يأتي 25 سبتمبر ويبث في الأنفس جذلاً وحالة شعورية هي خليط متعاظم من البهجة والاغتباط والتحدي. كل عام يزداد هذا الوهج وتعلو قيمة ثورة 26 سبتمبر في النفوس ويتملكها الشعب ويستعيدها ذكرى وفعالية ليست اختصاصا بروتوكوليا للدولة ومؤسساتها انما ملك للشعب، ليست الميادين الملونة والمدينة في المدن انما في العمق الاجتماعي في الأرياف وقمم الجبال، ليست في الميادين المستوية انما على هامات المنازل وذراها.
لكن علو هذه القيمة ينجم عن امرين اثنين.
أولاً ان الصراع مع مناهضي النظام الجمهوري وقيمه من ميليشيات كالحوثية على وجه التحديد هو صراع مادي ورمزي. ومهما حاولت الميليشيات المدججة ان تكتسب الصراع المادي باستعمال القوة المفرطة فإنها تخسر المعركة الرمزية لأنها لا تستطيع بنموذجها السلالي وسلوكها الاحتلالي ان تصل إلى وجدان الشعب. إضافة إلى ذلك ان عشر سنوات من عمر الحوثية وجهودها المضنية لطمر ذاكرة الناس ومسخ هويتهم وصناعة آلهتها فإنها امام موج جارف سبتمبري خالص قوته الدافعة هي الأطفال وحديثي السن. وهنا تكمن المفارقة التي لا ولن تفهمها ميليشيات ذات تصور ضيق ومحصور وماضوي.
ماذا بعد تغيير المناهج، وتغيير أسماء شوارع ومعالم ثوار سبتمبر وأبطاله، ماذا بعد الحملات المكثفة والدورات المخصصة لغسل الأدمغة ثم ينبعث سبتمبر كمارد الخلود؟
ليس هناك فشل اكثر من ذلك.
الأمر الثاني وهو، ويا لسخرية! الأقدار ان ذكرى ثورة 26 سبتمبر تأتي بعد أيام من ذكرى فعلة الحوثيين في 21 سبتمبر التي عجزوا عن تجسيدها والاحتفاء بها هذا العام.
لم اعهد في حياتي زخما بالاحتفاء بثورة 26 سبتمبر كما هو الحال منذ وصول الحوثة إلى السلطة لان الأمر رسالة جماهيرية مقصودة لرفض وممانعة ان تتحول فعلة الحوثية إلى مناسبة وطنية.
صراع الذاكرة هذا امر جلل وهو من شأن الشعوب ولا القوة العارية هي التي تظفر به.
والغريب ان هناك من يبرر لذعر الحوثيين ولإجراءاتهم القمعية بتحوير التفاعل الشعبي على انه نتيجة تحريض من الخارج ومن القوى المناهضة للحوثية.
الحقيقة هي ان هذا التبرير في احسن الأحوال هو رغبة في انزال قيمة هذه الذكرى إلى فعالية خالية من أي حمولة سياسية تاريخية وفصلها عن المشهد العام وعن حق الناس في الرفض والممانعة ومقاومة التعسف الرمزي والمادي.
يريدون ان تكون 26 سبتمبر فعالية كمهرجان الألوان او مهرجان الطماطم، حشد جماهيري للتسلية والفرجة مفصول عن جذور التحول التاريخي. يريدونها لحظة خالية من التذكير بالإمامة القديمة وغير قادرة على ادانة الامامة الحديثة. لانهم في حقيقتهم إماميون لا اكثر.
هناك امران ينبغي الإشارة اليهما في هذه المناسبة.
أولا ان منبع الوعي الوطني هو المرأة في المقام الأول ولهذا جن جنون الحوثيين لتكتبيل المرأة اليمنية بشتى القيود والحيلولة دون مشاركتها في احياء سبتمبر. انها لحظة مهمة كلحظة ثورة سبتمبر وثورة أكتوبر في التحول في دور المرأة في صناعة الفعل السياسي اليمني. تحية خاصة لنساء اليمن.
الأمر الثاني، في معركة استعادة الدولة والحفاظ على اليمن الذي نعرفه واليمن الذي نبتغي تشييده- يمناً للحرية والإبداع والتنوع والتسامح والشراكة-، لا بد من الحفاظ على شبر حرية في البلاد غير ملوث بالمشاريع الصغيرة ولم تلطخه الميليشيات مهما كانت الكلفة لتنطلق منه مسيرة استعادة اليمن. لذا فان لتعز ومأرب وحضرموت دور محوري في صياغة مستقبل اليمن وتحديد المسار.
سبتمبر مجيد
وفرج قريب