في رحيل حسن عبد الوارث: مقالات ساخرة ضد الحرب
صدام الزيدي
في أواخر سبتمبر/ أيلول المنصرم غيّب الموت في أحد مشافي العاصمة اليمنية صنعاء، الشاعر والكاتب والصحافي اليمني حسن عبد الوارث (1962- 2024)، وذلك بعد عمر حافلٍ بالإبداع الأدبي والصحافي والقبض على جمر الكتابة (المقال الصحافي تحديدًا) في بلدٍ انهارت فيه منظومة العمل الصحافي ومثل ذلك الفعل الثقافي المؤسسي في ظروف حربٍ مستمرة منذ عقد من الزمن.
هذا الرحيل الذي لا يختلف في تفاصيله، وفي مواجعه، عن ظروف رحيل كثير من أدباء اليمن وكتابه ونخبته المثقفة، الذين يجبرهم المرض والضيم على مواجهة مآلات قاسية بدون أن يلتفت إليهم أحد، خلق حيزًا واسعًا من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي عندما نعى كتاب وأدباء ومثقفون يمنيون الشاعر والصحافي وكاتب المقالات الساخرة حسن عبد الوارث، الذي لم تشفع له سيرته الممتدة التي تقلد خلالها مواقع نقابية ووظائف في الإدارة الإعلامية، في الحصول على رعاية صحية فما بالك بفترة عاصفة خاضها إثر توقف منابر النشر الصحافي واختياره العزلة والإنكفاء على أن يكون تابعًا سياسيًا، حيث كان رئيسًا لتحرير صحيفة “الوحدة” الأسبوعية الصادرة عن مؤسسة الثورة للصحافة في صنعاء، الصحيفة التي أنشأت تعبيرًا عن الاعتزاز بمنجز الوحدة اليمنية في مايو/ أيار 1990، وتأكيدًا على تلاحم الجغرافيا اليمنية واكتمال حلم اليمنيين بوطن موحد هو اليوم في ذروة تشظياته.
ووفقًا لسيرة متداولة لعبد الوارث، فهو من مواليد قرية صبران- مديرية الشمايتين- محافظة تعز. تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مدينة عدن وهنالك حصل على شهادة الليسانس في الفلسفة وعلم الاجتماع. بدأت علاقته بالصحافة في وقت مبكر حيث أنشأ صحيفة مدرسية كان يحررها وهو طالب في الإعدادية، كما بدأ بمراسلة صحيفة “14 أكتوبر” الرسمية الصادرة في عدن، في نهاية دراسته الإعدادية. بعد تخرجه في جامعة عدن توظف بشكل رسمي في صحيفة “14 أكتوبر”، قبل أن ينتقل للعمل مديرًا لتحرير صحيفة “الثوري” (الحزبية) حتى منتصف التسعينيات، وفي غضون ذلك حصل على دبلوم من المعهد الدولي للصحافة من صوفياـ بلغاريا عام 1988. كان عضوًا فاعلًا في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضوًا في نقابة الصحافيين اليمنيين. صدر له ديوان شعري بعنوان “ما خفي من التفاصيل”، عن الهيئة العامة للكتاب اليمنية. وأيضًا كتاب بعنوان “الإعلام في عالم متغيّر”، ودراسة “في فلسفة الإعلام المعاصر”، وله ثلاث مخطوطات شعرية لم تر النور بعد.
ومما جاء في نعي نقابة الصحافيين اليمنيين لوكيلها الثاني الأسبق: لقد كانت لحسن عبد الوارث تجربة نقابية مثابرة منذ مشاركته في المؤتمر التوحيدي الأول لنقابة الصحافيين اليمنيين في يونيو/ حزيران 1990، حيث انتخب حينها في المجلس المركزي للنقابة، وصولًا إلى انتخابه في فبراير/ شباط 2004 عضوًا في مجلس النقابة وتكليفه رئيسًا للجنة الثقافة والإعلام.
ونعته الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، لافتةً إلى أنه قضى شطرًا كبيرًا من حياته في محراب الكلمة مدافعًا عن قيم الإنسان، ومشيرة إلى أن “الصحافة والأدب في اليمن خسرا برحيل حسن عبد الوارث كاتبًا من طراز قلّ نظيره، وبخاصة على صعيد العلاقة بالكلمة الصادقة، والاتكاء على لغة وافرة ومتزنة وناضجة، والالتزام بموقف واضح حقيقي بدون زيف أو تلون”، منوهةً أيضًا “بخصوصية أسلوبه الساخر في التعبير عن آمال وآلام الواقع اليمني”.
