بغض النظر إن انتهت الحرب مع هذا العام أو منتصف عام 2017م(كما يشير تقرير الربع الرابع لاكنوميست) إلا أن مصير هذه الحرب أن تنتهي، والوقت يستعجل لمعرفة كيف سيكون الأمر بعدها، وما ستخلفه آثارها من دمار اقتصادي وسياسي والأكثر من ذلك في النسيج الاجتماعي. بغض النظر إن انتهت الحرب مع هذا العام أو منتصف عام 2017م(كما يشير تقرير الربع الرابع لاكنوميست) إلا أن مصير هذه الحرب أن تنتهي، والوقت يستعجل لمعرفة كيف سيكون الأمر بعدها، وما ستخلفه آثارها من دمار اقتصادي وسياسي والأكثر من ذلك في النسيج الاجتماعي.
صحيح أن آثارها تظهر وجهاً تشاؤمياً لمستقبلٍ مجهول، تائه لا يعرف موضع أقدامه، لكنه بالتأكيد لن يكون الفردوس كما أنه ليس جحيماً مرعباً، فالتاريخ والتجارب تنضج وتؤشر إلى مستقبل أكثر إيماناً بالحقوق وبالإنسانية والمواطنة المتساوية، وهي أهداف ثورة فبراير اليمنية المجيدة.
ترث الحكومة القادمة للبلاد ملفات ثقيلة، ويرث المجتمع تركة تهدد تقسيمه وفرزه أكثر محولاً إياه إلى صراعات أثنية وطائفية، فما حدث بحق تجريف الهوية الوطنية ليس قليلاً، بل إن حشد الحوثيين لأتباعهم يتم وفق ذات الفرز “الهاشمي-الزيدي” (ليس من أجل الطموح لكنه من أجل البقاء)، وهو تحشيد للمقاتلين حتى الموت، وللأسف فقد انجر كثير من خصومهم وراء ترديد ذات العبرات والتنفيس عن غضبهم تجاه الكل وليس “انتقاء” من هدموا معبد الهوية الوطنية على رؤوس الجميع، مقدمين خدمة مجانية للحوثيين ومشروعهم السلالي، والطائفي المقيت.
وهذا التجريف للهوية الوطنية هو أخطر ما يهدد مصير اليمن، عادة ما تستطيع البلاد تجاوزه في صراعتها القبلية لعدة مؤثرات داخلية و”حكمة يمانية” خالصة، لكنها المرة الأولى التي يكون لذلك المؤثر الخارجي وجود والتي يغلب عليه التشيع القومي القادم من إيران، ولخططها مصالحها تسعى إلى فرز أكبر في صراعها من السعودية التي تمثل مركزاً للسلفية السنية في المنطقة.
كلما طالت مُدة الحرب كلما زادت تلك الشروخ، وكلما جرى الانتقاص من اللحمة الوطنية، التي اللحمة التي أصبحت مجهولة وغريبة، والأشد خطراً أن تنشأ داخل أسرة الواحدة متعددة الميول السياسية وربما الطائفية وإن كانت في أثنية واحدة؛ وهو الصراع الأكثر تدميراً لأي “نظام حكم” في المستقبل ويضاعف الضغوط على بلد ترتفع نسبة الأمية الثقافية والفكرية إلى أكثر من 70 بالمائة.
لكن ما يعطيك أملاً أن كل ذلك يجري في مجتمع من النخبة أو تقرأه في تفاصيل “المدينة” وأحيائها، كتفسير لا يقترن بالحقيقة الماثلة أن اليمن «أواصل تصور شعب من القرويين الفقراء، المعذبين، الذين يرتدون الملابس الملونة أحيانا، شعب متوحد ولا يتغير» كما أقرَّ إدورد سعيد عن الفلسطيني ذات مرة.
مع ذلك فاليمن تمر كما مرت بلدان كثيرة و وصلت إلى نجاح مستدام، فالجمهوريات الفرنسية المتعاقبة هي ما أنضجت الشعب ونظام الحكم، وهو الأمل الثاني بعد ثورة سبتمبر 1962م أن تكون ثورة فبراير 2011م هي مؤسسة الجمهورية الثانية والتي أرسى عليها الحوثيون عودتهم، كما أرسى “حكم اليعاقبة” بعد الباستيل 1789م والذي تحول أرباب النظام القديم أكثر من كونهم صوراً لماضيِ تاريخي حديث لتنتعش المقصلة وينتعش التدمير الذاتي للدولة ونسيج المجتمع، ورغم كون اليعاقبة لم يستمر إلا خمس سنوات إلا إنه ظل وصمة عار في تاريخ فرنسا فيما مثلت “الباستيل” رمزاً للتحرر والانعتاق من العبودية، ومثلها “فبراير”.
من يقرأ التاريخ لا يخاف ولا يخشى أن تؤول الأمور إلى الأسواء وإن كانت شواهدها عديدة، في الحاضر، لكن المستقبل أكثر إيماناً بأن اليمنيين لا يمكن أن يعودوا إلى ما قبل سبتمبر ولا يمكن أن يعيشوا مرحلة ما قبل فبراير كما كانت أوروبا التي لم تعش بحكم ما قبل “الباستيل”.