“ثلاثية” الحرب والجوع والمرض تفتك بأطفال ونساء الحديدة غربي اليمن (تقرير خاص)
لم
يكن الطفل اليمني “سالم” وصورته التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية
والدولية وأثار موجة من التضامن والاستهجان سوى نقل جزء يسير من معاناة
سكان محافظة الحديدة غربي البلاد. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/خاص/
لم يكن الطفل اليمني “سالم” وصورته التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية وأثار موجة من التضامن والاستهجان سوى نقل جزء يسير من معاناة سكان محافظة الحديدة غربي البلاد.
قرى “المتينة” بمنطقة “التحيتا” شمالي المدينة لم تكن هي وحدها التي طحنت الحرب سكانها واذاقتهم الجوع اصنافا تتجلى ملامحه على أجسادهم النحيلة؛ لازال هناك الاف الأطفال والأسر التي يقتلها الجوع ولم تصل إليهم عدسات الكاميرا ولا بيانات المنظمات الدولية.
لقد فاقمت الحرب معاناة السكان في عدد من قرى “الخميس” و”باجل” و”الدريهمي” و”بيت الفقيه” شرقاً وجنوباً وصولا إلى “الزهرة” و”اللحية” و”الخوبة” و”حرض” و”ميدي” وغيرها غرباً؛ وكلها قرى يعاني سكانها نقص الغذاء والدواء نتيجة توقف عملية “الصيد” التي كانت تشكل المصدر الوحيد للدخل، وباتو عاجزين عن الابحار خوفا على حياتهم من الألغام او الطائرات.
الكثير من سكان الأرياف الذين يعيشون على الزراعة باتو يواجهون ذات المصير مع ارتفاع اسعار الديزل وانعدامه في كثير من الأحيان، كما ان المعارك التي تشهدها الحدود اليمنية السعودية اعاقت عملية التصدير عقب اشتعال المعارك واغلاق منفذ الطوال الحدودي مع المملكة؛ وباتت الاف الأسر في أحياء المدينة تتغذى بوجبة واحدة فقط على مدار اليوم، وتكتظ شوارع المدينة وأسواقها ومساجدها بالمتسولين الذين يبحثون عن كسرة خبز تقييهم الموت جوعا.
سوء التغذية.. وباء قاتل يتربص بالتهاميين..
” بسيم الجناني ” صحفي وناشط متخصص في الجوانب الصحية يقول إن سوء التغذية الوخيم القاتل يحصد ارواح الاطفال في حال وصل لهذه المرحلة فهناك مراحل في سوء التغذية المتوسط والوخيم، وسببه الرئيسي هو قصور في غذاء الأطفال الطبيعي الرضاعة الطبيعية وخاصة حديثي الولادة الناتج عن جهل الأهل خاصة مع تفشي الفقر والمنتشر بشكل كبير في كافة ريف تهامة بصورة كبيرة منذ عقود.
ويشير ” الجناني ” الى قصور حكومي واضح في تبني الرعاية الصحية الأولية ومنها سوء التغذية؛ حيث اصبحت المراكز الصحية في كافة المديريات تعتمد بالشكل الاساسي على المنظمات الدولية من خلال التدخل العلاجي للأطفال، ومع نفور المنظمات الدولية وسحب مشاريعها من عدد من المحافظات وخاصة محافظة الحديدة بعد سيطرة الحوثيين على المحافظة؛ أصبحت كل الأعمال الإنسانية والإغاثية في تراجع مستمر بسبب ابتزاز الحوثيين وباتت المراكز العلاجية لا تمتلك أي مقومات التدخل العلاجي لحالات سوء التغذية.
ويؤكد ” الجناني ” خلال حديث خاص ل “يمن مونيتور” هناك أكثر من 16 ألف طفل في المحافظة يعانون من سوء التغذية وكانوا يتلقون العلاج عبر مشروع تتبناه مجموعة كلاستر بإشراف اليونيسيف والدبليو اتش؛ وفي الفترة الماضية تم سحب المشروع وبات هؤلاء الاطفال مهددين بالخطر؛ وإذا كانوا وصلوا لمرحلة متقدمة في العلاج وتجاوزوا مرحلة الوخيم إلى المتوسط فغداً سيعودون إلى المستوى الخطر المعرضين فيه للموت.
ويضيف ما رأيناه من صور لتلك الحالات هي جزء بسيط من المعاناة التي يعشيها الاطفال وتنتهي بالموت ؛ فمنذ عامين ومع دخول الحوثيين تقلصت كل أنشطة التغذية العلاجية للأطفال وأنشطتها من المنظمات ورغم دخول كميات كبيرة من الشحنات العلاجية المختلفة ومنها علاج سوء التغذية plumpy doz والــ plumpy nut ولكن أصبح توزيعها عشوائياً وعدم وجود رقابة وجهات تتدخل بصورة عملية ؛ ولايمكن أن يقوم بهذا الدور بشكل جاد سوى المنظمات وبتعاون مكتب الصحة ، ولا بد من تحمل تلك المنظمات مسؤوليتها طالما وهي لاتزال تعمل على الأرض في الجانب الاغاثي وتستقبل سفن اغاثية باستمرار وعليها أن تتدخل بشكل سريع للحد من توسع المرض وانقاذ الاطفال من الوصول لحالة سوء التغذية الوخيم.
