استراتيجية الإنهاك وردود الفعل
ضمن استراتيجيتهم لإنهاك واستنزاف معارضيهم، يلجأ الحوثيون لافتعال أزمات لا يكون هدفها في بعض الأحيان سوى إلهاء وتشتيت جهود معارضيهم عن قضية سابقة حتى لا يكون بمقدورهم التعامل معها كما ينبغي.
هذه الاستراتيجية تم اختيارها بعناية وإدراك جدواها؛ فهي تؤتي أكلها بما يحقق الأهداف المرحلية، بحيث لا تمنح المعارضين فرصة لالتقاط الأنفاس أو القدرة على المتابعة لكل تحدٍ ومشكلة، ففي الوقت الذي يكون التركيز على تداعيات مشكلة سابقة، إذا بهم يواجهون أخرى فلا يدرون أيهما يهتمون وهكذا دواليك.
وهذا النوع من السياسات يعكس فهما للحكم وكيفية إبقاء المعارضين في حالة استنزاف مستمر دون جدوى لهم، ذلك أنهم في مربع رد الفعل لا التأثير وهذا مما يساعد على نجاح تلك الاستراتيجية.
الفارق أن الحوثيين ليسوا من نوعية الحكام الذين يفعلون ذلك فيكون مفهوما، فهم مليشيات هذه طبيعتها ونهجها ومشروعها للحكم على اعتبار أنها لا تدين للناس بالمشروعية بوصفهم خلقوا لخدمتهم وإذا لم يكونوا كذلك فبوسعها التعامل معهم مثل أي فاشية وتندرج تلك الاستراتيجية ضمن هذا الإطار.
أحد الأمثلة على هذه السياسة، هو استمرار اختطاف المواطنين على خلفية إعلانهم مسبقا الاحتفال بالعيد ال٦٢ لثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ ورفع العلم الوطني هنا وهناك، على الرغم من مضي أيام على انتهاء المناسبة ومع ذلك يتم الإبقاء عليهم في السجون ليكونوا عبرة لغيرهم وكجزء من تخويف الناس واستنزافهم في المطالبة بالإفراج عنهم في الوقت الذي قد افتعلوا مشكلة أخرى.
وبطبيعة الحال، كلما مرّ الوقت كلما تراجع الاهتمام بقضية المختطفين باستثناء أقاربهم وهذا يوضح كيف تعمل تلك الاستراتيجية وينطبق هذا الحال مع قضية موظفي المنظمات الدولية الذين مضى على اختطافهم أكثر من ثلاثة أشهر حتى أصبحوا شبه منسيين لكنهم بالنسبة للحوثيين ورقة مساومة مهمة مع منظماتهم مع أن قضيتهم اختفت خلف قضايا أكثر سخونة.
ومع التطورات الجارية في لبنان والمنطقة، ودخول الحوثيين في عمليات ضد أهداف إسرائيلية أيا كانت تأثيرها وما تستدعيه من غارات أمريكية وبريطانية وإسرائيلية على مصالح يمنية، يكاد يكون الاهتمام في هذا السياق وأي رد فعل لا يدعم الحوثيين يتم اتهام أصحابه من قبلهم بأنهم مع العدو ولو كانوا ليسوا كذلك بقدر ما يعبرون عن مخاوفهم وآرائهم حيال بلدهم وجرّه من قبل ذراع إيران فيه إلى مغامرات خطيرة.
المشكلة أن هذه الاستراتيجية رغم أنها تبدو واضحة أو هكذا يُفترض، إلا أن معارضي الحوثي لا يزالون يسيرون في فلكها من خلال التعامل مع تداعياتها بردود الفعل لا اتخاذ زمام المبادرة وتبني استراتيجية مضادة ولو على المستوى الإعلامي إلا ما ندر.
بالطبع الأسباب التي تحول دون ذلك كثيرة منها على سبيل المثال حالة الشلل التي تصيب أداء مؤسسات السلطة “الشرعية” سواء كانت وزارة حقوق الإنسان أو الإعلام والثقافة أو الخارجية أو النائب العام وسواه، وكلها لديها إمكانيات بشرية ومادية للعمل ولو بالحد الأدنى.
وللأسف القائمون على هذه المؤسسات يعملون بالثقافة السلبية السائدة التي تشكلت منذ ٢٠١٥ على الأقل والتي من عناصرها الشكوى والعجز واستجداء الخارج والاكتفاء بالبيانات وتنظيم حملات الكترونية وهذا مما زاد الهوّة اتساعا بين هذه المؤسسات والمواطنين الذين يشعرون أنها نسخة منهم بلا حول ولا قوة.
ما الذي يمنع هذه الجهات بقيادة وزارتي حقوق الإنسان والإعلام في تبني قضية المختطفين بسبب الثورة من خلال استراتيجية إعلامية وحقوقية فعالة تجعل القضية حية حتى الإفراج عنهم باعتبارهم مواطنين وهي مسؤولة عن الدفاع عنهم وإلا ما قيمة تسميتها بالشرعية؟
إذا لم تتحرك باستخدام قدراتها وهي قادرة وبدون ذلك من الصعب جعل الرأي العام في حالة تفاعل مع هذه القضية أو غيرها ولديه أولوياته التي تشغله وأهمها لقمة العيش التي أصبحت صعبة، كما أن من غير المسؤول أن يتخلى المسؤولون عن واجبهم ويطلبون من المواطنين القيام ببعضها وهم في راحة وحياة مترفة.
لقد حان الوقت للوزارتين تحديدا تشكيل لجنة مشتركة لهذه القضية تكون نموذجا للعمل على قضايا مماثلة لا أن يقتصر دورهما على البيانات الكلامية التي لا تسمع ولا تغني من جوع ويُمكن لأي شخص عادي أن يتحدث بمضامينها.
من غير المقبول أن تتولى مسؤولية ولا تقوم بها أو أن تكتفي بالشكوى من ضعف الإمكانيات وتبقى في منصبك دون أن تستقيل طالما أصبح هذا الخيار هو الوحيد الذي يثبت مصداقيتك وشعورك الوطني.