ما خيارات إدارة ترامب للتعامل مع الحوثيين؟!
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، سيتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصب الرئاسة للمرة الثانية. وقد شهدت فترة ولاية ترامب الأولى إعادة تشكيل جذرية للسياسة الخارجية الأميركية بما يتماشى مع فلسفته “أميركا أولا”، في اليمن صنف الحوثيين كجماعة إرهابية بشكل كامل وهو القرار الذي نقضه جو بايدن في الشهر ذاته، ودعم العمليات العسكرية ضد الجماعة المسلحة من التحالف الذي تقوده السعودية.
يعود ترامب في الوقت الحالي وقد تحول الحوثيون من جماعة مسلحة ذات اهتمامات محلية يمنية إلى تنظيم ذو اهتمامات إقليمية بشن هجمات في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية والغربية مما أدى إلى خنق نحو 12% من التجارة البحرية العالمية، وتشن بلاده حرباً على الحركة اليمنية منذ 10 أشهر، وأطلقت ما قيمته 2 مليار دولار من الذخيرة للتصدي للهجمات البحرية أو استهداف الأراضي اليمنية.
ويتفق الجميع في الشرق الأوسط على أن ولايته الثانية سوف تحول السياسة الأميركية في المنطقة. ولكن لا أحد يتفق على طبيعة هذه السياسة. ورغم أن انتخابه ربما يبشر بتحول دراماتيكي، فإن الاتجاه الذي سوف يسلكه يعتمد على من يستمع إليه. ووعد دونالد ترامب في مقابلة قبل الانتخابات بوقف الحروب في الشرق الأوسط واستعادة السلام في المنطقة.
وقال أندرياس كريج الباحث في شؤون المنطقة: يُنظَر إلى ترامب على نطاق واسع باعتباره رجلاً يفتقر إلى رؤية واضحة للمنطقة. وسوف تتحدد سياسته الإقليمية من قِبَل أقوى جماعات الضغط في السياسة الخارجية في واشنطن: جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل من جهة وجماعات الضغط الخليجية من جهة أخرى.
الحوثيون وهجمات البحر الأحمر
خلال مقابلة ترامب مع قناة العربية في 20 أكتوبر/تشرين الأول، تحدث عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وقال إنها سيئة، وشدد إنه يجب منعهم من إطلاق النار على السفن. وقال: هناك الكثير من الصواريخ التي تنهال على السفن أكثر مما يعرفه الناس، الوضع سيء للغاية لا يمكن حتى استخدم الملاحة من أجل التجارة، والبدائل عن هذا المرر الرئيسي مكلفة وغير قابلة للتنفيذ”!
وتشن الولايات المتحدة وبريطانيا منذ 11 يناير/كانون الثاني حملة ضربات جوية ضد المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران داخل الأراضي اليمنية إلى جانب اعتراض الهجمات البحرية. التكلفة الهائلة للانتشار الأمريكي، حيث تم الرد على صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار التي تكلف بضعة آلاف من الدولارات بوابل من الذخائر بتكلفة تقرب من ملياري دولار أمريكي.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحفيين خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي: “إننا نعمل في البحر الأحمر مع تحالف يضم نحو 20 دولة أخرى لمواصلة إسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يواصل الحوثيون إطلاقها على الشحن التجاري هناك. ولا يزال وجودنا قويا هناك. ولا تزال قدراتنا كبيرة”.
ويوصف ترامب بكونه رجل الصفقات التجارية، وذهبت ولايته الأولى ذهبت نحو الابتعاد عن مشاركة واشنطن العسكرية في الصراعات المكلفة.
ويقول مصطفى ناجي، الباحث والكاتب اليمني: ترامب لا يريد خوض حرب لجنوده، ولن يتحمل وحده أعباء معركة عسكرية في اليمن ولن يقف ضد رغبة السعودية التي لا تريد العودة إلى مربع المعارك حولها خصوصاً في اليمن.
إلى جانب ذلك عزز الحوثيين وجودهم في محور المقاومة التابع لإيران، ولا تبدو طهران متحمسة للتخلي عليهم مع تأثير حليفها الرئيس حزب الله في لبنان. لذلك قد يرى ترامب الحوثيين من جهة عداء بلاده وحلفائه الإسرائيليين من إيران.
ووعد ترامب بعدم السماح لإيران ببناء قنبلة نووية. وفي الوقت نفسه، يبدو أنه غير متحمس للصراع. قال في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني: “لا أريد أن ألحق الضرر بإيران”، مضيفًا أنه يريد أن تكون “دولة ناجحة”؛ مشدداً على أنهم “أذكياء للغاية”، و”مفاوضون عظماء”، و”رجال أعمال عظماء”. وأعلن أنه “كدولة، يريد لها أن تنجح”.
فما الخيارات أمام ترامب في اليمن؟!
وتسببت سياسة إدارة بايدن تجاه اليمن بتقليل تقدير الوضع في اليمن، وحجم الخلافات في المعسكر المناهض للحوثيين، وهو ما أدى إلى زيادة تفكك المعسكر. ودعم نقل السلطة من الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس رئاسي من ثمانية مسؤولين لهم أهداف متعارضة يمثلون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهو ما أضعف الحكومة المعترف بها دولياً.
