كتابات خاصة

الحكومة و “المجلس الرئاسي” معنيان بوقف تدهور العملة

 

التدهور المستمر في سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية يعكس تداعيات الحرب على وضع الدولة واقتصادها بالدرجة الأولى بما يشمل ذلك استنزاف الاحتياطي الأجنبي من قبل الحوثيين وما تلاه من سوء إدارة قرار نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، بالإضافة إلى الانقسام في السياسة النقدية والمالية مع وجود بنكين وعملتين في الواقع  وصولا لفرض الحوثيين سياسة أمر واقع تتمثل في منع تصدير النفط للخارج مما حرم خزينة الدولة أهم مواردها ومصادر عملتها الصعبة.

هذه أسباب عامة لها تأثير متفاوت على تدهور العملة بين الوقت والآخر ومن الصعب تجاوزها ما لم يكن هناك اتفاق بين المتمردين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا يعالج هذه القضايا الاقتصادية التي تمثل أولوية قصوى للمواطنين وتؤثر على حياتهم أكثر من الطرفين وتحديدا الحكومة التي خسرت ستة مليار دولار جراء توقف تصدير النفط بحسب تصريحات محافظ البنك المركزي.

ومن الواضح أن التفاهم بشأن ذلك دونه تحديات كثيرة ترتبط بحسابات اللاعبين المحليين وتحديدا الحوثيين الذين يستخدمون ورقة النفط للضغط على الحكومة للحصول على مكاسب سياسية على حساب حقوق الناس، كما أنها ترتبط أيضا بحسابات اللاعبين الخارجيين وتحديدا السعودية التي ساهم تفاوضها الثنائي مع الحوثيين في وضع عائدات النفط ضمن تفاهمات بعيدا عن الحكومة التي لا تستطيع تجاوزها، ناهيك عن كونها أصلا لا تملك القدرة العسكرية لإعادة تصدير النفط بسبب عدم امتلاكها منظومة دفاع جوي ولو محدودة للتعامل مع الصواريخ والطائرات المسّيرة.

ومما يزيد الأمور تعقيدا للتوصل لاتفاق يعيد استغلال الموارد بما يعود بالنفع على حياة الناس على شكل مرتبات وخدمات ومشاريع، أن الحوثيين يطلبون حصة كبيرة يُقال إنها تصل إلى ٦٠ في المائة من العائدات بزعم أن الكثافة السكانية في مناطق سيطرتهم وأن معظم الموظفين هناك؛ وهي حجة تبدو منطقية في الواقع لكنها مجرد مزايدة باسم “حقوق المواطنين” لأن الحوثي لا يعترف لهم بأي شيء أصلا؛ فهو لا يدفع رواتب مما يأخذه من موارد كبيرة ولا يقدّم خدمات وبالتالي فهو يريد الأموال له ثم يتحكم في الرواتب بما يخدم أهدافه، هذا على افتراض أنه سيلتزم أصلا بالدفع بانتظام وهذا مشكوك فيه بالمعرفة والتجربة.

وفي هذا الواقع المعقّد، يبرز السؤال التالي: ما الخيارات المتاحة أمام الحكومة لوقف تدهور الريال ومن ثم العمل على استقراره لتخفيف المعاناة عن حياة الناس وتجنب الوصول إلى مجاعة، والجواب على ذلك عند “المجلس الرئاسي” والحكومة وليس الأخيرة فقط، فكلاهما يشكلان السلطة التنفيذية وتحسين الظروف المعيشية واستقرار العملة من واجباتهم الأساسية التي لا تحتمل المناكفات ولا تبادل الاتهامات والمسؤولية.

في الواقع؛ اتبع البنك المركزي بعدن سياسة تعويم العملة، أي تحريرها بحيث يخضع سعر الصرف للعرض والطلب وهذه السياسة أثبتت فشلها لأن البنك والحكومة معا لا يملكون الأدوات المالية للتحكم بالسوق مما يعني أن الاستمرار فيها غير مجدي، ولكن قد يكون هناك تفسير آخر لدى البنك للحفاظ عليها وهو المعني بهذا الجانب.

