مكر المستعمر
نزعة الامبريالية التي ما زالت تحكم الدول الكبرى وتجعلها تتحكم بالدول الصغرى، والتي قررت تغيير من سياستها الاستعمارية، لتخرج من الباب وتعود من النافذة.
هذا التفسير الوحيد لوضعنا في الوطن العربي، واليمن كجزء اصيل من هذا الوطن، ظل ثوار الجبهة القومية يكررون لنا هذه العبارة، برفضهم الانفتاح مع العالم ومخاوفهم من الاستعمار الذي قد يطل عليهم من نوافذ العلاقات مع دول الجوار، تلك الدول التي أسسها المستعمر، وسمح باستخراج ثرواتها الباطنية باتفاقيات، جعلت منها بقرة حلوب يدللها ويسرق لبنها، وصنع منها قواعد عسكرية واستخباراتية تنخر في جسد الامة، واستطاعت ان تغتال مشروعنا القومي والعربي، واليوم تحاول ان تغتال أي مشروع إسلامي وسطي ينهض بالأمة.
لم يستوعب العرب ولم نستوعب في اليمن سياسة المستعمر (فرق تسد) التي ما زالت ماثله اليوم، هذه السياسة التي بدأت تثير الفتن بين رفاق الكفاح المسلح، وما زال دابر تلك الفتن يعمل لليوم، حيث ما زال الماضي حاضرا، والحاضر حلبة لتصفية فتن الماضي، مما صعب الانتقال لمستقبل منشود.
الامبريالية وجدت في الرجعية ضالتها، لتكن مرتع خصب لتخلق أدوات الفتن، ومنبر للترويج لها، ودعم كل التناقضات التي تعزز الثأر والانتقام، وتستدعي الماضي بكل مشاهده الدموية من انتهاكات وقهر وتعسف، تلك المشاهد التي مازالت حاضرة في كل منعطف وتحول، تعيق أي توافق واتفاق لتغيير حقيقي وتحول منشود.
يبقى السؤال هل تحررنا من المستعمر؟ وحققت ثوراتنا الوطنية أهدافها؟
سنجد الحقيقة المرة خرج المستعمر وظل يطل علينا من النافذة، يدغدغ مشاعرنا بما نسميه اليوم بالزمن الجميل، وهو زمن طفولة جيل اليوم، وما اجمل زمن الطفولة العفوي، في مجتمع ترسخت فيه ثقافة النظر للخلف، ثقافة الحنين للماضي، والاستسلام للحاضر، وهذا ما سهل للمستعمر إدارة المشهد بمكر، وصناعة الأدوات وتحريكها وفق منهج إدارة الصراع والعمل على التناقضات، وتفجير الحروب الهجينة، التي تعتمد نزاعات عقائدية طائفية تأخذ منحى ثقافي فكري واقتصادي، مع التدخل العسكري وقت الضرورة لحماية ادواتها.
مع الأسف بلدنا اليوم ساحة تتنازعها عدة اطراف، طائفية مناطقية جهوية قبلية سلالية، في بيئة مثخنة بالأحقاد والضغائن، بيئة مثالية لتخلق فيروسات الحروب التي تنتج بعضها بعض، وتغري الطامعين والمرتزقة والنفعيين، والفاسدين والإرهابيين، جمعتهم المنافع والمصالح، وصاروا يخدمون بعظهم بعض.
اليوم للأسف تمكن المستعمر منا، بعد ان تم تصفية رموز المشروع الوطني، وترويض البعض، واغراء وشراء الذمم، في مشهد تتصدر منصته أدوات طائفية مذهبية جهوية وسلالية، مشهد صناعة القطيع والحنيين للماضي ولعن الحاضر والصراع على المستقبل.
مشهد كهذا فقدنا فيه السيادة والإرادة الشعبية، وصار القوى المؤثرة اليوم تبعية للأنظمة الرجعية التي تخدم المستعمر، وصار كلا يبرر تحالفاته مع الشيطان للوصول لمبتغاه وأهدافه الصغيرة ، تلك الأهداف التي لم تبقي ولم تذر لمشروعنا الوطني الكبير و وحدة امتنا ، وما تبقى من مأثر ثوراتنا الوطنية، في بلد لا تستطيع ان تحتفل فيه بثورة الاستقلال من المستعمر ومن التخلف والجهل، وصارت راية الاستقلال تداس بالأقدام ، وترفع رايات الحنين للماضي ، ورايات الوصاية والتبعية ، في بلد استسلم للمؤامرة ، ومستمتع بمخطط الترويض والانهاك.
يبقى الامل ان نعيد للذاكرة ثورات اسلافنا ما سطروه من تضحيات روت دمائهم ارضنا الطاهرة، هل نستطيع ان نستلهم من تضحياتهم روح الاستقلال، والذي خرج من الباب يجب ان يخرج من النافذة التي عاد منها، ونغلق كل منافذ الفتن ، ونتوحد حول اهداف الثورة، كما احتفلنا بثورة سبتمبر، سنحتفل بثورة أكتوبر، وسنطلق صحوة ضمير امة لإنقاذ مشروعنا الوطني.