانُ إذا كان ثمةَ ما ينبغي أن يُقابل بالثورةِ فقط.
في حضوره كنتُ أصمتُ لأتأمل صمته. وكنتُ أفيضُ حيويةً حين أراه في عنفوانِ مواقفه من كل ما يمسُ الوطن، من كل ما يمسُ الأمة، من كل ما يمسُ الذين نذرَ لهم أكبر قدرٍ من حياته وإبداعه، الذين حُرموا من الحريةِ وانتُهكت كرامتهم وانتُزعت أرضهم أو حقوقهم، من الضعفاء والمساكين والمحرومين بكل أشكال الحرمان.
وكنتُ أُدهشُ لذلك البعد الطفولي الذي ينثُّ من هذا الرجلِ؛ الرجل. في ضحكةٍ عابرة لحديثٍ سريع، أو للفتةٍ ذكية. وكنتُ أيضاً أُدهشُ لشيءٍ يسِمُه أكثر من أي إنسان أعرفه… هو عطاؤهُ الذي يجعلكَ تشعرُ بأنه، وهو يعطيك، يأخذ منك.
تراه إذا ما جئته متهللاً، كأنكَ معطيه الذي أنت سائله.
ليعطكَ ربك أيها الحبيب ما أنتَ جدير به، مسندَ الذراع الأيمن من عرشه؛ فإنكَ نسيجُ وحدك، وستظل في ما أظنُ نسيج وحدك.