وفي استعادة سريعة لعموده الأسبوعي “السلام تحية” ومقالاته، لا سيما الأخيرة منها والتي نشرت في موقع “قناة بلقيس” اليمنية المستقلة التي تبث من تركيا، ونزر قليل من مقالات نشرت له في موقع “العربي الجديد” وفي صحيفة خليجية أخرى، نجد أنه كان ينبري للدفاع عن القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية، أما يوميات الحرب اليمنية فقد كرّس لها عشرات المقالات بأسلوب مقالي- أدبي ناقد وساخر في الآن نفسه، ومثل ذلك، كتب عن عدن مدينة الطفولة والأحلام وبواكير النضوج الإبداعي.
“الصحافة والأدب في اليمن خسرا برحيل حسن عبد الوارث كاتبًا من طراز قلّ نظيره، وبخاصة على صعيد العلاقة بالكلمة الصادقة”
ووجدت لغته وعناوينه الحداثوية المواكِبة للأحداث المعتملة في اليمن وفي المنطقة العربية، بسخريتها المعهودة، منبرًا للنشر والتفاعل مع القراء بعد فترة عصيبة من الانكفاء في البيت إثر مغادرته صحيفة “الوحدة” التي توقفت أساسًا كما هو مآل عشرات الصحف الرسمية والحزبية والأهلية، حتى وإن كانت عاودت الصدور فهو يتقاطع مع السلطة الراهنة في صنعاء جملةً وتفصيلًا. كما نشر عبر صفحته في “فيسبوك” قصائد وخواطر وقصصًا وقراءات انطباعية في إصدارات لأدباء يمنيين، وعندما اشتدت الآلام بالجسد في أجواء العزلة اليمنية الراهنة، كان ينشر ما يشبه انكسارات وداع قريب.
قصيدتان لحسن عبد الوارث
(1) عدن
مُذْ كانت الدنيا تدور
كانت عدن
كانت دموعُ اللهِ
بحرًا ساطعًا فيها يمور
عدنٌ نشيدُ البحرِ
يعلو ساجدًا في “جولدمور”.
تأتي النساءُ إلى شواطئها
كما تأتي القصائدُ،
حافياتٍ
كما تأتي النوارسُ،
صافياتٍ
كما تأتي الليالي،
غافياتٍ
إلاَّ من حريقٍ شاهقٍ
بين الرماد
ومثلما يعلو الصهيلُ
على انكسارات الجياد.
مصقولةً كالحلم
كالشمس المُذابة في “خليج الفيل”
كالنار الضحوكة في خيام الروح
كالناس الذين أحبُّهم
جاءت عدن
جاءت
وحطَّت
في سويداءِ البلاد.
(2) في آخر الحرب
وفي آخر الحرب،
سيجمعُ كهلٌ أساطيرَ حُلْمِه
ويهرعُ طفلٌ إلى قبـرِ أُمِّه
وتكتبُ أُنثى صبابتَها
مسافرةً في خُدورِ الوشايةِ
وسافرةً في كتابِ الرمــالْ
وتدمعُ ثكلى بقايا السنينِ
التي غادرتْ صوبَ ريحِ الشمالْ.
وفي آخر الحرب،
تتلوَّى العصِيُّ
التي اْلتهمتْ في السرابِ
أفــاعي السُّعـــــــــالْ
وتمضي سرايا الحكايا
تُلملمُ جرحًا تشظَّى
على ساحةٍ بعثرتْها الحماقات
كما بعثرَ التِّيهُ ريشَ الســـؤالْ.
وفي آخر الحرب،
تنكسرُ الأغنيات
وتنهزمُ الأمنيات
ويمضي بنا التاريخُ
كالفضيحةِ،
في صحارى طافحةٍ بالقبورِ
ونازحةٍ في خيامِ السِّجــــالْ
وتبصقُ اِمرأةٌ
في وجــوهِ الرجــالْ.
المصدر: ضفة ثالثة