فرض “حل” على الفلسطينيين لن ينهي صراع الشرق الأوسط مع إسرائيل
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
قبل قرن من الزمان، عندما كانت القوى الأوروبية الغربية تخطط لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حاولت الولايات المتحدة إقناع تلك القوى باتباع مسار مختلف. ودعماً للاعتقاد بأن الشعوب التي تحررت مؤخراً من الحكم الاستعماري ينبغي أن تتمتع بحق تقرير المصير، أرسلت الولايات المتحدة لجنة من الأميركيين البارزين لاستطلاع الرأي العام العربي لاكتشاف ما يريدونه وما لا يريدونه لمستقبلهم.
وخلصت اللجنة إلى أن الأغلبية الساحقة من العرب رفضت تقسيم أو تفكيك منطقتهم، أو الانتداب الأوروبي عليهم، أو إنشاء دولة صهيونية في فلسطين. وكان الكثيرون يأملون في قيام دولة عربية موحدة. كما حذر تقرير اللجنة من الصراع إذا ما تم المضي قدماً في التقسيم المخطط له.
وقد رفض البريطاني آرثر بلفور هذه النتائج، قائلاً إن مواقف السكان العرب الأصليين لا تعني الكثير بالنسبة له، خاصة عندما تقارن بأهمية الحركة الصهيونية.
وفي النهاية، نجح بلفور في تحقيق مراده، وتحققت نبوءة اللجنة الأميركية المروعة. فقد تم تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وتأسست ولاية في فلسطين، استخدمها البريطانيون لتشجيع الهجرة اليهودية، الأمر الذي أدى إلى إنشاء دولة إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، تعرض الفلسطينيون للتهجير والتشريد والعنف المتواصل. ولأنهم قاوموا، فقد تحول القرن الماضي إلى صراع مستمر بلغ ذروته بالإبادة الجماعية في غزة والقمع الساحق في الضفة الغربية.
إن المشكلة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في الوقت الحاضر هي أنه خلال العقود الثلاثة الماضية فقد المزيد من السيطرة على ظروف حياته. فمنذ توقيع اتفاقيات أوسلو، اتخذت إسرائيل خطوات لجعل إقامة دولة فلسطينية موحدة في الأراضي التي احتلتها في عام 1967 أمراً مستحيلاً.
لقد فصل الإسرائيليون ما يسمونه القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية، مما أدى إلى تشويه اقتصادها وإجبار سكانها على الاعتماد على إسرائيل في الحصول على فرص العمل والخدمات. وفي الضفة الغربية، اتبع الإسرائيليون خطة لتوسيع المستوطنات واستخدام الطرق والبنية الأساسية ونقاط التفتيش والمناطق الأمنية “الخاصة باليهود فقط” لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق صغيرة خاضعة للسيطرة. وقد عانت غزة من تراجع التنمية وتعرضت للخنق الاقتصادي لعقود من الزمان. كما تم عزلها عن بقية فلسطين.
لقد تحطم الحلم الذي كنا نأمله بعد أوسلو.
ولكن العالم الغربي لا يولي اهتماماً كبيراً لاحتياجات وتطلعات الشعب الفلسطيني. وبدلاً من ذلك، وبقيادة الولايات المتحدة، يتم طرح خطط لحكم مستقبل الفلسطينيين من دون موافقة المحكومين. وما يتم اقتراحه هو غزة يحكمها سلطة فلسطينية “مُصلحة”، مع توفير الأمن من قبل قوة عربية إسلامية، ولا شيء أكثر من الالتزام بالتفاوض على حل الدولتين في المستقبل.
إن الاقتراح غير قابل للتنفيذ لسببين.
رغم أن هذا المفهوم مصمم لتلبية احتياجات إسرائيل، فإن شروطه قوبلت بالرفض من جانب الإسرائيليين. فهم يرفضون مغادرة غزة أو السماح للفلسطينيين بالعودة إلى المناطق التي تم “تطهيرهم” منها في غزة. كما يرفض الإسرائيليون دور القوى الخارجية في توفير الأمن.
