تغير المناخ: ساحة معركة جديدة في حرب اليمن المستمرة
المصدر: المركز العربي واشنطن العاصمة/ أفراح ناصر
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور“
مثل بقية العالم، يواجه اليمن التأثيرات العميقة لتغير المناخ على القطاعات من الزراعة والصحة إلى الاقتصاد الأوسع والموارد الطبيعية. كما يواجه اليمن تحديات متكررة من الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك هطول الأمطار الغزيرة وارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يتسبب في احتفاظ الغلاف الجوي بمزيد من الرطوبة وتكثيف تأثير الأمطار والفيضانات. منذ أبريل/نيسان من هذا العام، أودت الفيضانات المدمرة في البلاد التي مزقتها الحرب بحياة العشرات وشردت الآلاف من الأسر. كما دمرت الفيضانات البنية التحتية الحيوية، وجرفت المنازل، ونقلت الألغام الأرضية التي زرعها المقاتلون في ساحة المعركة، وتسببت في حالة طوارئ إنسانية واسعة النطاق.
بعد عقد من الحرب وعدم الاستقرار، يقف اليمن عند مفترق طرق حرج حيث يلتقي تغير المناخ والصراع المسلح. وتواجه بيئة البلاد، التي أصبحت هشة بالفعل بسبب عقود من سوء الإدارة، ضغوطًا إضافية بسبب تغير المناخ. ويخلق هذا الوضع حلقة مفرغة حيث تؤدي التحديات البيئية إلى تفاقم الصراع والحرب وتؤدي إلى تآكل قدرة اليمن على الاستجابة والتكيف مع تغير المناخ.
إن الأزمات المتداخلة تجعل بناء السلام أكثر صعوبة وتزيد من المظالم الاجتماعية. وبدون استراتيجيات متكاملة تجمع بين التكيف مع المناخ وبناء السلام، فإن اليمن تخاطر بأن تصبح مصدرًا مستمرًا لعدم الاستقرار والنزوح. إن معالجة هذه الأزمات المترابطة أمر ضروري لكسر حلقة التفاعل بين المناخ والصراع وضمان مستقبل أكثر استقرارًا للشعب اليمني.
السياق البيئي التاريخي
وأفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2023 أن درجات الحرارة في جميع أنحاء اليمن كانت ترتفع منذ ستة عقود على الأقل ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع حتى عام 2050. وأشار التقرير أيضًا إلى أن تقلبات هطول الأمطار آخذة في الازدياد، مع انخفاض متواضع في أمطار الربيع، مما يؤثر على غلة المحاصيل ويغير الفصول بطرق تعطل ممارسات الزراعة التقليدية.
تحتل اليمن المرتبة السابعة بين أكثر الدول ندرة في المياه على مستوى العالم، وهو الوضع الذي يؤثر على الإنتاج الزراعي وسبل العيش. وفي هذه المنطقة القاحلة، ينخفض منسوب المياه الجوفية ــ وهي مورد حيوي ــ بمقدار 2 إلى 6 أمتار سنويا في أحواض حرجة، وهو استنزاف صامت ولكنه مستمر. ولا يقتصر الأمر على المرتفعات. فعلى طول السواحل، تتسلل المياه المالحة إلى مصادر المياه العذبة، مما يحول الآبار التي كانت عذبة ذات يوم إلى آبار مالحة وغير صالحة للاستخدام. وبالتوازي مع ذلك، تتحدث تربة اليمن عن معاركها الخاصة. فالأراضي الخصبة التي كانت مزدهرة بالمحاصيل ذات يوم أصبحت الآن مشوبة بالتعرية، مما يؤدي إلى إزالة الغابات والتصحر. وقد أدت الأحداث المناخية المتطرفة ــ سواء العواصف الشديدة أو الجفاف المطول ــ إلى تسريع عملية التعرية، مما أدى إلى تجريد التربة من قدرتها على الحفاظ على المحاصيل. وإضافة إلى الخسائر البيئية، تختفي غابات اليمن بمعدل ينذر بالخطر. مع قطع أكثر من 5 ملايين شجرة منذ عام 2018، أدى الصراع المستمر إلى قطع كميات كبيرة من الأشجار للحصول على الحطب وسط نقص الوقود.
