لماذا أغلقت جامعة تعز تخصصات مهمة؟ (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هبة التبعي
“منذُ أن وعيت وأنا أخططُ لمستقبلي الذي أراه مشرقّا رغم السواد الذي يخيم على بلادنا ووضعه المتردي تعليميًا واقتصاديًا، أجدُ أمل يجعل مني رجل علاقات دولية منبثقًا من بصيص وافد من تخصص العلاقات الدولية في قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب”، يتحدث خُبيب المجيدي لـ”يمن مونيتور”.
ألتحق خبيب أخيرًا في قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب، على أن يتخصص بعدها علاقات دولية، فترة وجيزة وقبل أن يتخصص خبيب، أعلن القسم إغلاق بابه وتم تحويله بعدها إلى قسم الإعلام ليتخصص بعدها علاقات عامة.
ويواصل المجيدي، وبصوته نبرة أسى:” شعرتُ بالإحباط الشديد، وأدركتُ أننا في هذه البلاد لا يحق لك أن تحلم، أو حتى أن تحدد مسار تعليمك الجامعي، مهما كان الشباب لديهم قدرات وعزيمة واندفاع نحو صناعة مستقبل أفضل يحسن من وضع هذه البلاد”.
تتزايد عدد التخصصات الجامعية التي تعلن إغلاق باب التسجيل والقبول فيها سنة بعد أخرى، في جامعة تعز، الجامعة الحكومية الوحيدة والتي تعتبر أكبر صرح تعليمي في المحافظة، والتي تضم أكبر عدد طلاب في تعز.
كان لكلية التربية النصيب الأكبر من التخصصات التي أغلقت تمثلت في الكيمياء، الفيزياء، الأحياء، الرياضيات، إنجليزي مجال، وبعدها أغلقت التخصصات نفسها في كلية العلوم التطبيقية، كما أغلق في كلية الآداب اللغة الفرنسية، وقسم الجغرافيا والفن التشكيلي، والعديد من التخصصات في بقية الكليات داخل الجامعة.
أسباب الإغلاق
يقول محمد قائد رئيس قسم التسجيل والقبول في جامعة تعز، أن الإقبال ضعيف جدًا على التخصصات التي تم إغلاقها، حيث وصل عدد المسجلين في كلية التربية لهذا العام 196 طالب وطالبة في جميع الأقسام المتاحة، شاملا الطلبة في فرع الحوبان، مقارنة بالعام السابق حيث بلغ عدد الطلبة الملتحقين بالكلية 330.
ويضيف محمد:” سبب عدم إقبال الطلبة على هذه التخصصات يعود إلى عدم وجود مصدر عمل بعد التخرج، فمن الطبيعي أن يختار الطالب التخصص الذي يضمن له عملا بعد تخرجه”.
وتحدث محمد الخطيب، أستاذ مشارك في الفيزياء النظرية في الجامعة، أن الحرب والأوضاع الأمنية المتدهورة والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد هو السبب الأساسي لحدوث هذه المشكلة.
يفسر ذلك الخطيب:” الحرب فرضت على العديد من الطلبة تجاهل شغفهم وميولهم وقدراتهم وتوجهوا نحو التخصصات الطبية والهندسية والتقنية والإدارية التي ممكن أن تضمن لهم لقمة عيش بعد التخرج، او بناء مشروع خاص، فضلًا عن تخصصات علمية لا تتوفر فيها فرص عمل مضمونة على المدى القريب.
ويؤكد جمال، رئيس قسم الرياضيات في الجامعة، أن السبب يعود أساسًا إلى عدم توفر الأستاذ المتخصص في هذه التخصصات بعد انتقال الأساتذة لكليتي العلوم والآداب، ويعود ذلك للقرار غير الموفق من رئيس الوزراء بالعام 1994، 1993م، حيث أصبحت كلية التربية بلا روح، وبدأت تغلق تخصص بعد أخر، وأعتقد أنها ستعلن إغلاقها تمامًا قريبًا.
