اخترنا لكمتقاريرغير مصنف

“بشاعة” إسقاط الدولة.. ما الذي فعله الحوثيون خلال عامين على اجتياح صنعاء؟

أسقط الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، ومنذ ذلك الحين خلّق الحوثيون مؤسسات موازية تسيطر على الاقتصاد والسياسية في البلاد؛ وأسسوا لوبي اقتصادي ضاغط ومؤثر لعقدين من الزمان.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
أسقط الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، ومنذ ذلك الحين خلّق الحوثيون مؤسسات موازية تسيطر على الاقتصاد والسياسية في البلاد؛ وأسسوا لوبي اقتصادي ضاغط ومؤثر لعقدين من الزمان.
عشية الذكرى الثانية لاجتياح العاصمة صنعاء، يقدم “يمن مونيتور” الأوضاع التي آلت إليها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين الأمنية والسياسية والاقتصادية؛ وما ارتكبته الجماعة في مؤسسات الدولة.

 
الوضع الحكومي والأمني
استنسخ الحوثيون النظام الإيراني بمؤسساته الموازية وأخذوا من تجربة الثورة الإيرانية الكثير، مطبقين المنهج كما الآليات، فبعد أن أسقط الحوثيون الدولة اليمنية وضعوا- كما في مؤسسة قائد الثورة في إيران- ممثلاً لـ”أنصار الله” أو للجنة الثورة الثورية العليا، في كل مؤسسة ووزارة وحتى إدارة وقسم شرطه تابعه للحكومة، وكلمته هي الحكم الفصل، وعليه يقع التعيين والإقصاء، والدمج والترحيل والخصم، و وقف المرتبات او تسليمها، والإيقاف والحجز والتحويل.
دفع الحوثيون بالآلاف من أتباعهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية ورفعوا معظمهم إلى رتب عليا، في نفس الوقت لا تريد الجماعة التخلص من ميليشياتها المسلحة، السيطرة على القوات المسلحة والأمن إلى جانب إنشاء “تنظيم مليشياوي” موازي كما “الحرس الثوري في إيران”.
وبالرغم من امتلاك الجماعة السجون الرسمية للدولة إلا أنها أنشأت سجون سرية تابعة لها في صعدة وذمار وعمران والحديدة وحجة، والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم بما في ذلك المعتقلين السياسيين والصحافيين. ويصل عدد من اعتقلوا على أيديهم إلى (4000 آلاف) إلى جانب تعرض معظمهم للتعذيب والتحقيق المتواصل، وتعلن منظمات حقوقية عديدة عن حالات وفاة تحت التعذيب.
 وتتم كل الإجراءات بعيداً عن أي منشأة حكومية أو معرفة الأجهزة التي يفترض أنها رسمية. ويدير الحوثيون محاكم خاصة، وأحكام قضائية، تصل إلى حكم الإعدام كما جرى مع يمني من محافظة عمران جرى إعدامه بشكل فوري عام 2015م بأمر قضائي من ممثل للحوثيين يقولون إنه “قاضي”؛ كما أن ممثلين للجماعة يفصلون في قضايا متخاصمين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بناء على ما توصل إليه الممثل عن الجماعة وفي الغالب تكون “ظالمة” وبعيدة عن أي قانون وتعتمد على مدى مقدار ونزاه وعي ممثل الجماعة في المنطقة؛ الذين في الغالب يكونون من صغار السن.
السيطرة على الاقتصاد
سجلت اليمن أعلى إجمالي للناتج المحلي في 2014 بحوالي 37 مليار دولار، وفي عام 2015م شهدت انكماش في الناتج المحلي بنسبة 35%. وقد قُدر دمار الحرب بحوالي 19 مليار دولار، وتوقع إفلاس وشيك للمؤسسات العامة.
