هدى رؤوف.. إيران ودعم الدور الحوثي في البحر الأحمر
منذ أكثر من شهر ونصف الشهر قصفت الطائرات الإسرائيلية ميدان الحديدة في اليمن، وقد أعلنت إسرائيل أن الغرض من العملية هو الرد على هجوم الطائرات من دون طيار الحوثية على تل أبيب وتعطيل عملية إرسال الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.
كان هجوم إسرائيل على الحديدة الهجوم الأوسع الذي نفذته إسرائيل خارج حدودها، ولعل تل أبيب كانت تنوي بهذا الهجوم بعث رسالة إلى طهران وإظهار قوة قدراتها الجوية. إلا أنه من غير المرجح أن يكون لهذا الإجراء تأثير في إستراتيجية إيران.
فمن ناحية قد يكون لتصعيد الصراع حول إسرائيل مزايا إستراتيجية لإيران، لكن المخاطرة بالنسبة إلى الأخيرة عندما يهدد هذا التصعيد الجهود الأميركية لإرساء الاستقرار في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها، ونتيجة لذلك قد يتسبب في مواجهة بين طهران وواشنطن.
مر أكثر من تسعة أشهر منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة، وأطلق الحوثيون ما يقارب 200 طائرة من دون طيار وصاروخ على إسرائيل، تم اعتراض معظمها، ومع ذلك لم يتم تحويل انتباه الجيش الإسرائيلي عن غزة أو الاشتباكات مع “حزب الله” على طول الحدود اللبنانية، وفي الـ19 من يوليو (تموز) الماضي، تجاوزت طائرة من دون طيار أطلقها الحوثيون اليمنيون الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتحطمت قرب السفارة الأميركية.
تباهى الحوثيون بالطائرة من دون طيار المستخدمة في الهجوم بأنها كانت من نوع جديد تمكن من الهرب من حاجز الدفاع الإسرائيلي، وتعد الطائرة من دون طيار من صنع إيران وتم تعديلها لزيادة مداها.
لقد وقع الهجوم الحوثي في وقت غير موات لإسرائيل. إذ يتعرض بنيامين نتنياهو لضغوط محلية ودولية متزايدة للموافقة على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وفي الوقت نفسه، عززت الاشتباكات المستمرة بين إسرائيل و”حزب الله” شبح فتح جبهة ثانية في شمال إسرائيل، وفي مثل هذا الوضع، كان على تل أبيب ألا تسمح لوكلاء إيران بالهجوم من جبهة تصعيد ثالثة دون رد. لذا ضربت طائرات مقاتلة إسرائيلية من طراز “إف-15″ و”إف-35” منشآت تكرير النفط وأصول القوات الجوية وأهدافاً أخرى في ميناء الحديدة اليمني على البحر الأحمر وما حوله.
وكانت الرسالة التي أرادت إسرائيل بعثها هي أنها لا تزال قادرة على القتال على عدة جبهات ويمكنها حتى مهاجمة الأراضي الإيرانية. والأهم من ذلك، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، أن الغارات الجوية على الحديدة تم تنفيذها دون مشاركة الولايات المتحدة.
وفى حين تستهدف الولايات المتحدة الحوثيين منذ تشكيل تحالف متعدد الجنسيات في ديسمبر (كانون الأول) 2023 لحماية الشحن البحري في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين. وعلى رغم تحالف الحوثيين مع إيران، فإن الهدف الرئيس للدور الجديد للحوثيين هو توسيع مناطق نفوذهم في اليمن شرقاً وجنوباً، وبخاصة إلى ميناء عدن، أي يستخدم الحوثيون أسلوب “حزب الله” للتغلب على معارضة منافسيهم في الداخل.
ويأمل الحوثيون، مثل “حزب الله” اللبناني، أنه من خلال مزاعم تخلق صدقية لأنفسهم في المقاومة ضد إسرائيل والتضامن مع الفلسطينيين، يمكنهم جذب مزيد من اليمنيين إلى جانبهم وزيادة قوتهم.
من بين وكلاء إيران في المنطقة، يتمتع الحوثيون بميزة لإيران بسبب وجودهم عند نقطة التقاء البحر الأحمر وبحر العرب. هذا الموقع يمكنهم من السيطرة على نقل التجارة الدولية عبر مناطق تتعامل مع 15 في المئة من التجارة العالمية، لذا قد تستهدف طهران في الأمد الطويل أن يكون اليمن بمثابة قاعدة لها، التي تسعى إلى تطوير قوتها البحرية. وفي الأمد القريب، سيساعد استمرار الصراع بين إسرائيل والحوثيين في زعزعة الدول الواقعة على البحر الأحمر.
أنشأت إيران شبكة من قوى المقاومة التي يمكنها مهاجمة إسرائيل من اتجاهات مختلفة لذا فإن إستراتيجية الأولى هي إضعاف قوة الأخيرة في أجنحتها الشمالية والجنوبية، وتأمل طهران أن يؤدي هذا إلى جعل المنطقة أكثر مرونة في مواجهة النفوذ الإيراني.
وفى حين أن أدوات واشنطن للتعامل مع إيران عدة ولكن منذ سقوط العراق عام 2003 ومن قبله طالبان بأفغانستان عام 2001 فإن سياسة واشنطن بالمنطقة كانت تنتهى لمصلحة إيران. لذا، فإن التحدي الذي يواجه الإدارة الأميركية المقبلة هو إما التوصل إلى تسوية وتفاهم مع إيران أو إيجاد طريقة لمواجهة إيران ودفعها خطوات للخلف في المنطقة، ويبدو أن واشنطن تفضل المسار الأول باعتباره أولوية.
إن دعم إيران لشبكة وكلائها سواء “حماس” أو الحوثيون أو العراق أو “حزب الله” الهدف منه تعزيز نفوذ إيران بالمنطقة وجعل أي سلام أو تسوية سياسية في الشرق الأوسط غير ممكن من دون وجود طهران ومشاركتها.
*نشر أولاً في “اندبندنت عربية”
*أستاذة مساعدة في العلوم السياسية وكاتبة متخصصة في الشأن الإيراني والإقليمي، لها دراسات عدة وتكتب في صحف عربية ومصرية