” تعليق عملية التوظيف في اليمن جعل الطلبة يعزفون عن الالتحاق بهذه التخصصات الجامعية، خصوصًا التربية، لأن مهنة التدريس أصعب وأشق مهنة وظيفية ممكن أن تعمل بها وأقل راتب ممكن أن تحصل عليه”، يضيف جمال.
من سيعلم الأجيال غدًا؟
“سيأتي يوم قريب ولن نجد من يُعلم الطلبة في مدارس اليمن الحكومية والخاصة، من سيكون أستاذًا متخصصًا في الفيزياء والكيمياء والأحياء والجغرافيا وغيره، سيكون الحصول على مُعلم مختص بالعملة الصعبة أو بالاعتماد على خبراء أجانب لتدريس هذه المواد”، يتحدث الخطيب.
ويسترسل الخطيب، بأن الخريجين السابقين مضى على تخرجهم عشرين عامًا، ولم يتم توظيفهم وكثير منهم امتهنوا حِرف أخرى ونسوا تخصصاتهم وما تعلموه تمامًا، وأساتذة الآن قد كبروا في السن وسيولى زمن عطائهم وخدمتهم.
ويرى جمال أن إغلاق الجامعة لهذه التخصصات يعيق تحقيق أهداف الجامعة، وهي أن تؤهل كادر تعليمي متخصص بالمواد العلمية وتجديد معلوماتهم، وتبعًا لذلك فإن الجامعات الخاصة ستتأثر كثيرًا لأنها تعتمد بشكل أساسي على الجامعات الحكومية في رفدها كادر أكاديمي متميز.
سوق العمل
وتفيد أروى المعمري، مديرة إدارة سيدات الأعمال في الغرفة التجارية لمدينة تعز:” إغلاق مثل هذه التخصصات سيؤثر سلبًا على سوق العمل والاقتصاد في تعز بشكل خاص وفي اليمن بشكل عام”.
وتضيف أن هذا سيؤدي إلى نقص حاد في الكوادر المؤهلة في مجالات حيوية مثل التعليم، الصحة، الصناعة، والبحث العلمي، مع العلم أن محافظة تعز هي التي يتم من خلالها اخراج العديد من التخصصات للعمل في بقية المحافظات فأبناء تعز يعشقون العلم وهذا يؤدي إلى تراجع الخبرات المحلية.
“كما سيؤثر غياب هذه التخصصات على تطوير القطاعات الصناعية والزراعية والبحث العلمي وغيرها، التي تعتمد بشكل كبير على المهارات في الكيمياء والفيزياء والأحياء وغيرها، ما ينعكس سلبًا على الإنتاجية والنمو الاقتصادي”، تواصل المعمري.
تقول أروى لـ” يمن مونيتور”: “أتمنى حقًا أن يُعاد النظر في مثل هكذا قرارات غير مدروسة وغير محدد خطورتها على مسار التعليم في بلادنا”.
الحلول والمقترحات
يؤكد الخطيب أن حل هذه المشكلة يكون في تظافر جميع الأطراف المعنية الحكومية من ضمنها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، والجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من خلال وضع خطط واستراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية لهذه المشكلة.
ويرى جمال أن من الضروري تمويل الحكومة اليمنية الجامعة حتى تتمكن من الاستمرار في تدريس هذه التخصصات وإن كان عدد الطلبة قليلًا، كذلك يجب تحفيزهم وتعريفهم بالوظائف المتعددة المتعلقة في تخصصه، بالإضافة إلى تحفيز الأكاديمين ماليًا ومعنويًا وتقديم لهم برامج تدريبية تحدث معلوماتهم، كما يشير إلى أهمية إعادة توجيه المناهج الدراسية لتواكب سوق العمل.
يظل قرار إغلاق جامعة تعز لعدة تخصصات علمية وأدبية مشكلة تهدد التعليم العالي والمستقبل التعليمي للبلاد، عزوف الطلاب عن هذه التخصصات تحتاج إلى معالجات مشتركة تتمثل بالتوظيف وإعادة تنشيط الأعمال المناسبة لخريجي هذه التخصصات، وتمويل الجامعة ماليا وأكاديميا لإعادة إحياء هذه التخصصات.