تكثر الكتابات والتوقعات بأن إسرائيل تقترب من الانهيار بفعل عدوانها الظالم على الفلسطينيين وما أدي إلىه من تداعيات خطيرة على المجتمع الإسرائيلي خصوصا الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية داخل هذا المجتمع. ظني الشخصي أنه من الخطورة بمكان أن يركن الفلسطينيون والعرب إلى هذه التوقعات فقط، ويتعاملوا معها باعتبارها حاصلة لا محالة، وينسوا أن الانقسامات العربية أخطر بكثير منذ سنوات طويلة وأغلب الظن أنها للأسف مستمرة بدون أي بارقة أمل كبيرة لإنهائها. الذي أثار هذا الموضوع مجددا سيل من الكتابات في إسرائيل لأحزاب وقوي وشخصيات معارضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة.
وآخر من كتب بوضوح في هذا الموضوع كان الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك في مقال نشرته صحيفة هاآرتس يوم ٢٠ أغسطس/آب الماضي، وقال فيه إن إسرائيل سوف تنهار خلال عام واحد إذا استمرت حرب الاستنزاف ضد حركة حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان. بريك يقول إن وزير الدفاع يوآف جالانت بدأ يدرك هذه الحقيقة، وإننا نغرق في مستنقع غزة ونفقد جنودنا هناك دون أي فرصة لتحقيق هدف الحرب الرئيسي وهو إسقاط حماس. ويضيف بريك أن جميع مسارات المستوي السياسي والعسكري تقود إسرائيل إلى الهاوية، وأن استبدال نتنياهو وشركائه المتطرفين سينقذ إسرائيل من دوامة وجودية قد تصل قريبا إلى نقطة اللاعودة.
شخصيا لست خبيرا في الداخل الإسرائيلي، بل مجرد متابع للتطورات عبر المقالات المترجمة من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية. وبالطبع أتمنى أن تتحقق نبوءة ومخاوف الجنرال بريك وكل من يشاركونه هذه المخاوف، لكن نحن العرب جربنا كثيرا التفكير بالتمني ورغم أنه فشل في كل المرات، لكن معظمنا مايزال يتخذ هذا النوع من التفكير منهجا. من المهم بطبيعة الحال أن ننشغل كثيرا كعرب وفلسطينيين بإسرائيل وكل ما يتعلق بها، باعتبارها الكيان الذي تم زرعه في المنطقة عنوة لضمان تقسيمها الدائم وعدم توحد المنطقة أو تقدمها. ولدينا مراكز أبحاث مصرية وعربية مهمتها دراسة ما يحدث في إسرائيل حتى نعرف كيف نواجهها بصورة عملية. لكن من الخطأ البالغ التعامل مع مشكلات الداخل الإسرائيلي باعتبارها سوف تنفجر غدا وتختفي إسرائيل من الوجود تماما، وتقوم الدولة الفلسطينية فورا. نعم هناك انقسامات عميقة في إسرائيل قبل وبعد عملية «طوفان الأقصي» في ٧ أكتوبر الماضي، ونتذكر المظاهرات العارمة والرفض الكاسح من غالبية المجتمع الإسرائيلي لقانون التعديلات القضائية.
وهناك انقسامات بين المتدينين والعلمانيين، وبين غالبية ترفض قيام دولة فلسطينية وأقلية قليلة تقبل ذلك. كل ما سبق صحيح، لكن المؤكد أيضا أن الخلافات في غالبية البلدان العربية أكثر عمقا وخطرا. أصحاب التفكير بالتمني الذين ينتظرون انهيار إسرائيل غدا، لا يريدون أن ينظروا في المرآة، ويقروا ويعترفوا بأن هناك انقساما فلسطينيا فلسطينيا منذ عام ٢٠٠٧ وحتى الآن. وهناك حرب أهلية في سوريا، وحرب أهلية في السودان وأخري في الصومال، ورابعة في إلىمن وخامسة في ليبيا، وانقسامات عميقة بشأن الهوية في بلدان كثيرة ومنها لبنان والعراق، وصراع حدودي منذ عقود بين الجزائر والمغرب، وأزمات اقتصادية في معظم الدول العربية ومنها تونس ومصر والأردن. بعض هذه الحروب العربية سببها أن بعض هذه المجتمعات لم تحسم حتى الآن مسألة الهوية. ومايزال كثيرون في مجتمعاتنا يعيشون في عصور الجاهلية، وبعضهم توقف تفكيره عند القرن الأول الهجري، وبعضهم ما يزال يجادل هل يحق تهنئة المسيحي العربي بعيده أم لا، وكيف يدخل دورة المياه، كل هذه الخزعبلات ماتزال مستمرة رغم أن إسرائيل تحقق وهي كيان عنصري استيطاني إحلإلى نجاحات في مجالات كثيرة. وتحظي بدعم وحماية أمريكية بريطانية مفتوحة طوال الوقت لأن زرعها كان بهدف وظيفي لاستمرار انقسام العرب وسيطرة الغرب .
الشرط الأساسي للانتصار العربي أن نأخذ بالأسباب المنطقية للانتصار. أن نتعلم أولا وأن نفكر بصورة علمية منطقية ثانيا، وأن نتقدم وأن يكون لدينا تنمية فعلا وأن تكون هناك سيادة قانون، وأن ندرس كيف تقدمت الأمم الأخري. وإلى أن نصل إلى بداية هذا الطريق، فلن تنهار إسرائيل، بل للأسف فأغلب الظن أنها سوف تتجبر وتبلطج، في حين سيظل معظمنا يتمني ويحلم بانهيارها دون أن يحدث ذلك على أرض الواقع. صعود وانهيار الأمم والشعوب والحضارات له أسباب موضوعية وليست رغائبية.
*نشر أولاً في صحيفة “الشروق المصرية”