كتابات خاصة

الدرك الأسفل من الفرح

محمد المقبلي

هذا العيد على وجه الخصوص صورة مصغرة  لتلك الأعياد التي مرت على اليمنيين في عهد الإمامة، وأقسى ما فعلت الإمامة باليمنيين هي تحويل  الكآبة إلى طقس مستدام. في الغنائيات اليمنية وفي المورث الشعبي الملحن وغير الملحن ثمة نقاط غامضة كانت تخطر في بالي على الدوام لماذا حوى الموروث الشعبي الغنائي و”الباله” والرزفة والمهاجل عديد من الصور الحزينة في تصوير ليالي العيد من بينها عيد الغربة..
أو حتى عيد الداخل؛ وكيف أصبحت المقولة الرائجة “العيد عيد العافية “وسيلة تبرير انتهجها النظام الإمامي لاقناع الشعب الفقير والمنهك أن العافية هي الأساس في العيد، وليس لهذا الشعب الحق في أن يلبس أجمل الملابس ويأكل اللحم ويبتهج في العيد كما ينبغي..
كان فقهاء الهاشمية السياسية يرسخون هذه المقولة ويرددونها لاقناع الشعب بما كان يسمى “الحاصل”؛ الحاصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقاوق المبروم على الرأس مثل اللغم الأرضي متوسط الحجم..
في الموروث الغنائي مثلاً ، استحضر في ذاكرتي المتواضعة العديد من المرويات التي كان يتم تردؤدها شفهياً أو ما حوته بعض التدوينات وخصوصاً ما بعد سبتمبر،
من بينها مثلاً: يا ليلة العيد لا عدتي على خاطري.. ولا تعودي علي بعد هذه السنة.
وهي غنائية شعبية تم تدوينها باسم الشاعر الشعبي جمال المقبلي..
أو ما جاء في ملحمة البالة للعالم الخالد مهطر الارياني “الليلة العيد وأنا من بلادي بعيد”..
والعديد من صور العيد التي فيها مسحة حزن ورنين أليم  فيه من المرح الجريح، وعذابات الشجن التي جاء البعض منها لعكس الكآبة..
هذا العيد على وجه الخصوص صورة مصغرة  لتلك الأعياد التي مرت على اليمنيين في عهد الإمامة، وأقسى ما فعلت الإمامة باليمنيين هي تحويل  الكآبة إلى طقس مستدام من البؤس الدائم.
البؤس الاقتصادي والاجتماعي، وقبل ذلك كله البؤس الحضاري كان أحد العوامل الرئيسية التي حولت كل لحظة فرح يمنية إلى مآتم مرير وقاس، نتيجة النظام الإمامي
الذي عمل على الضد من الروح اليمنية القائمة أساساً على تمجيد مباهج الحياة..
الشخصية اليمنية في فطرتها تميل إلى الحياة والحيوية والحضور الفرح والرقص والفن والعمل والعمران وهي جزء من سمات الشخصية اليمنية الحضارية التي تعرضت للدمار الروحي والنفسي نتيجة هذا الآفة التي عشنا بعض مرارتها منذ الانقلاب.
خطر في بالي كيف عشنا هذا العيد الكئيب في المنفى وفي الداخل ونحن في عصر الفضاء المفتوح والانترنت، والنايلسات وقوقل وعلم الاناسة أو ما يسمى بالانثروبيلوجيا؟!
فكيف بأعياد أجدادنا أيام الطاعون وقرون من عهد الائمة منذ اللحظة الاولى التي هبط فيها الهادي الرسي إلى أرض السعيدة، ومعه هبطت اليمن إلى الدرك الأسفل من الفرح ومن  الحضارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى