ست حروب خاضها الحوثيون ضد نظام حكم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، تم خلالها تدمير محافظة صعدة. ست حروب خاضها الحوثيون ضد نظام حكم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، تم خلالها تدمير محافظة صعدة.
كثير من الشكوك كانت تحوم حول طبيعة تلك الحروب التي كانت تقف فجأة باتصال هاتفي يجري بين علي عبدالله صالح وزعيم المتمردين الحوثيين عبدالملك الحوثي. تعدد تفسيرات نية صالح والحوثي من وراء تلك الحروب، بين رأي يقول إنها كانت للكسب المادي والمتاجرة بالدم من قبل الطرفين: صالح الذي كان يبتز السعودية ودولاً خليجية أخرى، والحوثي الذي كان يلتهم ملايين الدولارات التي جادت له بها مرجعيات شيعية في العراق والخليج العربي، فوق المساعدات العسكرية والمالية التي تأتيه من إيران. ويرى آخرون، أن الرئيس السابق كان يسعى إلى التخلص من قوة الرجل الثاني في الدولة اليمنية آنذاك، اللواء علي محسن الأحمر الذي وقعت حروب صعدة ضمن نطاق المنطقة العسكرية التي كان يقودها، وتأتي خطوة صالح تلك في سياق التخلص من القيادات العسكرية التي كان يراها تشكل خطراً على مشروع التوريث الذي كان قد بدأ يفكر فيه منذ سنوات قبل اندلاع أحداث «الربيع العربي» في اليمن في فبراير 2011. ومهما تكن التفسيرات وراء تلك الحروب العبثية، ونية كل طرف من ورائها، إلا أن العداء كان متمثلاً في الدمار الكبير الذي ألحقه كل طرف بالآخر، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية لمحافظي صعدة في حينها.
تاريخ معروف، انطوى لينتقل العدوَّان: صالح والحوثي إلى التحالف على أسس مذهبية ومناطقية تحت شعارات وطنية قبل طلعات قوات التحالف العربي بمدة، وذلك عندما أراد صالح أن يضرب بالحوثي خصومه من حزب الإصلاح الذي يراه صالح سبباً في الإطاحة بنظامه في 2011، بعد أن اشترك الحزب مع الحوثيين في مظاهرات ربيع صنعاء. وقد كان التنسيق قائماً بين تيار صالح داخل المؤتمر وجماعة الحوثي أثناء مؤتمر الحوار الوطني، الذي اختتم أعماله في يناير 2014، وبعد ذلك كان لصالح دور في إيصال الحوثي إلى صنعاء، كما كشفت مكالماته الهاتفية مع بعض القيادات الحوثية، قبيل وبعد دخول الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر 2014. بدا للوهلة الأولى أن التحالف بين صالح والحوثي قوي ومتماسك، خاصة بعد ضربات التحالف العربي في اليمن، تلك الضربات التي أظهرت «الحليفين اللدودين» بمظهر المدافع عن الوطن، في حين ينظر إليهما على أساس أنهما، وإن كانا يقاتلان إلا أنهما لا يدافعان عن البلاد قدر دفاعهما عن مصالحهما السياسية في السلطة والثروة. غير أنه بين الحين والآخر تظهر علامات شروخ وتصدعات كبيرة بين المتحالفين، ستكون لها مآلات مستقبلية على استمرار هذا التحالف. ومؤخراً شنت قيادات حوثية هجمات شرسة على حزب الرئيس السابق، وعلى صالح نفسه، وهو الأمر الذي قوبل بهجمات مضادة من الطرف الآخر. وقبل أيام حمل الرئيس السابق في برقية عزاء لأسرة أحمد الرحومي، أحد أعضاء «تنظيم الضباط الأحرار» لثورة سبتمبر اليمنية، على نظام الأئمة، الذي يعد الحوثيون امتداداً سلالياً له. وجاء في برقية العزاء التي نشرها صالح على صفحته في «فيسبوك»، عن نظام الأئمة بأنه «مارس أبشع أنواع الظلم والاضطهاد والاستبداد بل والطغيان». ووصف صالح نظام ما قبل الثورة اليمنية بأنه «فتك بالأحرار والعلماء والمثقفين والمشائخ والأعيان ورجال الفكر والأدب والقضاة وكل ذي رأي مستنير»، وأن ذلك النظام أعدم خيرة رجال اليمن «إرضاءً لشهوة الحكم والتسلط على مقدرات الوطن».
وقد نال الرئيس السابق قدراً لاذعاً من الهجوم الذي فتحه أمين عام «حزب الحق» الموالي للحوثيين، والذي طالب المؤتمرين من أنصار صالح بتكميم فم الرئيس السابق، حيث قال على صفحته في الفيسبوك مخاطباً أعضاء حزب صالح: «هل نشر كلام زعيمكم شق للصف؟ إن كان كذلك فكمموا فمه»، الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقادات للحوثيين ولحزب الحق المرتبط بهم من قبل أنصار صالح.
وما إن سكن غبار المعركة التي أثيرت حول تعزية صالح للرحومي، حتى ثارت قضية أخرى وسط هذا الجو المشحون بين الحليفين. ففي يوم عرفة بثت قناة «اليمن اليوم» التابعة للرئيس السابق خطبة إمام الحرم المكي، عبدالرحمن السديس، كاملة وهو الأمر الذي فهمه الحوثيون على أنه نوع من الرسالة الإعلامية والسياسية الموجهة ضدهم، وأنه محاولة من حزب صالح للتقرب من السعودية، خاصة أن الرئيس السابق قد وجه للسعودية أكثر من إشارة برغبته في التفاوض المباشر معها، أسوة بتفاوض الحوثيين مع الرياض، عندما ذهب رئيس وفدهم المفاوض محمد عبدالسلام إلى السعودية، وتمت مجموعة من التفاهمات تخص الأوضاع على الحدود، ألزم الحوثيون فيها بنزع الألغام من الحدود، ومنع إطلاق المقذوفات المدفعية والصاروخية على الأراضي السعودية، ما أدى إلى فترة من الهدوء عبر الحدود، لدرجة أن الرئيس السابق نظر بريبة إلى فحوى التفاهمات التي تمت بين السعودية والحوثيين، الأمر الذي جعله يستمر في سياسة إطلاق الصواريخ على الحدود السعودية، لتخريب تلك التفاهمات التي لم تتم معه هو، وليرسل صالح بعدها إشارات واضحة بأنه هو الجهة اليمنية المعنية بالتفاوض مع المملكة. على كل أثارت قناة «اليمن اليوم» عاصفة من الانتقادات اللاذعة وصلت ذروة تهديد الحوثيين بإغلاق القناة، إذ كتب القيادي في الجماعة حسين العزي على صفحته في «الفيسبوك» منشوراً مختصراً قال فيه: «الاعتذار أو الإغلاق». وجاءت ردة الفعل من أنصار صالح عنيفة بعد هذا المنشور الذي استفز المؤتمرين، الذين تحدوا المسؤول السياسي في الجماعة بأن يغلق القناة، مذكرين العزي بأن «الزعيم صالح» هو الذي جاء بالحوثيين من «كهوف صعدة»، وأنه قادر على إعادتهم إليها.
يمر الوقت، ويبدو أنه يعمل أثره على هذا التحالف النفعي التكتيكي الذي يشبهه اليمنيون بزواج متعة مؤقت بين صالح والحوثي، لغرض معين ولزمن معين ينتهي بعدها.
ومع أن تفكك تحالف الحوثي ـ صالح بات حتمياً، فإنه حتى هذه اللحظة تحرص قيادات الحوثي وصالح على لجم الخلافات البينية لحاجة الحليفين إلى بعضهما بعضا في مثل هذه الظروف، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة فترة التحالف بين الحليفين اللذين تقاتلا فدمرا محافظة صعدة، وتحالف فدمرا اليمن.
——————–
عن “القدس العربي”.