هل يستغل الإصلاح مناسبة التأسيس لعقد المؤتمر الخامس؟
جرت العادة في مناسبات تأسيس الأحزاب في اليمن أن يتم التركيز على الجوانب الإيجابية وكل ما يجعل المناسبة فرائحية بامتياز خالية من أي اعتراف بتقصير أو فشل مهما كانت الظروف حتى يُخيّل للمرء أن كل حزب ناجح وليس هناك تجربة فشل مما يجعل التساؤل عن مسؤولية الأحزاب فيما يجري أمرا مثيرا للاستغراب وفقا لهذا التصوّر.
من المفهوم أن يحرص هذا الحزب أو ذاك على إبراز سيرته الجيدة وتقديم ما يعتقد أنها إنجازات لأعضائه والرأي العام، فهذا مما لا يعيب طالما كان هذا السرد حقيقيا ولا يرتبط بالدعاية السياسية لأن الوعي الشعبي سيكشف الزيف وتكون النتيجة سلبية لأصحابها.
وبطبيعة الحال، لكل حزب إيجابياته وسلبياته ولكن هذا ليس المقياس لتقييم الأداء، بل كم نسبة التأثير الجيد مقارنة بالتأثير السلبي، ويشمل هذا المساهمة في تطوير الحياة السياسية والتعامل مع الهزيمة والنصر ومفهوم الديمقراطية وأبعاده وهل يقتصر على صندوق الانتخابات أم يتعداه لاستحقاقات التفويض الشعبي، وهل يتم الاعتماد على البرامج أم الإيديولوجيا.
وفي خضم هذه التساؤلات، تأتي مناسبة تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في ١٣ سبتمبر ١٩٩٠ كثمرة من تحولات الوحدة التي فتحت الباب للتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير وهي مكاسب وطنية رغم كل ما يُقال على هذه التجربة.
لاشك أن الإصلاح أثبت من أول انتخابات برلمانية عام ١٩٩٣ أنه على استعداد للقبول بنتائج اللعبة الديمقراطية والتضحية بمكاسبه للآخرين لصالح ترسيخها وهذا ما حدث حين تنازل عن المركز الثاني للحزب الاشتراكي الذي جاء ثالثا على الرغم من حالة العداء بينهما في ذلك الوقت.
الدرس الآخر هو أن الإصلاح ارتضى لنفسه بأن تكون الانتخابات هي بوابة وصوله للسلطة لا ما سواها وهذا أمر مهم له وللآخرين، ذلك أن الحصول على مغانم السلطة بالطريقة السلمية يساعد في ترسيخ التداول السلمي ويجنب البلد مسارات الانقلابات والعنف المسلح.
ومثلما دخل الإصلاح الحكومة بالانتخابات خرج منها بنفس الطريقة بعد انتخابات ١٩٩٧ وكان هذا المسار إيجابي على الرغم إنه لم ينهِ تحالفه السياسي بعد مع الرئيس صالح حتى ٢٠٠١ حينما بدأ الإصلاح يضع قدمه في المعارضة ويستعد للانتقال الكامل إلى صفوفها ليشكل مع غيره فيما بعد تحالفا سياسيا هو اللقاء المشترك كتجربة سياسية رائدة في التعايش والتعاون في المشتركات بعيدا عن المنطلقات الإيديولوجية.
بعد ثورة ١١ فبراير ٢٠١١ التي انتهت إلى تسوية سياسية بين المعارضة والحزب الحاكم بضغط خليجي ودولي، شارك الإصلاح في الحكومة الانتقالية بموجب اتفاق سياسي لا انتخابات وقد كان ذلك مفهوما لكنه مثّل تحوّلا جديدا في رؤية الحزب للسلطة.
هذا التوجه بعث رسائل مغايرة لما كان عليه الحال في الماضي، فقد بدأ الحرص على المناصب أكبر من ترسيخ التحول الديمقراطي والحكم الرشيد والنزاهة الالتفات لمصالح الجماهير والوفاء بالوعود.
لقد كان التسابق على المحاصصة في المناصب هو النهج السائد بين جميع الأحزاب وليس فقط الإصلاح على حساب أولويات المرحلة وقد ترافق ذلك مع فساد غير مبرر من القوى التي كانت تدّعي النزاهة والعدالة وتزايد على النظام، وانشغلت في معركة تعزيز النفوذ وأهملت أهداف التغيير، مما ساهم مع عوامل أخرى في تمكين الحوثيين من قبضة الدولة والعاصمة.
وكما تخبرنا التجارب، أنه طالما ليس هناك محاسبة لا يمكن نتوقع غير الفساد حتى ممن جاءوا من خلفيات بعيدة عنه، وهذا ما يحدث منذ ٢٠١٥ وحتى اليوم تحت مبررات الحرب وانهيار مؤسسات الدولة مع أن هذه الحجج تستوجب إعمال النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد وأن يكون هناك لجنة داخلية في كل حزب تقيّم وتحاسب مسؤوليه لا غض النظر أو تشجيع الأمر بأي شكل.
وبعد هاتين التجربتين في الوصول للسلطة، هل لدى قيادة الإصلاح تقييم حقيقي ومراجعة دورية لما جناه الحزب والوطن من الحالتين، وهي واضحة لكل ذي عقل ويكفي أن ينظر المرء أين كان نفوذ الإصلاح وأين أصبح وكذلك كيف كانت الدولة وكيف صار حالها، واتحدث هنا عن حدود مسؤوليته فقط لتعرف قيادته إنها إذا فكرت بالمغانم دونما اعتبار لتلك القيم التي كانت سائدة بداية التجربة ستخسر كل شيء.
في الماضي، كانت قيادة الحزب تحترم النظام الأساسي واللوائح الداخلية وفي مقدمة ذلك الالتزام بعقد المؤتمرات العامة في مواعيدها المحددة دون تأخير تحت أي مبرر مما ساعد في ضمان شكل من المحاسبة والضغط عليها رغم أنها الحاكمة منذ التأسيس وحتى اليوم.
لطالما تفاخر الإصلاحيون بالالتزام بعقد مؤتمراتهم مرتين كل أربعة أعوام ولكن اليوم ينبغي عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا تخلوا عن ذلك منذ آخر مؤتمر عام ٢٠٠٩ وهو المؤتمر الرابع، ولم يُعقد بعده أي مؤتمر وكان يُفترض أن تأتي مناسبة هذا العام مع المؤتمر الثامن.
ليس هناك مبرر لعدم عقده، فالإضافة إلى أن هذا مخالفة للنظام الأساسي، فهو مؤشر على تراجع الأداء وضعف المؤسسات مما انعكس سلبا في السياسات والقرارات الفاشلة والكارثية على كافة المستويات.
المؤتمر هو أرفع سلطة قيادية في الحزب وفيه يتم انتخاب قيادات الهيئات مثل الهيئة العليا والقضائية ومراجعة السياسات والأداء واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان تعزيز قوة الحزب وفاعليته على المستوى الداخلي والخارجي.
لقد حان الوقت لعقد المؤتمر العام الخامس لإجراء تغيير حقيقي وشامل للقيادات والسياسات وتصحيح الوضع الحالي المليء بالأخطاء والضعف والارتهان وفقدان استقلالية القرار لصالح الخارج وحتى لصالح السلطة القائمة وما لم يحدث ذلك فسوف تزداد التبعات ولن تستطيع المقاربة الراهنة التعامل مع التحديات والمتغيرات ولن تفيد ترقيعات المتملقين وغير الصادقين.