ويضرب ” الجناني ” بمديرية التحيتا التي نشرت فيها الصور مثالا حيث يؤكد وجود مركز للتدخل العلاجي لحالات سوء التغذية وتم بنائه حديثاً؛ لكنه لم يجد أي تدخل من أي منظمة لتفعيله ودعمه، واضاف انه عندما نخاطب مكتب الصحة حول هذا الأمر يجيب بأن وزارة الصحة لا تعطي أي دعم مادي أو علاجي لسوء التغذية وكل ما يتلقاه مكتب الصحة من مشاريع وحملات نحو المرض هو دعم دولي من منظمات عاملة في المجال الصحي فقط.
مجاعة تتجاوز الصورة..
ملامح المجاعة وتفشي الأوبئة والأمراض وسوء التغذية في هذه القرى المنسية من قبل الحكومات المتعاقبة يعيد للذاكرة مشاهد أزمة المجاعة التي ضربت دول القرن الأفريقي، وينذر بكارثة انسانية بعيدة عن انظار المنظمات الدولية التي باتت معوناتها تتناثر بين ادراج النافذين.
وعلى الرغم من أن الحديدة سلة اليمن وشريانه الاقتصادي الا أن موقعها الاستراتيجي المطل على سواحل البحر الأحمر وموانئها الكبيرة لم تقي السكان من المجاعة التي ضربت كثيرا من القرى والمديريات؛ وتعد المدينة موردا ماليا كبيرا لليمن لكن معظم سكانها يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقارير اقتصادية محلية ودولية.
وبحسب مصدر خاص داخل ” ميناء الحديدة ” أكد ل “يمن مونيتور ” وجود متاجرة بالمواد المقدمة من الدول المانحة، مشيرا الى ان عددا من مسؤولي المنظمات أقدموا على بيع كميات كبيرة من القمح للتجار واستبداله بقمح منتهي الصلاحية، وتمتلئ عدد من الأسواق اليمنية بمواد اغاثية يتم بيعها على السكان.
مبادرات فردية لإنقاذ السكان..
ونتيجة الصور الصادمة بمنطقة التحيتا التي كشفت عنها وسائل الاعلام المحلية والدولية، شهدت المدينة حراكا اغاثيا دشنه رجال اعمال وناشطون حقوقيون حيث وزعت الجمعية الخيرية لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركائه 200 سلة غذائية بمنطقة المتينة، ولحقتها مجموعة إخوان ثابت التي سيرت قافلة من المواد الغذائية لإغاثة عدد من القرى المنكوبة كقرى ” الغويرق – الذكير – السقف – المجدرة – البقعة “.
الطبيبة والناشطة الإنسانية أشواق محرم كانت أحد أبرز الناشطين الذين كان لهم الدور البارز في اغاثة هذه القرى، لكنها اكدت ان السكان يحتاجون الى توفير الغذاء وتحسين السكن الذي يعيشون فيه؛ وتوفير خدمات صحية متنقلة وتوفير مصادر للدخل مثل تربية الحيوانات والاستفادة من بيعها وحليبها او لحمها كحلول دائمة لازمتهم.
وأشارت “محرم” خلال حديث خاص ل ” يمن مونيتور ” ان الريف التهامي هو الأكثر تضررا بالحرب، سواء بالقصف أو بالأضرار الاقتصادية والصحية والمعيشية؛ وينقصهم الغذاء والدواء والكساء والمأوى ووجهت نداء انساني لكل أطراف الصراع ايقاف الحرب وانقاذ السكان.
انتشار الأوبئة.. وغياب المنظمات الدولية..
وكشفت الطبيبة ” أشواق محرم ” عن انتشار لحالات ” الجرب ” وهو مرض جلدي سريع الانتشار، مشيرة الى اصابة أكثر من 15 حاله في قريتين على الشريط الساحلي لمديرية التحيتا، وعبرت عن استيائها من المنظمات الانسانية الدولية التي كانت تعمل قبل الحرب، لكنها انسحبت خلال الحرب في أشد أوقات الاحتياج اليها.
ويعلق ” الجناني ” على دور مكتب الصحة بجانب المنظمات فيقول عندما تدخلت المنظمات الدولية بصورة جادة ما بين الفترة 2012 و20014 انخفضت نسبة حالات سوء التغذية من 31% في محافظة الحديدة إلى 18% وكانت الجهود متواصلة لتقليل النسبة حد قوله، ويشدد أن على مكتب الصحة أن يحرك المياه الراكدة في أروقة المنظمات الاغاثة تجاه هذه الكارثة ويطلق نداء استغاثة بشكل رسمي ولا يقف متفرج أمام ما يحدث.
وكان مكتب الصحة بالمحافظة أطلق قبل يومين نداء استغاثة لإنقاذ المدينة بعدد من الأطباء المتخصصين عقب مغادرة الكثيرين للبلاد نتيجة الحرب، وبلغ الأزمة الإنسانية في هذه المناطق “حد المأساة الكاملة” في ظل ارتفاع أعداد النازحين، ونقص التمويل المقدم لتوفير الاحتياجات الإنسانية الضرورية.
وتشهد اليمن منذ عامين أوضاعا اقتصادية صعبة يعيشها السكان في ظل انهيار الدولة اليمنية واندلاع الحرب الدائرة في عدد من محافظات البلاد.