الإسلام المفيد هو الذي يجري نسجه بأيدي إسلامية ناعمة جداً تُحسن مصافحة الحكام غير الديمقراطيين وتعقد معهم شراكة من أجل تطويع وعي الناس، وهي مهمة تُكمِّل تلك التي يقوم بها الحكام المتسلطون عبر كسر الإرادة وهزيمة النفس لدى شعوبهم، حتى لا تبقى إرادة غير إرادة الحاكم. الإسلام المفيد هو الذي يجري نسجه بأيدي إسلامية ناعمة جداً تُحسن مصافحة الحكام غير الديمقراطيين وتعقد معهم شراكة من أجل تطويع وعي الناس، وهي مهمة تُكمِّل تلك التي يقوم بها الحكام المتسلطون عبر كسر الإرادة وهزيمة النفس لدى شعوبهم، حتى لا تبقى إرادة غير إرادة الحاكم.
هذه الأيدي الناعمة هي التي يمثلها رموز التيار الصوفي، وسنرى أيضاً أن الصفقة تشمل أيضاً الفرق الشيعية، التي تلتقي مع الصوفية، في مهمة واحدة وهي إعادة رسم ملامح “الإسلام المفيد” جداً للمصالح الغربية ولاستقرار الأنظمة.
الإسلام المفيد يشبه الى حد كبير “سورية المفيدة” التي استقر عليها رأي بشار الأسد، سورية التي هدم منازلها وهجر أهلها وأحكم سيطرته على سكانها، فيما تبقى سورية غير المفيدة، بيد “داعش” والأكراد والفصائل المسلحة التي تقاتل نظامه ولم يستطع هزيمتها حتى الآن.
في ماضٍ ليس بالبعيد، عقدت الأنظمة الشمولية في منطقتنا، شراكةً مشابهة مع جماعة الإخوان المسلمين ومع السلفيين، وكان الهدف وقف التمدد الشيوعي الذي أخذ في بلداننا شكل المقاومةً الفكرية عبر المنابر والصحف ووسائل الإعلام، وفي أفغانستان أخذ شكل المواجهة العسكرية الشاملة التي رعتها ومولتها ودعمتها أمريكا والدول الحليفة في المنطقة.
لكن الذين قاتلوا الاتحاد السوفييتي والشيوعية في أفغانستان، غلبت عليهم الطبيعة الخشنة، فتصوروا أنهم بالفعل يسيرون في طريق استعادة الخلافة، بكل ما يعنيه ذلك من إعادة ضبط الأداء السلطوي ليتفق مع عهد صدر الإسلام.
لم تستطع أمريكا ولا الأنظمة في المنطقة أن تحتوي الحالة الجهادية التي تولدت في جبال أفغانستان القاسية، ولم تستطع أن تمحي من وعي من سيعرفون فيما بعد بـ”الأفغان العرب”، نموذج الخلافة الذي أرادوا تطبيقه في دولهم العربية، الأمر الذي تولدت عنه تهديدات حقيقية للخارطة السياسية التي صاغتها اتفاقية سايكس بيكو، إلى جانب أن الجهاديين لم يعودوا محصورين بالمنطقة العربية بل أصبح لهم امتدادات مهمة في أوروبا نفسها.
لكن هذا لا يعني أن الغرب ودولاً أخرى في المنطقة، استنفدت أهدافها من الحالة الجهادية ومن توظيفها، وإلا لما رأينا “القاعدة” و”داعش” يتحولون إلى قوة تأثير هائلة في المنطقة، ولما رأينا هذا التمدد غير المعقول لتنظيم الدولة “داعش” الذي كاد أن يلغي دولتين عربيتين هما سورية والعراق، ولما رأينا الصراع مع هذا التنظيم يتحول فجأة إلى معركة عالمية على أرض سورية تقتل كل من يتنفس في هذا البلد عدا العلويين و”داعش”.
ولما رأينا أيضاً هذه المحاولات المكشوفة من جانب واشنطن، لخنق تركيا عبر دعم إقامة كيان كردي في جنوبها، وهو أمر كان إلى الماضي القريب من المستحيلات بسبب العلاقات الاستراتيجية القائمة بين واشنطن وانقرة.
مؤتمر غروزني الأخير، كشف بوضوح كيف تتسارع الخطى باتجاه ترتيب المنطقة عسكرياً وعقائدياً أيضاً، وهي مهمة تشرف عليها أمريكا وروسيا وبعض الدول في المنطقة ومنها الإمارات التي تمول “مؤسسة طيبة” التي يرأسها علي الجفري، ويتكون مجلس إدارتها من شخصيات مثيرة للجدل مثل علي جمعة الذي حرَّض علناً على قتل متظاهرين فقط لأنهم من الإخوان، واعتبرهم مجرد “ناس نتنة”.
هذا المؤتمر خرج بخارطة طريق جديدة تعيد تحديد الهوية العقائدية لأهل السنة والجماعة، فكان أن قام بإخراج السلفيين من العقيدة السنية، في توجه يدعو إلى الضحك والاشمئزاز معاً.
وحينما تستعرض الفروق العقائدية بين السلفيين والأشاعرة، سنجد أنه لا أهمية لها مطلقاً ولا صلة لهذه الفروق بما يحفظ النفس البشرية ويحقق سعادتها ويدفع باتجاه نهضة الأمة، ويعزز ارتباطها بالله سبحانه وتعالى.
فكلها فروقٌ انتجتها الطفرة المعرفية التي شهدتها الدولة الإسلامية في العهد العباسي الأول، وجعلتهم يتصلون بأفكار الشرق والغرب، ويتأثرون بها، ويعيدون تأسيس فهمهم للحياة والكون والناس من وحي الفلسفة اليونانية والشرقية.
يتصدر الصوفيون في هذه المرحلة المشهد الدموي التحريضي، ويوفرون غطاء لكل الممارسات السلطوية والحروب التي تخوضها الأنظمة ضد شعوبها، وتعيد تكييفها باعتبارها مواجهة بين أنظمة صالحة، وجماعات إرهابية.
وما من تفسير للعلاقة الحميمية التي تجمع علي الجفري برأس النظام السوري القاتل بشار الأسد، الذي يحل ضيفاً سنوياً على قصره في الشام، وبغيره من الزعماء الذين تلطخت أيديهم بالدماء، سوى أنه قبل على نفسه أن يكون أداة طيعة بيد الحكام الذين يجتهدون حالياً في إعادة صياغة “الإسلام المفيد”.