الترامادول… مسكن أفيوني أدمن على تعاطيه الكثير اليمنيين
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من مختار شداد
كانت بداية المأساة من مزحة صديقه، في مجلس القات اليومي، يجتمع محمد بأصدقاء حيه بشكل مستمر، بعد شهر من الغياب عنهم، تفاجأ محمد بأن أصدقائه أصبحوا مدمنين على استخدام حقن مع القات (نبته شعبية يتناولها اليمنيون) كل يوم، على الرغم من أنهم لا يعانون من أي مرض، حاولوا إعطاءه، لكنه رفض ذلك في بداية الأمر، إلى أن أخبره أحدهم بأنها حقن فيتامينات سي.
محمد-اسم مستعار- شاب عشريني من ريف تعز الشمالية، قدم إلى مدينة تعز لإكمال تعليمه الجامعي، يسكن في بيت خاله، وأغلب الأوقات يتنقل بين عِزَب (مساكن) أصدقائه الطلاب، يعاني منذ سنة ونصف إدمان على تعاطي المسكنات اثناء تناول القات، “شعرت براحة غريبة بعد أول إبرة حقنتها، الهدوء والسكينة والمزاج اللي يخليك ما تهم شيء (لا تهتم بشيء””.
لم يكن يعلم محمد، أنه من تلك اللحظة التي كذب فيها صديقه عليه سيصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها التوقف عن تعاطي حقن “ترامادول”، الذي يوصف بأنه مخدر أفيوني يستخدم كمسكن قوي لحالات الأم الشديدة والحادة المزمنة مثل ألآم ما بعد الجراحة أو العمليات.
إدمان خطير
ليس محمد، سوى قصة واحدة من بين مئات القصص التي لم يفصح عنها أصحابها، خوفًا من أولياء الأمور، حالات إدمان أخذت في التزايد بصورة كبيرة بين أوساط الشباب في مدينة تعز، ليس تعاطي عقار أو حقن “ترامادول” فحسب، بل هناك أنواع مختلفة ومتعددة من المسكنات المنتشرة في الأسواق.
يحكي لنا “محمد” قصة إدمانه بمرارة، فأقصى مخاوفه كانت الانخراط في ادمان التدخين أو تناول “الحوت” و”الشمة”، وخوفه من والده منعه من السفر إلى القرية “سنة وهذه السنة الثاني باتنتهي وما تجرأت العودة إلى القرية، رغم إنه أبي ما يدري، بس أخاف يلاحظ على تصرفاتي وسلوكي”.
ينتمي “ترامادول” إلى فصيلة الأفيونات، ويعمل كمخدر مثل المورفين والهيروين بدرجة أقل تأثرًا، ولكن استخدامه بصورة متكررة بدون استشارات طبية يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على الجسم، ناهيك عن صعوبة التوقف عن تعاطيه بسبب الأعراض الإنسحابية التي يعانيها المدمن، إضافة إلى أن خلط “ترامادول” مع أدوية أخرى مهدئة يزيد من فعاليته بصورة كبيرة.
يقول الدكتور حمزة الكامل بأن الترامادول يخدع الدماغ عن طريق محاكاة عمل الإندورفين، يُعطي شعورًا مؤقتًا بالسعادة والنشوة، ويخفف الألم، لكنه في الوقت ذاته يُضعف وظائف الجهاز التنفسي، كما أنه يُسبب الإدمان الجسدي والنفسي بسرعة، ويُصبح التوقف عنه تجربة قاسية ومؤلمة تتطلب مساعدة متخصصة.
ويضيف في تصريحه لموقع “يمن مونيتور” قوله: ” على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي الترامادول إلى آثار جانبية خطيرة مثل الاكتئاب، مشاكل في التنفس، وأضرار في الكبد. لذا، من الضروري استخدامه تحت إشراف طبي لتجنب هذه المخاطر”
تصريح خجول
محمد الصوفي، مدير الهيئة العليا للأدوية في تعز، يقو بأن الترامادول يدخل إلى اليمن بصورة رسمية عبر وكلاء لدى الهيئة العليا للأدوية، ويتم توزيعها عبر الوكلاء والشركات وفق آلية رقابية معينة وبكميات محدده وبعناية الهيئة العليا إلى صيدليات ومستشفيات مدينة تعز.
في الوقت ذاته يؤكد صيادلة في المدينة أن دخولها إلى اليمن ليس مقتصرًا على الهيئة العليا للأدوية، فالتهريب وسيلة أخرى لدخول دواء الترامادول، ويوزع بصورة عشوائية على الصيدليات.
وعن أسباب الإدمان يقول “الصوفي” في تصريحه لموقع “يمن مونيتور” بأن السبب الأول هي الحرب التي تسببت بإصابات خطيرة وبتر أطراف الجنود في الجبهات، بالإضافة إلى المدنيين الذين أصيبوا بمخلفات الحرب كالقذائف، بأنه لم تكن هناك وسيلة لتهدئة الألم إلا بحقن الترامادول، وكون الجرحى يحتاجون لفترات علاج طويلة يصلون إلى مرحلة التعود، مما يدفعهم لأخذ جرعات أكبر لتهدئة الألم وبهذا يصبح مدمن.
وهناك سبب آخر للإدمان يذكره “الصوفي” بقوله: ” سبب آخر هو سوء صرف واستخدام حقن الترمادول من قبل مسؤولين الصيدليات، كون مسؤول الصيدلية أو العامل، شخص غير صيدلاني، وجهله بالأدوية وأعراضها الجانبية ومضاعفاتها، ورغبة ملاك الصيدليات بكسب ثقة المرضى وصرف أدوية ومهدئات ذات مفعول سريع، وضعف الجانب الرقابي من قبل مكتب الصحة كون الرقابة على الصيدليات من مهامهم وصلاحياتهم”.
الصيدلاني “محمد أديب” يقول بأن الترامادول لا يتم صرفه إلا بوصفه طبية مختومة من الطبيب المختص، وينفي وجود صيادلة يبيعون هذه المادة بشكل عشوائي لأي شخص، “واحد من المية من الممكن أن يستخدمها بطريقة سيئة”.
لكن “محمد” في الوقت ذاته يؤكد بأن السوق ممتلئة بالأصناف المهربة والتي تدخل بصورة غير رسمية :” وعندما تدخل بصورة غير رسمية، فأنها تصل إلى أيدي أشخاص غير مؤهلين، يبيعونها لأي شخص بغرض الربح، كالتجار أو الصيدليات بطريقة عشوائية وبأسعار رخصية، ومع التهريب بطرق غير آمنة حرارتها عالية، مما يؤدي إلى تلف الدواء ويكون ضار أكثر من كونه فعال”.
قصة الشاب الذي أدمن على تعاطي الترامادول، ماهي إلا واحدة، في وقت بات فيه الحصول على هذا الدواء سهلًا وبطرق غير شرعية “من تحت لتحت” كما يطلق عليها في المجتمع، والمعنى أنها تباع بطريقة سرية، بالتعامل مع أشخاص محددين، لكن الإدمان بشكل عام سواء على الترامادول أو المخدرات في تعز، أصبح منتشرًا بصورة كبيرة، وتجاهل السلطات المعنية في التعامل مع ذلك.