في لحظة حاسمة من التاريخ نجت مأرب ونجا معها اليمنيون من حدث كان سيدفع بالتطورات إلى وجهة مختلفة أكثر سوداوية من التي نراها اليوم. في لحظة حاسمة من التاريخ نجت مأرب ونجا معها اليمنيون من حدث كان سيدفع بالتطورات إلى وجهة مختلفة أكثر سوداوية من التي نراها اليوم.
هذه اللحظة هي التي شهدت تدخل التحالف العربي عسكرياً في اليمن. قبل ذلك بساعات كان المخلوع صالح وحلفاؤه الحوثيون قد اتخذوا قرار اقتحام مأرب وأعدوا خطة عسكرية شاملة للاستيلاء عليها بشكل كامل، فتحول مجرى المعركة في مأرب من الدفاع المستميت عن عاصمة المحافظة إلى الهجوم الذي انتهى بتحريرها بصورة شبه كاملة.
كان الحشد العسكري للانقلابيين، يستهدف بشكل واضح الاستيلاء على مارب بضربة خاطفة، ولذلك تم تجهيز الأولوية المقاتلة التابعة لهم بأحدث الأسلحة وبكميات هائلة من العتاد لفرض السيطرة على مارب.
ومأرب التي أُعنيها هنا هي المدينة، وبضع كيلو مترات تحيط بها، عدا ذلك كانت المعسكرات والسيطرة المباشرة للانقلابيين تحيط بالمدينة من كل الجهات.
المعطيات الموضوعية لا تستطيع أن تقدم تفسيراً حقيقياً لصمود مارب في وجه الانقلابيين، لكن الذي أعرفه هو أن مارب كانت قد تحولت إلى عاصمة للمقاومة، إليها وفد المئات من المقاتلين الرافضين للانقلاب، فكانت مارب ملاذا ومترساً معاً.
وثمة عامل آخر يصعب تجنب الحديث عنه، وهو أن الدول المجاورة، دعمت وشجعت على ما يبدو التحرك العسكري لقبائل مأرب، ودعمت ثبات هذه القبائل، وقد أسهم ذلك في الزخم الذي رأيناه في مطارح مأرب وفي نوع الأسلحة التي تدفقت إلى مقاتلي مأرب.
الحديث عن مأرب يستدعي التذكير بالدور العظيم الذي لعبته المطارح القبلية والتي تداعت إليها قبائل مارب وتداعى إليها أيضاً المقاتلون من مختلف أنحاء اليمن، وكيف نجحت هذه المطارح في إعادة توجيه مسار الأحداث من انتظار للميلشيا لكي تقتحم وتسيطر وتحكم قبضتها كما حدث في عدد من المحافظات، إلى مواجهة عسكرية عطلت المفاعيل العسكرية للانقلابيين واستنزفت قدراتهم وحولت مأرب إلى جبهة استنزاف خطيرة لهؤلاء الانقلابيين.
يقول عبد الله القادري وهو صحفي من مأرب “إن 80 بالمائة من قادة هذه المطارح استشهدوا في المعارك التي دارت مع الانقلابيين”، وهذا يكفي للدلالة على حجم التضحيات التي بذلها سكان مأرب، وتمكنوا عبرها من كبح جماح الانقلابيين وتعظيم خسائرهم في معركة فرض السيطرة على مأرب.
كان يتعين على أبناء مارب أن يواجهوا عدوان الميلشيا ليس فقط في محيط المدينة وعند حدود المحافظة، ولكن أيضاً داخل المحافظة نفسها حيث كان المئات من المقاتلين يقدمون إسناداً مباشراً للانقلابيين.
بقيت مأرب بفضل تضحيات أبنائها، أملاً مشرقاً في زمن أطبق فيه الظلام على كل شيء، وبات بالإمكان على كل من استبد به الشعور بالغبن والظلم أن يتجه صوب مأرب، وهناك أمكن للمئات من اليمنيين المشاركة في معركة الشرف والتضحية.
وفي الجبهات المختلفة بمارب بذل خيرة أبناء اليمن أرواحهم رخيصة، من أجل الانتصار لقيم الجمهورية التي كادت أن تطوى في زمن استحضر فيه الدكتاتور المخلوع صالح كل دوافع الانتقام ليوجهها دفعة واحدة ليس فقط ضد من أسقطوه من سدة الرئاسة ولكن أيضاً ضد كل ما يرمز للثورة اليمنية ونظامها الجمهوري، فكان أن سخر ما بقي من عمره لتقويض الجمهورية حتى وإن أظهرت شعاراته غير ذلك، فالتحالف مع الإماميين لا يعني سوى ذلك.