ويقول عبدالغني الإرياني، الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية: إن الخيارات المتاحة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي في اليمن محدودة. والعمل العسكري الكبير غير وارد. فالولايات المتحدة ليس لديها أي رغبة في أفغانستان أخرى.
وأضاف الإرياني: وحتى لو حصلوا على الأسلحة الكافية، فإن القادة العسكريين على الجانب الحكومي لا يستطيعون فعل الكثير في حين يعانون من الانقسام والفساد والافتقار إلى القدرة المؤسسية. ومن المرجح أن تنتهي الحملة العسكرية العبثية إلى إحداث التأثير المعاكس ــ إقناع المجتمع الدولي بقبول الحوثيين كحكام فعليين لليمن، تماماً كما حدث مع طالبان في أفغانستان.
“وعلى هذا فإن الخيار السياسي يظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق. ويتلخص فرضه في التوصل إلى اتفاق شامل لتقاسم السلطة بين جميع الأطراف اليمنية الفاعلة”-يقول الباحث الأول في مركز صنعاء.
ولأجل ذلك يرى الإرياني أنه لتحقيق ذلك يجب أن يتم الضغط على الحوثيين لخفض توقعاتهم إذ يتطلعون “الآن إلى الاستيلاء الكامل على أجزاء من اليمن يطمعون فيها من خلال خريطة الطريق التي عرضها عليهم السعوديون”.
وشدد الإرياني “يتعين على الحكومة أن تصبح ثقلاً موازناً موثوقاً به للحوثيين، بحيث تتمكن من المطالبة باتفاقية تقاسم السلطة العادلة والحفاظ عليها. ولذلك، لابد من استيفاء شرطين أساسيين لتمهيد الطريق لحل سياسي للصراع في اليمن.
هدفان رئيسيان
وأكد “الهدف الأول هو تعزيز القدرات الدفاعية للقوات الحكومية ومعالجة الخلل الهائل في التوازن العسكري بين الحوثيين والحكومة. فهم بحاجة إلى معرفة أن حقول النفط والغاز في مأرب وشبوة بعيدة عن متناولهم. إن وجود هذا الردع، بالإضافة إلى نظام العقوبات الذي يستهدف الشركات الواجهة للحوثيين، سيكون بمثابة العصا. أما الجزرة فستكون تمويل إعادة الإعمار والتنمية كجزء من اتفاق السلام”.
والهدف الثاني هو توحيد قيادة الحكومة المعترف بها دوليا وتحسين حوكمتها وإشرافها. إن إصلاح مجلس القيادة الرئاسي سيكون خطوة أولى جيدة، لكن التحدي الرئيسي هو تطوير قيادة عسكرية موحدة.
وأضاف: أنه في حين لا تزال السعودية والإمارات تتنافسان على النفوذ في اليمن، فإن الجماعات المسلحة التي تدعمها لن تخضع أبدا لمثل هذا الهيكل، لذلك من المهم أن تكون الرياض وأبو ظبي على نفس الصفحة.
ويرى مصطفى ناجي أن “استئناف حرب بضوء أخضر أمريكي ومن دون وجود طرف يدفع الكلفة أمر قليل الاحتمال سيما وقوى الشرعية منقسمة في ظل مرواحة المجلس الانتقالي من أي صيغة جديدة سياسية قد تتكون بانتهاء المعركة مع الحوثي”.
من جهته يقول كريج إن مجلس التعاون الخليجي أصبح أكثر اتحادا مما كان عليه في عام 2016. فقد أدى التكامل الإقليمي إلى تعميق التعاون والترابط بين دول الخليج العربية. وسادت البراجماتية سواء من حيث كيفية سد الفجوة بين دول مجلس التعاون الخليجي أو بين إيران والخليج. ونتيجة لهذا، تآكل الأساس الذي قام عليه أحد مشاريع ترامب القديمة ــ تحالف الأمن في الشرق الأوسط، الذي كان موجها في المقام الأول ضد إيران ــ على مدى العام الماضي.
ويلفت كريج إلى أن “السؤال الحاسم هنا هو إلى أي مدى ستتمكن شبكات جماعات الضغط الخليجية من العمل معا لتحقيق موقف مشترك بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية مثل فلسطين والحوثيين وإيران و”محور المقاومة””.
يبدو أن إدارة ترامب ستواجه معضلة الحوثيين في الشرق الأوسط، فحتى لو تمكن من وقف الحرب الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة، فلا يوجد ضامن ألا يستخدم الحوثيون الهجمات في البحر الأحمر كرافعة سياسية لتحقيق مكاسبة داخلية. وبين الدخول في حرب -سواء بشكل مباشر أو بدعم الحكومة المعترف بها دولياً بوضعها الحالي- أو التفاوض مع الحوثيين لوقف الهجمات لتحقيق تنازلات من حلفاء الولايات المتحدة سيحدده درجة التوافق الخليجي في اليمن، وتوحيد صفوف الحكومة اليمنية وحلفائها وليس قوة الحوثيين أو درجة الدعم الإيراني.