علاوة على ذلك، فإنهم يرفضون مناقشة أي نقاش حول دولة فلسطينية تنطوي على ربط المناطق الفلسطينية المقسمة، وخاصة إذا كان ذلك يتضمن التنازل عن الأراضي، أو إزالة المستوطنين، أو التنازل عن السيطرة الأمنية، أو توسيع دور السلطة الفلسطينية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن خطط “اليوم التالي” فشلت في أخذ وجهات النظر الفلسطينية في الاعتبار.
وبدلاً من إعطاء الأولوية لما تريده إسرائيل (أو الولايات المتحدة) أو تتطلبه وفرض الخطط على الفلسطينيين لتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، هناك حاجة إلى التحول إلى نهج يتحدى تلك السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى نزوح الفلسطينيين وغضبهم؛ وتشويه التنمية السياسية والاقتصادية الفلسطينية؛ وجعلت من المستحيل بناء المؤسسات الفلسطينية القادرة على كسب الاحترام.
إن نقطة البداية هي المطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال المدمر. ولابد من الاستماع إلى وجهات نظر الفلسطينيين. ولابد من تحميل إسرائيل وسياساتها التي خلقت هذه الفوضى وليس الضحايا المسؤولية.
هناك بعض العلامات المشجعة التي تشير إلى أن الرأي العام في الولايات المتحدة تحول في السنوات الأخيرة نحو اتجاه أكثر تأييداً للفلسطينيين. فقد أصبح الأميركيون أكثر دعماً للفلسطينيين، وأكثر معارضة للسياسات الإسرائيلية التي تنتهك الحقوق الفلسطينية. وهم منفتحون على تغيير السياسات التي من شأنها أن تساعد الفلسطينيين.
ولكن هنا وصلت المحادثة إلى طريق مسدود، وذلك -على وجه التحديد- بسبب عدم وجود رؤية فلسطينية واضحة للمستقبل، ولا توجد قيادة قادرة على التعبير عنها.
وعلى هذا الأساس، قامت مجموعة من رواد الأعمال الفلسطينيين بتكليف مؤسسة زغبي للأبحاث بقياس تأثير السياسات الإسرائيلية في غزة، والتهديدات التي تواجه السكان في الضفة الغربية، وسؤال الفلسطينيين عن المسار الأفضل للمضي قدما لتحقيق حقوقهم والسلام.
إن ما يكشفه الاستطلاع الذي أجري في شهر سبتمبر/أيلول هو أنه على الرغم من الظروف المختلفة التي فرضها الإسرائيليون على الفلسطينيين في كل من المناطق الثلاث الخاضعة لسيطرتهم، فإن الخيوط المشتركة المتمثلة في الهوية والرغبة في الحرية والوحدة لا تزال تربطهم ببعضهم البعض. إن ما يريدونه هو أن تُرفع ركبة الاحتلال الإسرائيلي عن ظهورهم حتى يتمكنوا أخيراً من التمتع بالحرية والاستقلال في أرضهم.
وبما أنهم فقدوا الثقة، بدرجات متفاوتة، في أداء السلطة الفلسطينية وحماس، فإنهم يفضلون ما يلي: إجراء استفتاء شعبي لانتخاب جيل جديد من القيادة القادرة على طرح رؤية جديدة لفلسطين؛ وتوحيد الصفوف الفلسطينية لإنشاء حكومة فعّالة قادرة على كسب الاحترام والتقدير؛ ومواصلة محاسبة إسرائيل على جرائمها في الهيئات الدولية.
وبطبيعة الحال، فإن كل هذا يحتاج إلى مزيد من التطوير، ولكن هذا هو المسار الأفضل على وجه التحديد لأنه يعترف بأنه بدلاً من الاستمرار في فرض “الحلول” على الفلسطينيين، فإن المكان الذي يتعين علينا أن نبدأ منه هو أن نسألهم عما يريدون، ونستمع إلى ما يقولون، ثم نعمل على تحويل تطلعاتهم إلى حقيقة واقعة.
*نشر أولاً في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية الصادرة بالانجليزية