كانتونات مستقلة.. ضعف الدولة يعمق النزعة الاستقلالية للأقاليم في اليمن
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من صلاح الواسعي
يعيش اليمنيون في مناطق مبعثرة ومنعزلة عن الأخرى، وذلك بفعل طبيعة اليمن الجغرافية مما ينشئ نزوعًا استقلاليًا، ناهيك عن أن اليمن تاريخيًا كانت دويلات مستقلة عن بعضها البعض، ولم تتوحد إلا في فترات قليلة جدًا.
إن مشروع الجمهورية اليمنية الذي تعرض للخطر بانهيار الدولة في 2015، وما تلاه من حرب في اليمن منذ عشر سنوات، أدى إلى نشوء كيانات يمنية مستقلة، وبرزت في الساحة اليمنية هويات جديدة تستند على مفاهيم ماضوية، تتمثل بالقبيلة والمذهب والطائفة، غذت فكرة الاستقلال وزادت من فرص حدوثها.
خلال التسع السنوات الماضية، تشكلت كيانات سياسية حملت تطلعات السكان نحو الاستقلال، لعل أبرزها المجلس السياسي الأعلى في صنعاء المدعوم إيرانيًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والمجلس السياسي للمقاومة الوطنية في المخا والساحل الغربي المدعومان إماراتيًا، ومجلس حضرموت.
كانتونات مستقلة
يقول رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد، ل”يمن مونيتور”: إذا استمر ضعف الدولة اليمنية، فإن هذه الجماعات المسلحة في اليمن ستذهب في النهاية إلى خيارات تقرير المصير.
ويؤكد محمد أن اتفاق السلام في اليمن، إذا تم، سيبقي الجماعات المسلحة المدعومة من أطراف خارجية في المساحات التي تسيطر عليها، وهناك احتمال أن يتمدد الحوثي أكثر.
ويرى محمد أن النظام الفدرالي مناسب لليمن، ولكنه برأيه يحتاج لدولة مركزية قوية، وإلا فإن الأقاليم ستكون أشبه بدويلات مستقلة، مشيرًا بقوله: “الأخطر من ذلك أن تسيطر جماعات مسلحة، هنا سنشهد دويلات مستقلة حقيقية، وفي حال استمرار الحرب سنشهد عصابات تحكم.”
السلام المستحيل
وتتوقع المحللة السياسية منى صفوان تعثر اتفاق السلام في اليمن خلال السنوات القادمة، تقول صفوان: “لن يكون هناك اتفاق سلام، وأعتقد أن خارطة الطريق ستتعرقل، لأن هناك أجندة في المنطقة تريد تقسيم اليمن حسب خارطة إقليمية.”
وأشارت إلى أن حرب غزة قلصت فرص التقاء الأطراف اليمنية على طاولة واحدة. والسبب برأيها أن الحرب في اليمن مرتبطة بحرب غزة ومرهونة بالتعنت الإسرائيلي، فهناك طرف يؤمن بأن حرب غزة لا تُحل إلا بالسلاح والمزيد من التصعيد، فيما هناك أطراف تؤمن بالتطبيع.
وأضافت صفوان لـ”يمن مونيتور” أن اليمن ستعيش حالة جمود لمدة طويلة، قد تتحول إلى مزيد من الصراع، خصوصًا أن خطاب الحرب لا يزال هو السائد في البلاد سواء لدى الأطراف التابعة للسعودية أو التابعة للإمارات أو التابعة لإيران.
- هبة حضرموت الثانية.. أين تتجه المحافظة النفطية مع التصعيد القبلي؟! (تحليل خاص)
-
أهداف وخبايا.. لماذا يجتهد المجلس الانتقالي لإعلان فشل الحكومة اليمنية؟ (تحليل خاص)
ضياع اليمن الموحد الكبير
كل القوى العسكرية في اليمن أسست لنفسها دويلات صغيرة، ولا شك أن أي تسوية سياسية قادمة، وإن كانت بعيدة على مدى السنتين القادمتين، ستأخذ هذا الإطار من التشكيلات العسكرية التي أسست لنفسها دويلات كأمر واقع. باختصار، اليمن الموحد الكبير لم يعد مطروحًا على مدى العشر السنوات القادمة، هكذا يرى المحلل السياسي عبدالستار الشميري الوضع الراهن في اليمن.
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة، الدكتور فيصل الحذيفي، أن ممارسة الحكم الذاتي المستقل عبر تمويل خارجي لبعض التجمعات والمكونات العسكرية في اليمن ممكن لتحقيق نجاحات جزئية. لكن ذلك يبقى رهن التدخلات الخارجية التي تغذي هذه النزعة التجزيئية ليسهل تدخلها وخدمة أجندتها، ومتى انتهى مفعول التدخل الخارجي ستسقط الكيانات وخيارات النزوع نحو الاستقلال أو الحكم الذاتي.
وأشار الحذيفي لـ”يمن مونيتور” إلى أن الترتيبات الحالية في المدن اليمنية ليست تعبيرًا عن إدارة جهوية في الحكم الذاتي أو الاستقلال عن السلطة المركزية، وإنما هي تعبير عن ترتيبات ونوايا المتدخل الإقليمي والدول، من جهة، وسد الفراغ الحاصل محليًا وجهويًا بسبب ضعف السلطة المركزية من جهة أخرى.
وأضاف: “إن النزوع نحو الحكم الذاتي الكامل لن يكون ممكنًا في الحد الأدنى سوى في المحافظات القادرة على تشغيل ذاتها، بموارد داخلية فائضة: نفط، غاز، موانئ، أسماك، زراعة، وهي مقومات ليست متوفرة ولا مكتملة للنجاح، فمثلًا: مأرب فيها موارد فائضة لكنها بلا ميناء ولا مطار ولا منفذ دولي، وتعز دون موارد، هي الأسهل في وضعها تحت الحصار من أي طرف.”
تعز في مخطط التقسيم
يرى مراقبون أن في مدينة تعز لا توجد سيطرة مطلقة لأحد، الأحزاب السياسية هناك تشارك في السلطة المحلية. “وفي حين يُغلق المجال العام ويُقسر في اتجاه أحادي لمصلحة الميليشيات والمكونات المسيطرة في المحافظات الأخرى، تبدو تعز مكانًا مفتوحًا لأشكال النشاط السياسي والحزبي، ولا تشبهها نسبيًا سوى محافظة مأرب.”
الكاتب السياسي عبدالعزيز المجيدي صرح ليمن مونيتور قائلًا: “حرص التحالف العربي على تمزيق مدينة تعز إلى ثلاث تعزات: هناك تعز الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في منطقة الحوبان الصناعية، وتعز الساحل باعتبارها الجزء الأهم كميناء وضمنها مديرية ذوباب التي تشرف على مضيق باب المندب الاستراتيجي. هذين الجزئين يمكن وصفهما بأنهما الجزء المفيد من تعز. الجزء الثالث هو ذلك المكتظ بالكثافة السكانية والواقع تحت سيطرة الجيش الوطني الخاضع لوزارة الدفاع وأكثريته مقاومة شعبية حشدها حزب الإصلاح.”
وأشار المجيدي إلى أن هذا الوضع في تعز ربما يبدو مثالًا جيدًا لما يريده التحالف في البلاد برمتها، وهي صيغة ستتكرر بفاعلين آخرين في المحافظات الجنوبية، حيث تتنافس دولتا التحالف، وإن كان للإمارات النفوذ الأكبر مع محاولات سعودية متأخرة لبناء تشكيلات عسكرية موالية لها مثل قوات درع الوطن السلفية.
وردا على سؤال من سيحكم تعز في المرحلة المقبلة، قال المجيدي: “أتذكر أن ضابطًا سعوديًا يتحدث في الإعلام كثيرًا، قال بصريح العبارة إن الجيش الوطني سيتم تسريحه وإن قوة زيدية _هكذا قالها حرفيًا_ ستتولى استكمال تحرير تعز وبقية المناطق. بالطبع هذا الكلام كان بعد انقلاب أغسطس في عدن على الرئيس هادي.”
مشيرًا إلى أن الرياض أصبحت مهتمة أكثر بإبرام صفقة مع الحوثيين، بينما تسعى أبوظبي لتمكين أذرعها وهي لا شك تسعى عبر طارق لأن تكون صاحبة الكعب الأعلى بتعز، وهي تستخدم من أجل ذلك وسائل عديدة، حتى الآن لا زالت ناعمة، كبناء مشاريع خدمية مثل الطريق الرابط بين المخا والمدينة عبر الكدحة، ومطار المخا، ثم عبر الأموال السخية التي تقدمها لتغطية أنشطة طارق.
تتضارب الآراء حول تعز، حيث تؤكد الباحثة في علم الاجتماع السياسي، رشا عبدالكافي، أن حزب الإصلاح لن يفرط بمدينة تعز، حيث فقد الإصلاح سيطرته على المناطق شمال اليمن التي يستفرد بها الحوثيون، وفقد مكانته في الجنوب الذي يسيطر عليه المجلس الانتقالي، ولم يعد له تواجد سوى في مدينتي مأرب وتعز، ما يعني أنه يبحث عن موطئ قدم في الخارطة الجديدة للتسوية السياسية.
وتنفي صفوان كون مدينة تعز يوجد فيها شراكة سياسية، قائلة إنه لا توجد دراسة واحدة تثبت ذلك حتى الآن، وأن تعز لا تختلف في وضعها عن بقية المحافظات اليمنية.