في الذكرى ٦١ لثورة اكتوبر… هل أثرت سياسة الاحتلال البريطاني على شكل الاستقلال جنوب اليمن؟
يمن مونيتور/ من فارس محمد
احتفلت اليمن بالذكرى ٦١ لثورة ١٤ من أكتوبر العظيمة التي تعد واحدة من أهم ثورات التحرر في المنطقة العربية، وكان لها الدور الأبرز في تغيير مجرى الأحداث في اليمن، وانتصر فيها الشعب على المحتل وتمكن أحرار ومناضلو الثورة حينها من كسر عصا الامبراطورية العظمى، وأجبروها على الرحيل منكسرة مهزومة، في سبيل نيل الحرية والكرامة المسلوبة، وفتحت الطريق نحو وحدة الوطن.
ومع انطلاق شرارتها الأولى من جبال ردفان سعت بريطانيا حينها إلى دعم الملكيين والقبائل التي تساندهم؛ للحيلولة دون نجاح الثورة وضربها مبكرا. وبعد مرور ٦١ عاما من عمر الثورة، تجددت في جنوب اليمن حروب وصراعات بينية طاحنة، وعادت حالة التمزق والفرقة والشتات من جديد بين مكونات الشطر الواحد، وعادت المصطلحات المناطقية والاحتقان، ما يشبه إلى حد كبير الوضع الذي تركه عليها الاحتلال البريطاني، مما يوحي بمدى تأثير السياسة البريطانية على تحقيق الاستقلال ومدى حضور تلك السياسة في المناطق التي سيطرت عليها.
الرهان الخاسر
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمنية د.عبدالكريم غانم في تصريح لموقع “يمن مونيتور”، إن سياسة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن أثرت على شكل الاستقلال، لكن إلى حد ما انتهج الاستعمار البريطاني سياسة فرق تسد، وبدلا من التعامل مع جنوب اليمن ككيان سياسي واحد، عمد إلى التعامل مع عدن كمستعمرة ذات وضعية متميزة، والتعامل مع السلطنات الأخرى كمحميات، وفق نظام يفصل بين عدن وغيرها من السلطنات من جهة، ويفصل هذه المستعمرات والسلطنات عن كيانها السياسي التاريخي والجغرافي والثقافي بالمعروف باليمن، من خلال محاولته إدراجها في نظام شبه فيدرالي، تحت مسمى الجنوب العربي.
وأضاف غانم “على الرغم من قوة النسيج الاجتماعي الذي يربط أبناء جنوب اليمن ببعضهم ويربط بين قبائل ومكونات جنوب اليمن وشماله إلا أن السياسة الاستعمارية حرصت على طمس الهوية اليمنية، من خلال الترويج لما سمي بالجنوب العربي، وهو كيان يفتقد للهوية الثقافية، مبتور عن التاريخ والجغرافيا، الهدف من ورائه بلورة هوية «كولونيالية» تشمل إلى جانب أبناء عدن والمحميات، الغرباء من مواطنين بريطانيين وهنود وصومال وغيرهم من الأعراق التي ارتبط وجودها بالاستعمار”.
واستدرك: إلا أن حركة التحرر الوطنية التي تشكلت في عدن من عموم مناطق اليمن، اسهمت إلى حدٍ كبير في إبطال رهانات الاستعمار، على بث روح التفرقة ومحاولته تمزيق النسيج الاجتماعي، فكانت عدن هي الحاضنة الرئيسية لحركات التحرير، إلى جانب الانتفاضات المنفصلة التي اندلعت في بعض السلطنات مع احتفاظها بهويتها اليمنية، لذا ظلت غرف عمليات الثورة تدار، ليس فقط من عدن، وردفان، بل من تعز وغيرها من المناطق اليمنية التي احتضنت الثوار، وفي مقدمتهم راجح لبوزة.
من جانبه يفيد الكاتب والمحلل السياسي محمد الغابري بأنه “إذا نحن عدنا إلى مشروع بريطانيا أيام الاحتلال فإنه تمثل في إقامة كيان اتحاد الجنوب العربي من سلطنات ومشيخات اتحاد متناثر…قابل لأن يكون دويلات وحدوداً وجوازات كما كان في حضرموت سلطنتين” حسب وصفه.
وأكد الغابري في تصريح لـ”يمن مونيتور”، أن المشروع حينها قام على طمس الهوية اليمنية عن المنطقة.
وتابع: كانت هيئة الإذاعة البريطانية تكرس التشطير وتزعم أن بين المنطقتين الشمال والجنوب حدود طبيعية جبال شاهقة، وأن المجتمعين مختلفان في كل شيء، فالشمال زيدي والجنوب شافعي، وعادات وتقاليد مختلفة، وتزعم بأن الجنوب متقدم مقارنة بالشمال المتخلف…. والتعليم والمرأة.
* وضع مشابه
ويرى الخبراء في التاريخ والسياسة أن المشهد القائم في جنوب اليمن بما في ذلك الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي يعود بنا إلى عهد الاحتلال البريطاني، وتثار شكوك حول حقيقة ما إذا كانت بريطانيا قد تخلت من جديد في جنوب اليمن.
ويشيرون إلى أن تأجيج الصراع بين مكونات الشارع الجنوبي، عبر المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال والعودة إلى ما قبل الثورة بما يطلق عليه الجنوب العربي، وإنشاء وحدات عسكرية على أسس مناطقية خارج إطار وزارة الدفاع، بالإضافة الى تقييد والحريات، وتنفيذ الاغتيالات وإنشاء السجون السرية للمعارضين، والتحكم بموارد البلاد ومقوماته، في حالة تشبه إلى حد ما امتداداً لسياسة مستعمر قديم.
وحول هذا الأمر يتحدث د. عبد الكريم غانم حول تأثير السياسات الاستعمارية على شكل الاستقلال، قائلا: ما يدور في الجنوب إنما هو أثر للسياسات الاستعمارية عقبة الاستقلال فقد لاحظنا كيف أن الانقسامات المناطقية سرعان ما بدأت بالظهر، وعبرت عن نفسها، إما من خلال ما عرف لاحقا بمسمى «الطغمة» و«الزمرة»، أو المساعي اللاحقة كالحركات الانفصالية، التي ظهرت تحت مسمى دولة الجنوب العربي، وهو الكيان نفسه الذي روج له الاستعمار البريطاني وسعى إلى استنباته بشتى الطرق، قبيل الاستقلال الذي أبى رواده إلا أن يعنونه بقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كجزء لا يتجزآ من اليمن الكبير بهويته الحضارية،.
وفي ذات السياق يرى الغابري أن الوضع في الجنوب اليمني ينبئ عن مؤشرات على وجود أياد بريطانية تعبث بهذا الملف وتسيطر على قراراته ومستقبله منذ قيام الجمهورية.
وقال الغابري: حضرت بريطانيا منذ قيام الجمهورية اليمنية…وتعمل كعادتها وشعارها بطيء لكنه أكيد المفعول وكانت حاضرة ضمن الدول العشر وهي تفضل عودة الإمامة شمالا، وتشتيت الجنوب، وتعمل ضمن الرباعية على عدم إنهاء الأزمة اليمنية واستعادة الدولة.
وتابع: أي أن حضورها مع الإمارات يعمل على تفكيك الدولة اليمنية وعودة الإمامة والتشطير بطرق أكثر سوءاً؛ أي أشطار حتى وإن ظلت تحت اسم الجمهورية اليمنية.