تغير المناخ كعامل مضاعف للصراع
الواقع القاسي لتغير المناخ هو أكثر من مجرد تحدٍ بيئي، إنه قوة هائلة تعمل على تعميق الصراعات في اليمن. فعلى مدى عقود من الزمان، أشعل ندرة المياه صراعات قبلية كانت في السابق تبدأ بسبب محدودية الموارد الثمينة. وقد أدت أعمال العنف المرتبطة بالنزاعات على الأراضي والمياه إلى مقتل الآلاف سنوياً، وهو ما يذكرنا بالتكلفة البشرية المترتبة على ندرة الموارد. وقد أدى تغير المناخ إلى زيادة المخاطر إلى مستويات أعلى.
لقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الكوارث المناخية المدمرة التي زادت من حدة التحديات التي تواجه اليمن، ورسمت صورة حية للقوة التدميرية لتغير المناخ وآثاره البعيدة المدى. كان إعصار تشابالا في عام 2015 بمثابة بداية هذه الاضطرابات المكثفة. وبينما كان يزأر عبر بحر العرب، أطلق الإعصار سيلًا غير مسبوق من الأمطار – 610 ملم في غضون 48 ساعة فقط. وكان غضب العاصفة أكثر حدة في جزيرة سقطرى اليمنية وفي المحافظات الرئيسية شبوة وحضرموت. حول الطوفان المناظر الطبيعية الجافة والقاحلة ذات يوم إلى بحر من الدمار. اجتاحت العاصفة المنازل، ودمرت البنية التحتية الحيوية، وجرفت الموارد الأساسية. بالنسبة لنحو 1.1 مليون شخص، لم يكن الإعصار مجرد كارثة طبيعية فحسب، بل كان بمثابة اضطراب عميق في حياتهم، مما أدى إلى تفاقم معاناة النازحين بالفعل بسبب الصراع.
ثم جاء إعصار مكونو في عام 2018، والذي على الرغم من تأثيره بشكل أساسي على عُمان، إلا أنه ألقى بظلاله الطويلة على اليمن. لقد اخترقت الأمطار الغزيرة الناجمة عن العاصفة الدفاعات الساحلية الطبيعية لسقطرى، مما أدى إلى إغراق الجزيرة وإجبار أكثر من 500 أسرة على النزوح من منازلها. لقد كشف تأثير الإعصار على اليمن عن الحالة الهشة للبنية التحتية في البلاد وزاد من تفاقم الوضع الإنساني المزري. لم تتسبب الفيضانات في تشريد الأسر فحسب، بل أدت أيضًا إلى تفاقم ندرة الموارد.
واستمرت ملحمة الدمار مع إعصار تيج في عام 2023، والذي جلب عواقب وخيمة على محافظات سقطرى وحضرموت والمهرة. وكان تأثير الإعصار مدمرًا، حيث أثر على أكثر من 10 آلاف أسرة. وتسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات في أضرار واسعة النطاق في المنازل والبنية التحتية وسبل العيش الحيوية. وتعطلت الزراعة ومصائد الأسماك، التي تشكل أهمية حيوية للاقتصاد، بشدة، مما زاد من إجهاد الموارد الهشة وتضخيم التحديات التي يواجهها السكان المحليون. وبينما تتنقل المجتمعات المحلية في هذا الواقع القاسي، فإن ثقل كل كارثة وتحدي بيئي يعمق الأزمة، مما يدفع قدرة اليمن على الصمود إلى حدودها القصوى.
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية
إن الأزمات المزدوجة المتمثلة في تغير المناخ والصراع تمزق النسيج الاجتماعي والاقتصادي للأمة اليمنية، وتهدد حياة عدد لا يحصى من الناس. وترسم ندرة المياه في البلاد صورة قاتمة بشكل خاص لهذه الكارثة التي تتكشف. وبينما تستعد اليمن لانخفاض نصيب الفرد من المياه بحلول عام 2030 إلى 55 مترًا مكعبًا فقط – وهو ما يمثل بالكاد 10 في المائة من المعيار الدولي البالغ 500 متر مكعب لندرة المياه الشديدة – فإن العواقب وخيمة. ويعرض هذا النقص العميق الإنتاجية الزراعية للخطر، وهي شريان حياة بالغ الأهمية للعديد من اليمنيين، ويدفع سكان الريف إلى مراكز حضرية مزدحمة بشكل متزايد، مما يؤدي إلى توسيع هاوية التفاوت الاقتصادي.
إن قطاع تربية النحل في اليمن ــ وهو تقليد يعود تاريخه إلى القرن العاشر قبل الميلاد ــ يقف كرمز للآثار المدمرة لتغير المناخ. وبعد أن كان هذا القطاع مشهوراً في الماضي بعسله عالي الجودة، أصبح يعاني الآن من أنماط الطقس المتغيرة. ويسلط مركز “حلم أخضر” للدراسات البيئية الضوء على خطورة الموقف، مشيراً إلى أن “مربي النحل في اليمن يواجهون تحديات شديدة بسبب تغير المناخ. ويؤدي الطقس المتقلب إلى إتلاف خلايا النحل وتقليل إنتاج العسل. ومن المتوقع أن تنخفض القيمة السنوية لصناعة العسل، والتي تقدر بنحو 500 مليون دولار، بنسبة 30 في المائة، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي لمربي النحل والأمن الغذائي للعديد من الأسر اليمنية”.
كما أدت الحرب إلى زيادة الاعتماد على استخراج المياه غير المستدام والإمدادات الطارئة، في حين يعمل التلوث الناجم عن التنقيب عن النفط (في أماكن مثل حضرموت) وإدارة النفايات غير الفعّالة على تقويض الصحة العامة وتعطيل التوازن البيئي. وإضافة إلى الاضطرابات، تستمر الأحداث المناخية المتطرفة في إحداث دمار في البنية الأساسية والأراضي الزراعية. وتؤدي هذه الكوارث غير المتوقعة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار الاقتصادي.
الإطار القانوني والسياسي
تتكشف تحديات سياسة المناخ في البلاد على خلفية عدم الاستقرار السياسي والحوكمة المجزأة بين صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وعدن التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية. هناك غياب صارخ لمؤسسة وطنية مخصصة لإدارة استراتيجيات المناخ والمالية. ويبرز هذا الفراغ من خلال عدم وجود صندوق وطني للمناخ، مما يخنق تنسيق الإجراءات المناخية ويحد من الوصول إلى التمويل المناخي الدولي الحاسم. إن هيئة حماية البيئة في اليمن، المكلفة بالإشراف على مبادرات تغير المناخ، ضعيفة بشدة بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد ونقص التمويل المزمن وغير ذلك من القيود على الموارد. وتؤدي هياكل الحكم المجزأة في البلاد إلى تفاقم المشكلة. على سبيل المثال، أدى الانقسام بين الهيئة الوطنية للموارد المائية في صنعاء ووزارة المياه والبيئة في عدن إلى جعل تفكك استجابة اليمن المناخية وعدم كفاءتها وعدم فعاليتها.
ويواجه صناع السياسات في اليمن فجوة كبيرة في الاستعداد لتمويل الأنشطة المناخية، وهو ما يعوق تطوير استراتيجيات شاملة ومنخفضة الانبعاثات وقادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ. ويسلط فشل اليمن في التصديق على اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 الضوء على مدى المشكلة. حيث منع عدم الاستقرار السياسي والحكم المجزأ اليمن من الالتزام الكامل بالاتفاقيات الدولية للمناخ، مما أدى إلى عزل البلاد عن المبادرات العالمية التي يمكن أن تساعدها في تمويل العمل المناخي.
توصيات بشأن السياسات الإجرائية
إن الطريق إلى التغلب على الأزمتين المزدوجتين المتمثلتين في تغير المناخ والصراع يتطلب نهجاً مركّزاً ومتكاملاً. وينبغي أن يبدأ هذا بالإصلاحات المؤسسية الضرورية للغاية لإنشاء إطار ينسج بسلاسة بين التكيف مع المناخ واستراتيجيات بناء السلام والتنمية الأوسع نطاقاً. ويكمن جوهر هذا النهج في مواءمة الحوكمة البيئية مع جهود حل الصراعات، وضمان أن تصبح المرونة المناخية جزءاً لا يتجزأ من عملية السلام. ولا يقتصر هذا التآزر على تعزيز التنمية المستدامة فحسب ــ بل يتعلق أيضاً بتحقيق الاستقرار في البلاد من خلال معالجة العوامل البيئية التي تغذي الصراع.
إن الحاجة إلى تعزيز القدرات المؤسسية ملحة أيضاً. وتحتاج هيئة حماية البيئة في اليمن إلى تدفق مستمر من التمويل ودعم بناء القدرات. وهذا من شأنه أن يمكن اليمن من تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين آليات الاستجابة للكوارث، ومعالجة القضايا البيئية بشكل مباشر، حتى في خضم الصراع الدائر.
ويشكل التكيف المجتمعي عنصرا حاسما آخر من عناصر الاستراتيجية. يمكن للاستثمار في مشاريع بناء القدرة على الصمود المحلية مثل الزراعة المستدامة، وإدارة المياه بكفاءة، والطاقة المتجددة أن يخفف بشكل كبير من تأثير تغير المناخ. هذه الاستثمارات ضرورية لخلق القدرة على الصمود على المدى الطويل ضد الظواهر الجوية المتطرفة وندرة الموارد التي تفاقمت بسبب الصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين جمع البيانات والبحث حول تأثير المناخ من شأنه أن يوفر صورة أكثر وضوحًا لكيفية تأثير تغير المناخ على مختلف القطاعات والمناطق داخل اليمن. هذه المعرفة حيوية لصياغة استراتيجيات التكيف الفعالة.
ولكن الجهود الداخلية لا تكفي: بل لابد أن يلعب التعاون الدولي دوراً محورياً. وينبغي أن تكون أولوية اليمن التصديق على اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، وهي معاهدة دولية توفر الوصول إلى الدعم والموارد العالمية الحيوية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره. والانضمام إلى هذا الاتفاق العالمي لن يثبت التزام اليمن بمعالجة تغير المناخ فحسب، بل سيعزز أيضاً موقفها في المفاوضات الدولية وجهود المساعدة. ويتعين على اليمن أن تتخذ خطوات حاسمة لتصبح مؤهلة للحصول على تمويل من صندوق المناخ الأخضر. ويتوقف تأمين تمويل صندوق المناخ الأخضر على استيفاء اليمن لمعايير محددة، بما في ذلك إظهار استراتيجية مناخية وطنية قوية وقدرة مؤسسية. وفقط من خلال استيفاء هذه المتطلبات يمكن لليمن الوصول إلى التمويل الدولي للمناخ وتنفيذ التوصيات اللازمة لإحراز تقدم كبير.
وبالتالي، فإن الطريق إلى الأمام في اليمن يتوقف على حل صراعاته، واستقرار البلاد، والتغلب على تحديات الحكم، والتوافق مع معايير المناخ الدولية لإطلاق العنان للموارد الأساسية لجهود التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. وبينما تكافح البلاد مع وطأة أزمتها المزدوجة، فإن كل خيار وكل استراتيجية وكل قرار في هذه الفترة الحرجة سيحدد ما إذا كان اليمن قادرًا على إيجاد مسار للاستقرار والأمل – أو الانزلاق إلى اليأس بشكل أعمق.
*أفراح ناصر:
باحثة غير مقيمة في المركز العربي في واشنطن العاصمة. وهي أيضا صحفية مستقلة ومدافعة عن حقوق الإنسان عملت سابقا كباحثة في هيومن رايتس ووتش، حيث حققت في انتهاكات وتجاوزات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في اليمن.