في خطوات سريعة أستثمر الحوثيون في وقت قياسي الوصول إلى السلطة والسيطرة عليها إلى ما يشبه الأسواق الموازية؛ ففي يوليو 2015 أصدرت اللجنة الثورية للحوثيين قرار بتعويم أسعار المشتقات النفطية، وهو السبب الذي أتخذوه ذريعة لإسقاط الحكومة والسيطرة على السلطة، وتقرر أن سعر اللتر البنزين ب135 ريال يمني. ولكن هذا القرار حبراً على ورق، حيث كانت المشتقات تباع في السوق السوداء دون توفرها في المحطات الرسمية، ومنذ اللحظة الأولى لـ 2015 بدأت السوق السوداء تعمل بشكل مخيف في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين ليصل سعر الجالون الواحد (20 لتر) ما قيمته 21 ألف ريال يمني (يعادل مائة دولار).
وبسبب أزمة السيولة فقد علق البنك المركزي في شهر يوليو من عام 2016 جميع العناصر في الموازنة العامة للدولة باستثناء أجور الموظفين الحكوميين وتسديد الديون المحلية. وفي الوقت الحالي ومع النقص الشديد في العملة المحلية في النظام المصرفي، يزداد خطر تقصير الدولة في دفع الأجور وتسديد المقرضين المحليين؛ فيما لا يعبأ الحوثيون بأي حديث حول ذلك.
ويوضح تقرير صادر في شهر أغسطس من قِبل وزارة التعاون والتخطيط الدولي تأكدت منه صحيفة المونيتور الأمريكية، أنه تم سحب ما يقارب من 300 مليار ريال (حوالي 1.19 مليار دولار) خلال النصف الأول من عام 2016، وقد تم إخراج أيضاً 44% من هذا المبلغ في شهر يونيو. مقارنةً بأقل من 50 مليار ريال يمني (حوالي 200 مليون دولار) كان يتم اخرجها من البنك طوال عام 2014. وفي مثل هذه الأوقات المضطربة، فهذا لا يدل على انعدام الثقة من قِبل الشعب في النظام المصرفي فحسب، ولكنه يدل أيضاً على وجود اقتصاد موازي في الدولة.
وقد انخفضت إيرادات الدولة بنسبة 53.7% في عام 2015 والتي تسيطر إلى حد كبير عليها جماعة الحوثيين، نتيجة لتوقف صادرات النفط التي كانت تساهم بنسبة 45% من دخل الدولة في عام 2014. ايضاً هناك انخفاض بنسبة 19.2% في الإيرادات الضريبية وذلك مع إنهاء الشركات لتداولاتها وتسريحها للموظفين.
لاشئ من هذا قد أوقف الحوثيين من قطع ميزانيات الوزارات وإعادة توجيه المدخرات لصالح مايسمى ” المجهود الحربي”. حيث تم فرض ضريبة الحرب بنسبة 20% على موظفي الخدمة المدنية الذين يشكلون مليون عامل من إجمالي 4.2 مليون عامل في اليمن. وفي الشهر الماضي في محاولةً لخفض النفقات غير المتعلقة بالحرب، فقد قامت وزارة التعليم العالي التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين وبدون سابق إنذار بتوقيف التمويل لدراسة 800 مستفيد من المنح في الخارج. وطاردت بشكل مستفز النقابات العمالية المعترضة، وسجنت العشرات منهم، بينهم نقيب المعلمين اليمنيين أنور الشميري.
وقد اعتمدت جماعة الحوثي على الاقتصاد الموازي والمصادر غير الرسمية للدعم في تمويل نفسها. وقد كانت هذه الجماعة ناجحة في الاستفادة من سيطرتها على أجهزة الدولة والتوسع في المحافظات لتكبير حجم الاقتصاد الموازي، وبهذه الطريقة تتنوع المصادر المحلية للدخل. لأن مصادر الدعم الأجنبية قُيدت مع بدء التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015.
وقالت نادية السقاف وزيرة الاعلام السابقة – وهي أيضا صحفية مهتمة بالتنمية – إن جماعة الحوثي استفادت من ميناء الحديدة – بعد سماح قوات التحالف بدخول السفن – ملايين الدولارات من الخدمات والجمارك. وذكرت في حسابها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” أن الحوثيين يستولون على ٦٠ مليون دولار شهريا من جمارك وخدمات ميناء الحديدة. لافتتاً إلى أن الحوثيين يستفيدون أيضاً ٢٠ مليون دولار يوميا من فارق أسعار النفط، ويحولونه لصالح ما أسموه لاحقا بـ”المجهود الحربي”.
تجدر الإشارة إلى أنه قبل فترة طويلة من الحرب الحالية، كان الحوثيون قد قاموا بجمع «الزكاة» والتبرعات النقدية بهدف تمويل العديد من مواجهاتهم مع الجيش اليمني في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حليفهم الحالي. وبعد الاستيلاء على العاصمة، تلقوا مبالغ نقدية كبيرة يُزعم أنها أتت من حزب الله وإيران في أكياس نُقلت في طائرة واستمروا في جمع التبرعات المحلية لخدمة حربهم ضد السعوديين.
وقد استحدث الحوثيون أيضا سوقا سوداء ضخمة للحصول على الوقود وغاز الطهي – وهي سلع أساسية للبقاء على قيد الحياة – وذلك عندما بدأوا إصدار تراخيص للأفراد لاستيراد الوقود بعدما قاموا بإيقاف دعم الوقود في خطوة تتناقض تماما مع الموقف الذي اتخذوه ضد رفع الدعم الذي اعتمدوه في قضية إسقاط الحكومة في أيلول / سبتمبر 2014 ليؤدي هذا الترتيب لاحقا إلى تشكيل تكتل مؤلف من مستوردي نفط متحالفين بشكل وثيق مع الجماعة المتمردة.
وحسب دراسة قدمها مركز إعلامي يمني فإن الحوثيين يجنون ما يقارب 44 مليون دولار شهرياً كصافي أرباح من السوق السوداء في العاصمة صنعاء، لمادة البنزين وحدها، لتلك المبيعات للمواطنين اليمنيين وحدهم، ولم تتطرق الدراسة إلى ما يجنيه الحوثيون من أرباح خلال بيع النفط للمصانع والشركات، حتى أن الحوثيين يبيعون تلك المشتقات للمقرات الحكومية الخاضعة لسيطرتهم.
تقول أمل نصر وهي باحثة اقتصادية في تقرير لها سابق على صحيفة المونيتور الأمريكية إن الحوثيين مسؤولون إلى حد كبير عن سحب 300 مليار ريال يمني من النظام المصرفي وذلك عن طريق إخفاء الأوراق النقدية خارج القنوات الرسمية. ونظراً لهيمنتهم على الاقتصاد الموازي، فإن الحوثيين لن يتأثروا كثيراً من إفلاس المؤسسات العامة. هذا يعني بأن النجاة من الحرب في الأشهر المقبلة يعتبر أمر يمكن الحصول علية بواسطة الحوثيين، في حين سيبقى اليمنيين الآخرين في أمس الحاجة للمساعدات الإنسانية.
وكما في أي صراع آخر، تنتقل الثروة من أيدي الخاسرين إلى أيدي الرابحين، فترى اليوم اليمنيين المحتاجين مضطرين لبيع أصولهم بأسعار أقل من قيمتها الفعلية. ومع استيلاء الحوثيين على الدولة، باتوا هم المجموعة الأغنى في البلاد، ولذلك سيقومون بشراء هذه الأصول بأسعار منافسة، ما يعني المزيد من تركيز الثروة في أيدي جماعة الحوثي المتمردة. في هذا الوقت، تراهن حكومة هادي على التمكن من إحكام القبضة الخانقة المالية على الحوثيين لإضعاف موقفهم بغض النظر عن التكلفة البشرية التي لن تكون بقليلة بعد عام ونصف من القتال العنيف في البلاد.
ونختم بما ختم بما تقوله أمل ناصر: “فشل الدولة يعتبر بمثابة حجر الأساس لازدهار جماعة الحوثيين المتمردة. لقد خطط الحوثيين للبقاء لعقدين من الزمن قبل أن يصبحوا حكاماً من العاصمة اليمنية، وسوف تكون هذه الجماعة قادرة في البقاء على قيد الحياة طالما بقيت الدولة ضعيفة. هذا يعني بأن تقوية الدولة ومؤسساتها وعدم السماح لها بالفشل هو الطريق الوحيد والممكن لإضعاف موقف حركة التمرد الحوثية”.  

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى