في مصادفة نادرة لا تتكرر، يتلاقى يوم الخميس 26 سبتمبر 1962، مع الخميس 26 سبتمبر 2024، وكأن التاريخ يريد أن يذكرنا بأيام العزة والنضال. في ذلك الخميس البعيد، خرج اليمنيون معلنين ولادة الجمهورية ودفن الإمامة إلى الأبد. واليوم بعد 62 عامًا، يعيد الزمن نفسه في مشهد رمزي عميق، ليضعنا أمام مسؤولية إعادة إحياء روح تلك الثورة التي وهبتنا الحرية، لكنها اليوم على فراش المرض. هي صدفة ليست ككل الصدف، فالتاريخ نادراً ما يكرر نفسه بهذا الشكل، وكأنه يصرخ في وجوهنا بأن الوقت قد حان لتذكر تلك الأيام الخالدة والاعتزاز بها.
نعم ثورة سبتمبر اليوم مريضة، منهكة، أصابها الداء الذي تسلل إليها عبر خيانات أبنائها الذين كانت تظنهم مخلصين. تسلل المرض عبر هؤلاء الذين سلموا جيشها للأعداء وفروا وتركوا الجمهورية تواجه مصيرها وحدها. كانت تعتقد أن هؤلاء هم أبناؤها لكنها اكتشفت أنهم ليسوا سوى خناجر في خاصرتها. ومع ذلك تقاوم، تقاوم المرض والخيانة والاحتلال. تتماثل للشفاء ببطء ولكن بإصرار. 62 عامًا مرت وهي تقاوم وما زالت، لأنها ولدت من رحم الصمود ولن تموت في حضن الخيانة.
حال سبتمبر اليوم يشبه حال تهامة، تلك الأرض التي انطلق منها النضال ضد الإمامة منذ عام 1918. تهامة التي كانت منارة للثوار الأوائل ما زالت تقاوم حتى اليوم لاستعادة كرامتها وحقها المسلوب. تهامة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للنضال ضد الإمامة، هي اليوم كما كانت في الماضي، رمزًا للمقاومة والصمود. كما أن تهامة احتضنت الثوار في الماضي، فإنها اليوم تقاوم لاستعادة مجدها من براثن أولئك الذين يحاولون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. سبتمبر وتهامة توأمان في النضال والمعاناة. كلاهما تعرض للخيانة وكلاهما يقاوم لاستعادة ما فقد. وكما عبثوا بتهامة عبثوا بسبتمبر، ولكن عبثهم لن يستمر. كيف لا تنتصر تهامة وهي التي كانت منطلق الثورة، وكيف لا ينتصر سبتمبر وهو الذي أعلن الحرية ذات يوم.
لقد حاولوا اختطاف سبتمبر كما اختطفوا تهامة، لكنهما اليوم يقاومان معًا. تهامة التي بدأت منها شرارة النضال عام 1918 ضد الإمامة، هي نفسها اليوم تقاوم لاستعادة حقوقها، وسبتمبر يقاوم ليكون لأبنائه الحقيقيين وليس لأولئك الذين خانوه وسلموه للأعداء. إن هذه المصادفة في تكرار يوم الخميس ليست مجرد رقم في التاريخ، بل هي رسالة من الماضي للحاضر، تذكير بأن الثورة لا تزال حية في نفوس اليمنيين الأحرار. مهما حاولوا طمسها أو تشويهها، فإن سبتمبر سيظل منارة تهتدي بها الأجيال القادمة، وتهامة ستظل مهد الكرامة والعزة.
النضال الذي بدأ منذ عام 1918 في تهامة، واستمر حتى 26 سبتمبر 1962، لم ينتهِ. فتهامة كانت البداية وستكون النهاية. ستعود تهامة كما كانت رمزًا للصمود والحرية، وستنتصر كما انتصر سبتمبر. لأن تهامة هي المنطلق وهي الأصل. وكيف لا تنتصر وهي التي كانت مهد الثورة ومهد التغيير. ستنتصر تهامة وستنتصر سبتمبر لأنهما ليسا مجرد حدثين في التاريخ، بل هما روح النضال المتجدد. كيف لا تنتصر تهامة وهي التي احتضنت الثورة وكيف لا ينتصر سبتمبر وهو الذي أشعل شرارتها. الأيام تتوالى لكن المبادئ تبقى ثابتة والحقائق لا تموت.
لن نسمح بأن يموت سبتمبر ولن نسمح بأن تظل تهامة مختطفة. من تهامة بدأ النضال، ومن تهامة سيكون النصر. 26 سبتمبر ليس مجرد يوم نحتفل به بل هو رسالة تتجدد مع كل جيل. هو الوعد الذي قطعناه على أنفسنا بأن نبقى أوفياء لدماء الشهداء الذين ضحوا من أجل أن نحيا أحرارًا. وسنظل نردد هذا الوعد جيلا بعد جيل، لأن سبتمبر وتهامة توأمان في النضال والمعاناة .