أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

في يومهم العالمي… معلمو اليمن بين مطرقة الجوع وسندان القمع والتهميش! (تقرير خاص)  

يمن مونيتور/ من افتخار عبده

يصادف يومنا هذا السبت/ الخامس من أكتوبر، اليوم العالمي للمعلم، اليوم الذي يحظى فيه معلمو العالم بالكثير من التبجيل والتعظيم، في الوقت الذي يواجه فيه معلمو اليمن انتهاكاتٍ جسيمةً حرمتهم من أبسط حقوقهم وجعلتهم غرباء داخل أوطانهم.

وبات المعلم اليمني مشردًا يكابد الحياة لكي يبقى على قيدها منذ انقلاب الحوثيين على الدولة قبل عشرة أعوام؛ إذ فرضت المليشيات قيودًا وأغلالًا عليه ابتداءً بانقطاع المرتبات وانتهاء بالاعتقال والقتل ومصادرة الحقوق.

وإلى جانب ذلك يأتي تدهور الأوضاع الاقتصادية ليفقد المعلم الكثير من هيبته التي كانت مرتبطة بمكانته التعليمية، فتحول من رمزٍ للعلم والمعرفة إلى شخصٍ يعاني من الفقر والحرمان، يسعى لتأمين أبسط مقومات الحياة ولم يستطع إلى ذلك سبيلا.

معلمون يمنيون وأكاديميون يصفون هذه المناسبة بأنها بمثابة تنكيئ للجراح الغائرة بالنسبة لهم؛ فهي تذكرهم بما مروا به خلال هذه العشر السنوات المريرة من معاناة نفسية وجسدية ومادية.

بهذا الشأن يقول د/ عبد القادر الخلي ( أكاديمي لدى جامعة تعز )” كان المعلم يحظى باحترام وتقدير من كل فئات المجتمع، وكان يعيش معززا مكرمًا ويتقاضى مرتبا، لا نقول إنه يجعله يعيش حياة الرفاهية، لكنه- على الأقل- يكفي لتوفير حاجات بيته الأساسية، وقد كان المعلم يدخل الفصل الدراسي رافعًا رأسه ينظر له الطلاب نظرة وقار واحترام، لكن حال المعلم تغيرت إلى الأسوأ وتدهورت معيشتهم وتمت إهانتهم بطرق شتى”.

وأضاف الخلي لموقع” يمن مونيتور” بعد الانقلاب الحوثي على الدولة أصبح المعلم يبحث عن مهن أخرى يعيل من خلالها أسرته، فاليوم المعلم أصبح يطأطئ رأسه باحثًا عن مصدر دخل سواء في المطاعم أو المقاهي، ومنهم من يعمل بائعا متجولا بالبطاطس أو المثلجات للطلاب، ومنهم من يعمل في بيع القات، وسعيد الحظ من المعلمين من حصل على وظيفة في مدرسة خاصة”.

تغيرت نظرة المجتمع للمعلم

وأشار إلى أنه” تغيرت نظرة المجتمع اليمني للمعلم بشكل كبير في ظل الصراع الراهن؛ ففي السابق كان المعلم يحظى بتقدير كبير باعتباره عمودًا أساسيًا في بناء المجتمع، ومربيًا للأجيال وناقلاً للمعرفة، وهذا الاحترام كان متجذرًا في الثقافة اليمنية؛ إذْ كان ينظر إلى المعلم كرجل علم وقيمة اجتماعية عالية”.

وتابع” مع استمرار الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تعرضت مكانة المعلم الاجتماعية لضغوط شديدة، فانقطاع الرواتب لفترات طويلة، وتدهور الظروف المعيشية دفع المعلمين إلى البحث عن أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش، مما أثر سلبًا على صورتهم في المجتمع، فالمعلم الذي كان يُنظر إليه باعتزاز أصبح اليوم في أعين البعض رمزًا للمعاناة والحرمان”.

وأردف” غياب الدعم الحكومي وعدم الاهتمام بمهنة التعليم جعلا المجتمع ينظر إلى المعلم كضحية للظروف، يعاني مثله مثل غيره من الفئات الاجتماعية من انعدام الأمن المالي والاستقرار، والبعض قد يشعر بالتعاطف مع وضع المعلمين، بينما آخرون قد يرون أن دورهم في المجتمع لم يعد كما كان، نتيجة تدهور جودة التعليم وغياب الحوافز للمعلمين”.

خليطٌ من التعاطفِ والانتقاد

وأوضح” اليوم نظرة المجتمع للمعلم أصبحت خليطًا من التعاطف والانتقاد؛ إذْ يرى البعض أن الأزمة أفقدت المعلم مكانته التقليدية، بينما يتفهم آخرون أن التحديات التي يواجهها المعلمون في ظل الحرب والصراع هي من أوصلتهم لذلك”.

ولفت الخلي إلى أن” الحوثيين ينظرون للأكاديميين كجزء من الطبقة المثقفة التي يمكن أن تشكل تهديدًا لسلطتهم، خصوصًا إذا كانت تلك الأصوات الأكاديمية تنتقد سياساتهم أو تعبر عن توجهات تختلف عن الفكر الحوثي”.

قمعٌ وتهميش متعمد

وأكد” يتعرض الأكاديميون إلى الإقصاء والتهميش؛ إذ تعمد الجماعة الحوثية إلى استبعاد الأكاديميين من المناصب القيادية في الجامعات والمؤسسات التعليمية، واستبدالهم بأشخاص موالين لها، بالإضافة إلى الاعتقالات والتعذيب؛ فبعض الأكاديميين تعرضوا للاعتقال والسجن تحت ذرائع مختلفة، مثل التعاون مع “الأعداء” أو نشر أفكار مناهضة للحركة”.

وبيَّن” اليوم يتعرض الأكاديميون إلى الرقابة الفكرية؛ فيتم فرض رقابة صارمة على المناهج التعليمية والأبحاث الأكاديمية؛ إذ يُجبر الأكاديميون على الالتزام برؤية الجماعة، مما يقلل من حرية البحث والتعبير الأكاديمي، وكذلك التضييق المالي؛ ففي بعض الحالات، يتم قطع الرواتب أو تقليص الدعم المالي للأكاديميين الذين لا يلتزمون بالخط السياسي الذي تفرضه الجماعة، مما يجعل الحياة الأكاديمية صعبة”.

 

وواصل” كل هذا القمع يهدف إلى السيطرة على الفكر والتعليم وتحويل الأكاديميين والمعلمين بشكل عام إلى أدوات تخدم أجندة الحوثيين، مما يؤثر على جودة التعليم والحرية الأكاديمية في اليمن وكما يجعل حياة المعلم في خطر ويجعله مسيرا غير مخيرٍ ومأمورًا غير آمرٍ ومتعلم غير معلم”.

في السياق ذاته يقول وليد الجبزي( معلمٌ نزح من محافظة المحويت إلى محافظة تعز)” يعيش المعلم اليمني أوضاعًا معيشية صعبة في كل أنحاء اليمن؛ ولكن حياة المعلم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تختلف عن حياة المعلم الذي يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية وكلامها يعاني”.

وأضاف الجبزي لموقع” يمن مونيتور”يعيش المعلم في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي حياة اقتصادية صعبة كونه محروم من راتبه وملزم بالدوام تحت قوة السلاح، وعليه ألا يطالب بمرتبه وما لم فسيتعرض للتهديد بفصله من الوظيفة واستبداله بعناصر من جماعة الحوثي الطائفية؛ وهذا ما تسعى إليه الجماعة من أجل تكريس مشروعها الطائفي بالشكل الذي تريده”.

وأردف” على الرغم من وجود صندوق التعليم الذي أعلنت مليشيا الحوثي أنها أنشأته من أجل المعلم؛ فهذا الصندوق استغلته الجماعة فقط لنهب التجار والمصانع من أجل دفع جبايات مضاعفة خدمةً لمشروعها الطائفي بينما لم يستفد منه المعلم شيئا في مناطق الحوثي”.

وتابع” المعلم الذي يعيش في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي يعجز عن أن يطالب بمرتبه بسبب القمع والترهيب والاعتقال من قبل مليشيا الحوثي التي تتهمه بالعمالة والخيانة والارتزاق ويعرض حياته للخطر؛ ولذا فالمعلمون في تلك المناطق يعيشون بين مطرقة الجوع وسندان القمع”.

وأشار إلى أن” المعلمين في مناطق سيطرة الشرعية يعيشون أوضاعًا صعبة؛ لأن راتب المعلم لايكفيه لشراء أبسط مقومات الحياة، لكنه ربما يكون أخف ضررًا مما يعانيه المعلم الذي يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي”.

