ما المأمول من التكتل الوطني؟
يبعث تشكيل “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية” الذي تم إشهاره مؤخرا في عدن، بمشاركة ٢٢ حزبا ومكونا سياسيا، مجموعة من الأسئلة في مقدمتها ما الجديد الذي سيقدمه وماذا يختلف عمّا سبقه ولماذا جاء الإعلان عنه في هذا التوقيت، بما يعني ذلك من دلالات محلية وخارجية.
في الواقع، هذا التكتل هو تطوير أوسع للتحالف الوطني الذي تشكل من ١٦ حزبا وقوة سياسية في ٢٠١٩، وبعض هذه القوى إن لم يكن جميعها داعمة للشرعية وتنضوي ضمن التكتل الجديد الذي يتولى قيادته في الدورة الأولى حزب المؤتمر الشعبي العام وتم التوافق على القيادي فيه د. أحمد عبيد بن دغر ليكون رئيسا له.
الجديد في التكتل هو انضمام قوى لم تكن جزءا من التحالف الأول مثل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ومجلسي حضرموت الوطني وشبوة، وقوى أخرى في الجنوب باستثناء “المجلس الانتقالي” الذي انسحب رغم مشاركته في الاجتماعات التحضيرية في أبريل الماضي بعدن.
إذن من حيث الشكل والمضمون فهو تقريبا واحد، فكل القوى مؤيدة للشرعية وتتفق في الهدف المشترك المتمثل في استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثي، بمعنى آخر، تم توحيد القوى المشاركة في السلطة الشرعية والمؤيدة لها في كيان جامع لتوحيد الصف الوطني وتسخير الطاقات لتحقيق الأهداف المشتركة، علاوة على أن توقيت الإعلان مرتبط بنجاح جهود التنسيق والتوافق على كل شيء بعد شهور من اللقاءات والمناقشات.
وكما هو معروف، الحياة السياسية في اليمن عرفت الكثير من التحالفات السياسية ولم يكن هناك أي مشكلة في التوافق على هذه الصيغ الجماعية، ولعل أبرز هذه التحالفات اللقاء المشترك في عهد الرئيس صالح والذي ساهم في إسقاط نظامه في ٢٠١١، وفي سنوات الحرب كان هناك تجربة التحالف الوطني لكن لم تكن فاعلة لأسباب عديدة لا يسمح المجال لذكرها.
ما يهم هنا هو الأهداف التي يسعى التكتل لتحقيقها وهي تتعلق باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب ودعم “المجلس الرئاسي” لتجاوز حالة الخلافات التي أثرت على عمله، ودعم الحكومة للقيام بواجباتها المختلفة، وكلها أهداف لا خلاف عليها، ويبقى السؤال عن كيفية تحقيقها وماذا إذا كان التكتل قادرا على ذلك أم سيواجه نفس عراقيل التحالف من قبل؟
بدون شك أن التكتل يعيد الاعتبار للأحزاب التي لطالما عبّرت عن شعورها بالتهميش في الفترة الماضية مع تمكين القوى المسلحة من قبل الداعمين الخارجيين، وهذه القوى هي التي تشكل قوام “المجلس الرئاسي”، وبالتالي فإن توافقها على العمل معا يساهم في تعزيز دورها وتأثيرها بما في ذلك في المشاركة في جهود التسوية التي كانت تتم بعيدا عنها وعن الجسم السياسي للشرعية نفسها.
ومهما كانت المآخذ على دور الأحزاب في الواقع الذي نعيشه، وهي تتحمّل جزءا كبيرا من المسؤولية لارتهان قرارها للخارج وتغلّيب المصالح الخاصة واغتراب قياداتها بعيدا عن الداخل، إلا أن إعادة تفعيل دورها في المحافظات أمر مهم وضروري لأن البديل عن السياسة والعمل المدني هو السلاح.
التكتل بصدد إنشاء فروع له في المحافظات وهذا جيد ويعزز الأمل بأنه قد يكون مختلفا عن التحالف الذي لم يستطع سوى فتح مقر واحد في تعز، وبدون نشاط ميداني في المحافظات لا يمكن تنفيذ البرنامج السياسي ولا الأهداف وستبقى مجرد طموحات نظرية وتنتهي مع مرور الوقت.
ما يريده الناس ويتطلعون إليه من التكتل هو إعطاء الأولوية لقضاياهم المعيشية التي لا تحتمل التأجيل، وهو أكد أنها من أولوياته وسيكون أي تغيير فيها لجهة المعالجة والاستجابة تأثير إيجابي لتخفيف المعاناة وفي نفس الوقت يعزز قوة التكتل ويجمع الناس حوله وبهذا تستعيد الأحزاب بعض الثقة المفقودة.
يعرف القائمون على التكتل أن مقاربة قضايا المواطنين لا تكون في البيانات ولا مخاطبة الحكومة، بل بالسياسات والإجراءات التي تأخذها الجهات الحكومية إلى حيز التنفيذ على اعتبار أن عددا كبيرا من مكونات التكتل هي جزء في السلطة ويمكنها محاسبة وتقييم أداء المسؤولين وعزلهم واستبدالهم بالكفاءات، وهذا هو الخيار الممكن لا التعامل مع السلطة بوصفها كيانا منفصلا عنهم.
من المفيد أن تكون اجتماعات التكتل عبارة عن تقييم لما يتم تنفيذه أكثر مما تعيد الطابع التقليدي المتمثل في المناقشات التي تنتهي لمجرد خبر منشور في وسائل الإعلام، ذلك أن العمل هو المقياس للتقييم ما لم فستكون خيبة الأمل كبيرة.
وهذا الأمر يقودنا إلى مسألة التوقيت وهي حساسة للغاية، فعلى المستوى الداخلي، تعاني السلطة ممثلة في المجلس الرئاسي والحكومة بضائقة مالية كبيرة جراء توقف صادرات النفط وتأخير تسليم الدفعة الأخيرة من الوديعة السعودية بالإضافة إلى تراجع قيمة العملة إلى مستوى غير مسبوق، وكل هذه العوامل ضاعفت معاناة الناس وخلقت حالة من الغضب والغليان ولابد من اتخاذ إجراءات فعالة تحدث تغييرا في الواقع.
وعلى المستوى السياسي، لا تزال جهود السلام متعثرة ولكن هناك متغير دولي يتمثل في مجيء رئيس أمريكي جديد وهذا يتطلب من الشرعية توحيد صفوفها وتجاوز حالة الانقسام التي تحول دون تلقي الدعم الدولي المنشود، ولذلك من المهم الاستعداد لكافة الاحتمالات بشكل موحد وبرؤية واضحة وموحدة أيضا.