القرارات الأمريكية التي صدرت البارحة بوضع عقوبات على بعض شركات النائب البرلماني الشيخ حميد الأحمر بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين كان قد سبقها نهاية العام الماضي تقريرا لجريدة أمريكية يزعم تمويلاته للارهاب وتمت تسمية بعض شركاته في تركيا، وهو الأمر الذي نفته وزارة الخزانة التركية بشدة انطلاقا من علاقتها بالمعايير الدولية في ملف الارهاب.
مؤخرا يبدو أنه تم تحريك أوسع للملف.
من المثير للغرابة، أن كثير من شركات حميد الاحمر التي لم يشملها قرار البارحة قد شملتها منذ 10 سنوات قرارات واجراءات ميلشيات الحوثي الارهابية، اذ صادرت الجماعة فور وصولها صنعاء كثير من شركاته وممتلكاته وأبرزها شركة الاتصالات سبأفون وبنك سبأ الاسلامي وصولا إلى منازله الخاصة التي تفاخرت الميلشيات بالتقاط الصور فيها بطريقة كانت سابقة في تاريخ البلاد.
تزعم الجماعة في صنعاء أنها الحامي الوحيد للاقصى وفلسطين بينما تكيل التهم بالصهينة لكل خصومها السياسيين وحميد الاحمر من ابرزهم، والبارحة تعلن أمريكا ادراج بعض شركاته في قائمة العقوبات بتهمة دعم حماس.
حميد – ككل اليمنيين- لم ولا يخفي علاقته بالقضية الفلسطينية، بل يفاخر بها وبانحيازه إليها بكل قواها ومكوناتها المقاومة، وهذا الامر يشترك فيه جميع اليمنيين.
حتى في أشد خلافاتهم البينية كانت العلاقة بالقوى الفلسطينية هي الحالة الاستثناء بين طرفي المعادلة السياسية اليمنية (السلطة والمعارضة)، ظل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح يتعامل مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تعاملا استثنائيا عن اغلب الدول العربية حتى وفاته، وبعد رحيل أبو عمار ظلت تلك الحفاوة هي ذاتها من صالح تجاه خلفه محمود عباس (أبو مازن)، بل كان الرئيس صالح يمنح حفاوة ومراسيم رئاسية لقيادات فتح وحماس كأهم حركات النضال الفلسطيني، خالد مشعل وموسى أبو مرزوق بالذات كان يتعامل معهما كرؤساء دول أو حكومات.
قبل الوحدة واثر ازمة منظمة التحرير الفلسطينية مع الاردن انتقلت عدد من وحدات المقاومة الفلسطينية إلى الجمهورية العربية اليمنية – الشطر الشمالي – وأنشئت لها معسكرات مكتملة من أبرزها معسكر ريمة حميد الذي منحه الرئيس صالح لهم بالقرب من قريته ومسقط رأسه، وفي الشطر الجنوبي لم يكن الحال الا أكثر من ذلك، حيث تعدى الحضور الفلسطيني في جمهورية اليمن الديمقراطية حالة النازح الشقيق ليصبحوا أطرافا وأرقاما مؤثرة في الشأن الداخلي وكان لرموز اليسار الفلسطيني من التأثير في عدن ما يفوق رفاقهم من أبناء البلد.
قبل مواقف حميد الاحمر كان والده الراحل عبدالله بن حسين الاحمر بصفاته الرسمية والحزبية والقبلية أيضا من أبرز الداعمين والمناصرين للقضية الفلسطينية، وفي هذا السياق جاء انشاء مؤسسة القدس الدولية ككيان عربي مركزه اليمن وأسندت رئاسته للاحمر الأب حتى وفاته، كان الاب الراحل تجاه قضايا فلسطين يتخلى عن كل رصانته وديبلوماسيته المعهودة مبديا انحيازه الكامل والمبدأي، وبعد وفاته انتقل مركز مؤسسة القدس الرئيسي إلى بيروت برئيس آخر، ومؤخرا صار حميد رئيسا لها.
وعلى ذكر مؤسسة القدس الدولية وموقع الاحمر منها، نتذكر في سنوات تنافس بين عائلتي صالح – الاحمر، إنشاء آل صالح مؤسسة موازية لمؤسسة القدس لمشاركة هذا الحضور والميدان المتفق عليه يمنيا، هي جمعية كنعان لفلسطين التي ترأسها العميد يحيى صالح وانتقلت معه إلى بيروت أيضا حتى استيلاء جماعة الحوثي عليها.
تعبيرا عن مستوى الاهتمام، ظلت صنعاء طيلة تاريخ الدولة حتى 2014م تستضيف رسميا مكاتب وبعثات أشبه بالسفارات لحركات المقاومة الفلسطينية وأبرزها فتح وحماس، رغم وجود سفارة فلسطينية مكتملة، وكانت الكليات العسكرية والامنية فضلا عن الجامعات تخصص مقاعد في كل دفعاتها للاشقاء الفلسطينيين.
كما ظلت الحكومات المتعاقبة منذ قبل الوحدة وقبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تستقطع من كل موظفي القطاع العام المدني والعسكري شهريا مبالغ تحت مسمى (صندوق القدس)، تدفعها رسميا إلى حركات المقاومة الفلسطينية والجمعيات العاملة والسلطة الفلسطينية بما فيها حماس، وجاءت السلالة الهاشمية فأوقفت الرواتب والموظف والحياة كلها وعادت تزايد أن الشعب اليمني صهاينة.
وحدها جماعة الحوثي في اليمن يمكن القول – وبالادلة والشواهد والشهود – أنها دخلت ميدان القضية الفلسطينية للمزايدة والانتهازية والفهلوة لا نصرة جادة او ايمانا حقيقيا بعدالة القضية، فهي تريد منها ذريعة لتركيع اليمنيين وابتزاز العالم وتهديد الامن والسلم الدولي، وتنفيذ اجندة اجنبية تقامر لاجلها باليمن ومصالحه بشكل فج، فيما تاريخها قبل وبعد الانقلاب يخلو من أي انحياز أو دعم ملموس للقضية الفلسطينية.
القرارات التي استهدفت حميد الاحمر البارحة هي أول حادثة تستهدف فيها المؤسسات الدولية شخصية سياسية واجتماعية يمنية نتيجة موقفه من فلسطين، وهذه القرارات حتى في أسوأ الاحتمالات لن يصل تأثيرها السلبي مستوى تأثير تصرفات جماعة الحوثي التي تزعم انها تناصر فلسطين.
لاشك أن لدى الاحمر إدراك ووعي بالواقع الدولي الذي ينشط فيه تجاريا او سياسيا، وقوانينه وأعرافه، وهو بالتأكيد يمتلك الاجابات والادوات التي تبريء ساحته وتجيب على ما يمكن أن يعتبرها تهما كيدية مبنية على تقارير مضللة، وهو أيضا معتاد على دفع ثمن قناعاته
عقوبات الخزانة الامريكية هي اجراءات مالية خاضعة للمراجعة الدورية وفق القوانين الامريكية ومعطياتها ومتغيرات السياسة أيضا، وهي في كثير من الحالات تخضع للتأثير السياسي والمزاجي، يكفي الاشارة في هذا السياق إلى أنه خلال شهرين فقط صنفت وحذفت جماعة الحوثي في قائمة التنظيمات الارهابية، وطبعا هذا التصنيف يختلف كليا عن قوائم الامم المتحدة ومجلس الأمن.
مما لوحظ السماع إليه مؤخرا من الشامتين بالاحمر اثر هذا التصنيف، هو قول بعضهم أنه كان الاحرى به التفرغ لقضيته الوطنية التي تواجه حربا وجودية مع عدو اجرامي لا يقل بالفعل خطرا وضررا وكارثية وبشاعة وعنصرية من الكيان الصهيوني ذاته.
إن كان هذا النقد لدى اصحابه وزاعميه يطال كل الشخصيات السياسية اليمنية على السواء، وكل أصحاب رأس المال الوطني بلا استثناء، ويحملهم جميعا القدر ذاته من المسؤولية بلا تمييز فهو منطق حق يمكن نقاشه، اما ان كان هذا النقد حالة مقتصرة على حميد او سعيد فهو تدليس مكشوف لسببين.
الاول: أن الكيد السياسي في هذا النقد المزعوم لا يمكن انكاره او الهروب منه، والتخفي حول لافتة القضية الوطنية لمناكفة الخصوم مجرد ابتذال مكشوف.
والثاني : أن الرجل في موضوع المواجهة والحرب مع الامامة لا يمكن المزايدة عليه من كل أقرانه والحالات التي تشبهه، فإضافة إلى كونه هدفا رئيسيا لها وعدوا صارخا معها منذ مطلع حروبها وشنت عليه وعلى اسرته وقبيلته أقسى هجماتها، ولاتزال اغلب ممتلكاته وأصوله تحت سطوتها، فإنه طيلة اربع سنوات من الحرب بين ميلشيات الامامة واليمنيين قبل سقوط صنعاء عام 2014م في حروب محافظة عمران في قفلة عذر وفي حوث وفي العشة وفي ريدة وصولا إلى معركة مركز محافظة عمران ومديرياتها المجاورة، كان أهم داعم وممول للمدافعين عن البلاد قبائل وحزبيين وجيشا، وحين تخلت وزارة دفاع محمد ناصر أحمد عن واجبها وشرفها العسكري بخذلانها اللواء 310 مدرع وقائده العميد الشهيد حميد القشيبي، كان حميد يغطي عجز هذه الوحدة العسكرية واحتياجها من مال وسلاح بشكل يومي، وساهم في صمود اللواء ستة أشهر كاملة بقي يخوض فيها أعظم ملاحم البطولة بذخيرة اشترى كثير منها من السوق السوداء بعد أن أقفلت وزارة دفاع صنعاء أبواب مخازنها وظلت تقفلها حتى استلمتها فلول الامامة الحاقدة في أيلول الاسود.
نختلف كثيرا فيما بيننا كأطراف وكيانات، وهذه سنة الحياة وقوانينها، لكن حقائق التاريخ المجردة مما لا يمكن الخلاف حوله، او تضليله، وإذ نقول هذه الكلمات فإننا نؤكد مجددا ودوما أن الجميع بلا استثناء مقصر تجاه قضيتنا الأم والاساس ولابد عليه أن يبذل جهدا اكثر وثمنا اكبر في الخلاص من الامامة الجاثمة حتى رفع كابوسها عن صنعاء وكل البلاد.
الجميع بلا استثناء.