المعلمون النازحون معاناة منسية

ولفت الجبزي إلى أن المعلمين الذين نزحوا من المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة؛ بل شبيهة بتلك التي يعيشها المعلم في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي”.

وأكد” هؤلاء المعلمون أطلقت عليهم الحكومة الشرعية اسم (المعلمون النازحون) واعتمدت البعض منهم ماليًا؛ فيصرف لهم رواتبهم كل ستة أشهر رواتب ثلاثة أشهر فقط وهي رواتب خالية من العلاوات والزيادة 30% التي اعتمدتها الحكومة الشرعية للمعلمين الثابتين في المحافظات المحررة”.

وواصل” أما البعض الآخر فقد رفضت الحكومة الشرعية اعتمادهم ماليًا فهم بدون مرتبات ووضعهم شبيه بالمعلمين الواقعين تحت سيطرة مليشيا الحوثي، للأسف هناك ممارسة عنصرية ضد المعلمين النازحين من مناطق الحوثي إلى مناطق الشرعية من قبل وزارة الخدمة المدنية في عدن وهذا ما يعاني منه بشدة المعلمون النازحون إلى مناطق الشرعية وأنا واحد منهم” .

حياةٌ لا تطاق

من جهتها تقول المعلمة أسماء محمد وهو اسم مستعار” أعمل بالتدريس في العاصمة صنعاء، ومنذ الانقلاب تغيرت حال التعليم والمعلمين هنا إلى الأسوأ والأمَرّ، أضحى المعلم والمعلمة هنا لا قيمة لهما يعملون ويعملون دون مقابل، أو يحصلون على الشيء اليسير الذي لا يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية من إيجار بيت ومستلزمات المطبخ”.

وأضافت لموقع” يمن مونيتور” كنت أعمل بمدرسة حكومية وكنت أحصل على سلة غذائية فقط لا غير، وكنت أحصل عليها كل ثلاثة أشهر، وبعدها وجدت أن الوضع لا يناسبني فأنا بحاجة لمال يسترني وأهل بيتي فذهبت للتدريس في مدرسة خاصة مقابل أربعين ألف ريال بالشهر الواحد”.

سماعُ محاضرة السيد إجباريًا

وأردفت” جماعة الحوثي لم تدع المعلم وشأنه لا في المدارس الحكومية ولا في المدارس الخاصة، نحن المعلمات هنا نقوم بين فترة وأخرى بدفع مبلغ من المال لدعم مقاتلي الحوثي، وهذا ليس الأمر العسر لكن ما يزيد في ضيقنا هو أننا ملزمون في كل يوم أربعاء بأن نحضر محاضرة السيد لمدة ساعة كاملة بعد أن ننهي الحصص اليومية وهذه المحاضرة تكون تحت مسمى” الإرشاد التربوي”.

وأشارت إلى أنه” أثناء ما نكون نستمع لمحاضرة السيد يتوجب علينا أن نصغي باهتمام وكأن قرآنا يتلى علينا، فهناك إحدى الزينبيات من تشرف علينا تحدق عيناها بأعيوننا وإذا ما شردت إحدانا تقوم بتوبيخها، كما أنه يجب علينا أن نطلق الصرخة عقب سماعنا لكل محاضرة”.

وتابعت” كان من المعتاد بالنسبة لنا أن يكون حضور الموجهين للمدرسة من أجل تقييم أداء المعلم، لكنه هنا وفي الفترة الأخيرة أصبح حضور الموجهين فقط من أجل أن يقيموا ميولنا الطائفي، يسألوننا أسئلة خارجة تماما عن التعليم كسؤالهم عن برامج قناة المسيرة وكم نتابعها ساعات باليوم وعن حضورنا الفعاليات الخاصة بهم ونحو ذلك من الأسئلة التي لا دخل لها بالعملية التعليمية”.

وواصلت” العمل بالتعليم اليوم أصبح لا يطاق، لا ندري هل نحن نقوم بتعليم الطلاب أم بتعلُّم النهج الحوثي الذي لا نطيقه ولا نرضاه، ونحن في الوقت نفسه نخشى أن يعلموا رفضنا لهم وندخل في دوامة لا نجاة منها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى