مجدداً يطل عيد الأضحى، ومدينة تعز اليمنية تشهد حرباً ظالمة لم تتوقف وحصاراً خانقاً على جميع منافذها منذ أكثر من عام ونصف. مجدداً يطل عيد الأضحى، ومدينة تعز اليمنية تشهد حرباً ظالمة لم تتوقف وحصاراً خانقاً على جميع منافذها منذ أكثر من عام ونصف.
العيد الرابع الذي يحمل أبناء المدينة جراحهم المثخنة على أكفهم، رغبةً في الاحتفال بهذه المناسبة التي لن تأتي أكثر من مرتين في العام، متجاوزين بذلك آلامهم وأحزانهم وجراحاتهم، مؤمنين بحقهم في الحياة والفرح والسعادة.
في منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي، تمكن رجال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من كسر الحصار جزئياً عن المدينة من منفذها الغربي، بعد أن خاضت معارك عنيفة ضد المسلحين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق، أسمتها بمعركة “فك الحصار”، وبالفعل كسرت الحصار، واستعادت السيطرة على مواقع إستراتيجية هامة وواسعة، .
عادت الحياة تدريجياً إلى المدينة، امتلأت بأبناء الريف القادمين إليها، بالإضافة إلى أبناء المدينة النازحين في مناطق الريف، بعد أن أصبح طريق الضباب مفتوحاً للجميع، ويبدو أن الطريق الجبلية الوعرة “طالوق” التي استخدمت كبديل إجباري للعبور، قد توقفت فيها الحركة.
وعلى الرغم من إيجاد المدينة متنفساً لها من منفذها الغربي، الأمر الذي خفف عنها وطأة الحصار، إلا أنها فوجئت بحصار اقتصادي رهيب، يعاني منه اليمنيين في جميع أنحاء البلاد.
أوضاع اقتصادية متردية، ارتفعت فيها أسعار صرف العملات، وانعدمت السيولة النقدية من الأسواق، وارتفعت أسعار المشتريات وخاصة مستلزمات العيد.
وصل سعر الأضحية الواحدة هذا العام إلى أكثر من 70 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 250 دولار، في حين أوقفت جماعة الحوثي المسلحة رواتب مئات الموظفين الحكوميين من أبناء تعز، بحجة مناهضتهم لمشروعها الذي تحاول فرضه بقوة السلاح من خلال اقتحام المدن وإحلال الدمار، وإما محاولة لتعويض خسائرها المادية في معاركها ودعم مجهودها الحربي الذي تحاول جمعه بشتى الطرق.
آلاف الأسر لا زالت نازحة في تعز حتى اليوم، إما في مدارس أو مراكز إيواء، أو لدى أسر مضيفة، بعد أن فرت من مناطقها ومساكنها جراء اشتعال المواجهات المسلحة فيها.
وإجمالاً، فإن الوضع الإنساني في محافظة تعز لازال بانتظار وعود المنظمات الدولية المانحة، التي كان يقف الحصار المفروض على المدينة حائلاً بينها وبين إيصال مساعداتها الإنسانية للمتضررين.
وعلى الرغم أيضا من الكسر الجزئي للحصار عن المدينة من منفذها الغربي، إلا أن القذائف لا زالت تنهمر يومياً على الأحياء السكنية، وكل يوم يسقط ضحايا جدد من المدنيين بينهم نساء وأطفال.
كمواطن يمني، أنتمي لهذه المدينة، فقد حالت الحرب أيامنا إلى جحيم أسود، فمنذ عام ونصف، وأنا بعيد عن أسرتي التي تسكن في الريف، لا أستطيع زيارتهم سوى في أيام العيد وعلى عجل.
الطريق بيني وبينهم شاق ووعر، بسبب الحصار، أعمل في المدينة كصحفي أغطي أخبار الحرب، وأحاول نقل مأساتها المروعة التي تمر بها المدينة وسكانها إلى أنظار العالم.
قلصت الحرب طموحاتي حتى اختصرتها في طموح صغير يتمثل في “زيارة الأسرة – والعودة لإكمال دراستي في صنعاء”، وهذه لن تتحقق إلا بانتهاء عاجل وفوري للحرب ومخلفاتها، مع سرعة ردم الفجوات التي أحدثتها الحرب في النسيج الاجتماعي لأبناء هذا البلد.
وعلى أمل أن تنتهي هذه الحرب تظل أمنيات الجميع معلقة على حبل الانتظار، الذي لم يحدد موعد انتهائه بعد.