وعادة ما يتم المقارنة في سعر الصرف بين عدن وصنعاء لوجود فارق كبير، يرجع بشكل أساسي بحسب المختصين إلى ما يُسمّى “السعر الوهمي”، والذي يعني أن سعر الصرف غير حقيقي بدليل أن أسعار المواد الأساسية والسلع مرتفعة وهذا يناقض ادعاء الحوثيين بأن لديهم سياسة مالية ونقدية حافظت على سعر صرف حقيقي، ذلك أن التفسير الوحيد للسعر الثابت هو استخدام القوة في سوق الصرافة ومعاقبة أي مخالف للسعر المحدد حتى لو كان هناك ما يبرره اقتصاديا.

ولأن هذه المسألة تخص المختصين في الاقتصاد أكثر من غيرهم وهم من يفهمون التحليل العلمي الذي يفسّر هذه العملية، يسأل بعض العامة لماذا لا تنتهج الحكومة سياسة السعر المحدد بدلا من التعويم غير مدركين لكافة الأبعاد والإجراءات التي يتطلبها هذا الخيار؛ ومعهم حق في هذا المطلب بغض النظر عن الافتقار للمعرفة الكافية في المسألة من الناحية المالية والنقدية.

وينبغي أن تدرك الحكومة و “المجلس الرئاسي” أن وقف تدهور العملة والحفاظ على استقرارها من أولوياتهم التي لا تقبل أي تأخير وليسوا معنيين بالبحث عن أي مبررات بما في ذلك تكرار الاتهام للحوثيين بالمسؤولية العامة وهم لا يمتلكون سياسة مالية ونقدية واضحة ومرنة وتستجيب للمتغيرات في السوق.

وفي هذا السياق، من المؤسف أن الخلاف بين رئيس الحكومة ورئيس “المجلس الرئاسي”

يتفاقم للعلن ويتم التعبير عنه من خلال المحسوبين على الطرفين، والذين يتبادلون المسؤولية وراء هذا التدهور وكأنه الوحيد مما يهمّ الناس.

يحاول بعض المحسوبين على العليمي اختزال حل وقف تدهور العملة في إقالة رئيس الحكومة بزعم أنه فشل وأن هذه وظيفته لا مسؤولية المجلس أيضا، ومع أن هذا الأمر لا يشغل بال المواطنين كثيرا ولا يفرق معهم الاسم طالما وضعهم لا يتحسّن كما خبروا العديد من الوجوه، فمن المهم التذكير بأن التخلص من الرجل قد يكون حلا للطرف الآخر وليس بالضرورة للمواطنين.

ما يريده المواطنون من الحكومة و المجلس معا هو اتخاذ سياسات عملية توقف عملية تدهور العملة ضمن حزمة خيارات تغير ظروف حياتهم، ومن غير المقبول تجاهل معاناتهم ورسائلهم والاستجابة لها بطريقة مختلفة غير مجدية من قبيل الشكوى من توقف مواردهم من النفط رغم صحة ذلك، أو توجيه الاتهام للحوثيين بالتلاعب بالعملة بأي شكل وفي هذا إهانة لهم أن يكونوا ملعبا لا لاعبين مؤثرين.

مهما كانت التحديات والصعوبات المالية التي يواجهها أهل السلطة، فهم يملكون تدابير يمكن اللجوء إليها لتغيير وضع العملة وهم الذين يعرفون ذلك بحكم وجودهم في مناصبهم، وفي حال أصرّوا على الاستمرار في سياسة التجاهل أو الشكوى دون تحمّل المسؤولية، فسيكون من المشروع سؤالهم: ما جدوى البقاء في السلطة طالما أصبحتم عاجزين أو فاشلين للدرجة التي لا تستطيعون إيجاد حلول لمشكلة العملة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى