كم أنت حنونة يا فاطمة.. وكم أنا
بعيد !!.. كم أنت حنونة يا فاطمة.. وكم أنا
بعيد !!..
بعيد عن حضنك الذي عليه أرتمي وأقول: عيد سعيد يا أمي..
أعاده الله عليك بسلام يعادل ذلك السلام الذي حماه الله بحنان قلبك وقلوب أمهات اليمنيين أجمعين!!
دعائك المرسل عبر الأثير أسمعه يا أمي.. نعم أسمعه وأرى فيه جواب الله في كل وقت وحين!!
أراه يتجلى غيمات كالتي تبكي حين تبكين وتفرح حين تفرحين، وتدركنى أمطارها لتغسلني من أوحال الفقر والحرب!!
بعيد أنا الآن عن حضنك الذي عليه إرتمنينا 11 طفلا يشار الينا بعيال وبنات ناجي علي!!
بعلك الذي إعتلى سلمه الى جوار ربه في السماء قبل 11عاما، وكم أرجو اليوم أن تسامحيني برحمته!!
ينتابني ونادية سلام “زوجتي” حنين العودة الى عشك الكبير الذي كونتيه والمرحوم أبي عند وكر النسر في جبال المقاطرة!!
على أن عشك صار بعيدا بالنسبة لصغيرك الذي طار من جبل مطل على لحج وعدن وكون عشه الصغير في ربا صنعاء البعيدة!!
يؤسفني أن تكون الحرب قد إشتعلت في محيط جبالنا..
ويوسفني أكثر سماع أمي الحنونة لدوي مدافعها وصواريخها في هيجة العبد بالمقاطرة كما في الأحكوم وحيفان!!
إنها الحرب التي أثقلت قلوب الأمهات وباعدت بينهن وأطفالن وازواجهن وإخوانهن بشكل نهائي وعلى نحو مؤلم وبالغ القسوة!!
فوق هذا أخذ الحصار الخانق على الحجرية وتعز يضاعف صعوبة قدرتنا على العودة الدورية إلى أمهاتنا الحنونات!!
وهذا ما حدث:
ذهبت إلى صاحب الحافلة التي كنا ننوي السفر على متنها إلى مدينة التربة فكان حديثه معي صادما!!
يستغرق سفري إلى أمي 18ساعة متواصلة.. هذا إن كان الطريق سالكا ولم تتوقف بنا الحافلة في التواءات الحصار المطبق على تعز!!
تتخذ حافلات المسافرين وعربات النقل طريقا ملتويا يسلكه المهربون غالبا!!
طريق إسمه “الكدحة” غرب تعز.. تستغرق دورة كاملة على مدينة تعز حتى تصل اليه في منطقة البرح المتاخمة للمخا.. وليس الى الحجرية تحديدا!!
ثم عليك أن تسلك طريق الوازعية والمشاولة السفلى، وهو طريق معظمه ترابي ينتهي بك في مدينة السواء بمديرية المعافر..
من هناك يتابع المسافرون رحلتهم الى قراهم البعيدة منها والقريبة.. هكذا فهمت من سائق الحافلة.. وهكذا تحدث مسافرون مع امي الحنونة فطلبت منى البقاء في صنعاء.. فكم هذا مؤلم!
الهجرة يا أمي هي التزامنا القديم والمتجدد.. التزام لا يضاهيه سوى عودتنا الدورية اليك.. خصوصا في العيدين يوم أن تخلو اليمن لتزدحم الحجرية!!
لقد فشلت الدولة في إدارة نشاط يشكل قيمة مضافة للإمكانات الطبيعية لقرانا الجبلية الفقيرة!!
مع ذلك لم نتجه إلى تأليب العصبيات وإشعال الحروب في كل أرض، بل صار الفرد فينا قيمة مستقلة وهو من يضيف للأسرة الفلانية أو المنطقة العلانية شيئا ذا قيمة، خلافا لعصبيات الحرب والغنيمة والقبيلة!!
صنعاء صارت تألفنا وكل ربوع السعيدة، فنحن يا أماه نبني ولا نبدد.. نسالم ولا نهدد.
لذا وقبل إشعال هذه الحرب كانت الطرق إلى الحجرية هي الأسخن في الأعياد!
ترى البيجوهات وحافلات الأجرة تضع حمولتها في سائر مديريات الحجرية ثم تعود لتوها فارغة..
فيما السيارات “الخصوصي” لا تعود إلا ممتلئة ولكن بعد إنقضاء إجازة العيد.
تدفقات العودة العيدية يشهد معها شارعا جمال وهائل في العاصمة صنعاء تناقضات مذهلة خلال 48 ساعة!!
قبل يومين من العيد تستغرق ساعة كاملة لتتمكن من السير في إحدى الشارعين حتى النهاية.. وهنا يعجز سعيد المشولي في الحصول على مساحة إضافية مترين في مترين بأي من الشارعين كيما يبيع ما تبقى له من ملابس الحاوية التي إستوردها من الصين.
يوم العيد تصحوا صنعاء على شوارع فارغة ظلت تضج حتى الصباح.
أحياءالعاصمة تبدوا خالية وما عاد “زيد” يسمع.. طلع ياليد.. باشر يا ليد فالزحمة التي إعتادتها صنعاء طوال العام تكون وقتها قد حلت بالحجرية.
الدبعي صاحب المعرض “ماهلوش” والعريقي والقدسي والمقطري أيضا سافروا.
ايامنا تلك ستعود يا أمي.. كما أن أيامنا الجميلة لم تأت بعد .. ولكن أرجوك تذكري واضحكي:
تذكري بأنني طفلك الشقي الذي كان عليه أن يتحدى وهم “الجنية” في وآدي المعين!!
وثقي بأن لا شيء في طفلك هذا قد تغير سوى أنه صار “ليدا” مهاجرا في صنعاء!!
صنعاء البعيدة يا أمي!!