منذ الوهلة الأولى لانطلاق حزب الإصلاح في ١٣ سبتمبر ١٩٩٠ وبعد أشهر قليلة على قيام الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو من نفس العام، كانت الهوية اليمنية واضحة المعالم من حيث الاسم التجمع اليمني للإصلاح ومن حيث الأهداف والنظام الأساسي وتشكيلة المؤسسين الذين شملوا اليمن بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، ومن مختلف الشرائح والفئات والمهن.
بدا انه حزب انبعث من جذور الأرض اليمنية وعنوان لإنسانها العظيم وله امتداده التاريخي والحضاري الضارب، وظهر جليا كامتداد للحركة الإصلاحية اليمنية او ما يطلق عليها حركة الاحياء اليمنية، التي كان من روادها نشوان الحميري والهمداني والمقبلي والصنعاني والشوكاني والزبيري والبيحاني والمخلافي، وأعلن انتماؤه اليمني وعدم تبعيته لاي جهة او جماعات خارج الوطن اليمني وممثلا للشعب اليمني فقط.
وفي المقابل كان هناك اصرار على تشويه صورته الواضحة وتزوير هويته اليمنية تارة بربطه بدول عربية وتارة أخرى بتقديمه كجزء من تنظيمات عربية واسلامية، رغم كل الوضوح في تكوينه وتشكيلته واسمه وامتداده الفكري والتاريخي والهوياتي اليمني، وذلك ضمن المكايدات التي طفت على سطح صراعات الاطراف السياسية، وتصدر لها رموز التيار الإمامي عبر لافتاتهم المعروفة او من كانوا يتدثرون بالأحزاب السياسية الأخرى.
خاض الاصلاح العملية السياسية وفق أدواتها المعروفة ومارس المعارضة في الفترة الانتقالية برقي يتناسب مع الوعي الذي كان سائداً، محاولا الابتعاد قدر الامكان عن التشاحن والتخندق الرديء الذي شوه صورة التعددية الحزبية كواحدة من أهم اشتراطات قيام الوحدة اليمنية المباركة.
وحينما وصل الاصلاح إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في ٢٧ أبريل ١٩٩٣م لم يتردد في آن يخوض تجربة الائتلاف الحكومي كضرورة للحفاظ على التعددية الحزبية تلك والعملية الديمقراطية برمتها مع اشد خصومه السياسيين حينذاك، فكان شريكا الي جانب المؤتمر الشعبي العام مع الحزب الاشتراكي اليمني الذي وضع الإصلاح كخصم له منذ اللحظات الأولى لقيام الوحدة.
استمر الإصلاح بعد ما عرف بحرب تثبيت الوحدة في صيف ١٩٩٤م، كشريك للمؤتمر في ائتلاف حكومي فيما المؤامرات تحاك ضده وكان للأيادي الامامية المخترقة لحليفه المؤتمر الشعبي دور كبير في ذلك، حتى ابعاده من السلطة عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية أبريل ١٩٩٧م.
ومن مؤشرات استقلالية الحزب عن اي أطراف في الداخل اليمني والخارج، اصرار الاصلاح على عقد مؤتمره التأسيسي بعد حرب ٩٤ في خطوة مهمة حسبت له حينها انها حافظت على العملية السياسية والتعددية التي كاد المنتصر ان يهيل عليها التراب ويدفنها.
مسيرة متخمة بالتحديات والصعوبات والإنجازات التي حققها الإصلاح على صعيد تثبيت ركنا النظام السياسي اليمني (سلطة معارضة)، وأدت به إلى أن يعود تدريجيا الي قيادة المعارضة التي توجت بإعلان اللقاء المشترك مع أحزاب من مختلف التوجهات اليسارية والقومية وغيرها وكانت تجربة مميزة وفريدة حافظت على العملية السياسية واستخدم خلالها أدوات السياسة ورفع لواء النضال السلمي والدفاع عن الحقوق والحربات وتثبيت مفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية.
انخرط الإصلاح في محطات متعددة من العمليات الانتخابية (نيابية ورئاسية ومحلية) وكان نموذجا للحزب المتمسك بهويته اليمنية والمعبر عن طموحات وتطلعات واحتياجات الشعب اليمني، واستمر في عقد مؤتمراته العامة والفرعية بانتظام، وشارك في العمل النقابي والطلابي ومؤسسات المجتمع المدني لتثبيت أركان العمل المدني وتحقيق التوازن فيما بين السلطة والمعارضة.
لقد كان للجمهورية كنظام وقيم مبادئ حضور في الأداء الاصلاحي طوال مسيرته الممتدة لأكثر من 3 عقود وفي المحاضن التربوية وله دور كبير في اتساع مساحة هذا الزخم الجمهوري المتصاعد ورفع درجة الوعي لدى اليمنيين بأهمية الجمهوري كرديف للحرية والتنمية والسلام.
وللإصلاح دور مشهود في مواجهة تيار الإمامة الذي كان متغلغلا في مؤسسات الدولة وكان يظهر بوضوح في الهجمات الشرسة إعلاميا وفي المساجد والمدارس والجامعات منذ انطلاقة الاصلاح الاولى، فكان الإصلاح في مقدمة الصفوف المدافعة عن اليمن ونظامها الجمهوري منذ الانطلاقة في عام ١٩٩٠م مرورا بمحاولات السيطرة الحوثية على محافظتي الجوف وحجة في ٢٠١١ وما بعده وحتى الانقلاب المشئوم في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وما زال في صدارة المواجهة للفكرة الامامية الخبيثة في مختلف المجالات.
*نشر أولاً في موقع “الإصلاح نت”