عند الحديث عن العلاقة بين السلطة والمعارضة، من الضروري التذكير بأنه بعد إعلان الوحدة اليمنية في عام 1990م، تم تأسيس نظام سياسي تعددي يتكون من السلطة والمعارضة، ومع اندماج “المؤتمر الشعبي” و”الحزب الاشتراكي” في حكومة واحدة، اختفى ركن المعارضة، باستثناء معارضة محدودة ابداها “الإصلاح” بشأن بعض مواد دستور دولة الوحدة ؛ وبعد انتخابات 1993م واندماج “المؤتمر” و”الحزب الاشتراكي” و”الإصلاح” في حكومة واحدة، تلاشى ركن المعارضة كلياً، باستثناء بعض الأصوات والاقلام مثل صوت وقلم المرحوم عمر الجاوي؛ وبعد حرب صيف 1994م، خرج الحزب الاشتراكي من السلطة، وعادت المعارضة ولكن بشكل ضعيف من خلال بعض الأحزاب التي شكلت مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة، بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني الذي خرج من الحرب منهكاً، وهو ما يعني بان المعارضة كانت في حينها ضمن قوام استراتيجي ضعيف لا يؤهلها إلى إحداث قدر من التوازن مع سلطة الحكم، وبعد انتخابات 1997م، انسحب “الإصلاح” من الحكم وشارك في تأسيس “اللقاء المشترك”، مما أعاد للمعارضة قوتها وظهورها كركن رئيسي في النظام السياسي التعددي.
في الذكرى الأولى لتأسيس “اللقاء المشترك”، طلب مني الأستاذ محمد قحطان كتابة تقييم شامل لأداء الأحزاب في التكتل، ورغم عدم معرفتي بالأساس الاستراتيجي لتأسيس “اللقاء المشترك” الا انني وافقت على كتابه التقييم بعد أن أكد لي “قحطان” أن الهدف الرئيسي من قيام المشترك هو تعزيز ركن المعارضة لمواجهة سلطة الحكم ومن ثم اعاده التوازن للنظام السياسي التعددي بركنيه “سلطه +معارضه” .
في تقييمي للتجربة، ذكرت بأن “اللقاء المشترك” نجح في تثبيت ركن المعارضة في الواقع السياسي، وهو إنجاز مهم باعتباره أول محاولة حقيقية لاستظهار هذا الركن بكل شروطه الفنية والموضوعية، وأكدت في التقييم العام للتجربة أن هذا النجاح يمثل خطوة كبيرة في تعزيز التوازن السياسي، خاصة في ظل الضغوط التي كانت تُمارس ضد المعارضة في حينها.
الآن، تواجه السلطة الشرعية باعتبارها الركن الأول للنظام السياسي التعددي تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها المعارضة في الماضي، وهو ما يعني بان السلطة تحتاج إلى إعادة إحياء وتنظيم قوامها الاستراتيجي لتتمكن من مواجهة التحديات بشكل فعال، على غرار تجربة أحزاب المشترك في استظهار ركن المعارضة السياسية، ومثل هذا الوضع يحتم على الأحزاب والقوى المكونة لسلطة الشرعية ان تكون اكثر تماسكا والتحاما والتفافا حول مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الأخ الدكتور رشاد العليمي بصرف النظر عن تسديداته او تقصيره او مقارباته، لأنه سيظل في كل الأحوال رئيسنا ورمز شرعيتنا، ولن نفرط فيه لمصلحة اللادولة واللاشرعية، وللحقيقة والانصاف بأن فخامته يبذل جهوداً معتبره في تعزيز سلطة الشرعية وتفعيلها بحسب متاحاته وميزان قواه الذاتي والموضوعي، ولكن هذه الجهود لم تبلغ مداها المطلوب بسبب ضعف القوام الإستراتيجي لسلطة الشرعية الذي لا يزال قواماً مبعثراً بين مكوناتها، وهو الامر الذي يؤدي إلى بعثرة القرار، اذ لا وحدة لشرعية سياديه بدون وحدة قراراها، ولا وحدة للقرار السيادي مالم يتوحد القوام الاستراتيجي الذي يرتكز عليه القرار، ومالم يتوحد القوام الاستراتيجي للشرعية فأنه من الضرورة بمكان ان تتجه ارادات الجميع في السلطة والتحالف إلى إدخال قوام استراتيجي جديد في ميزان قوى السلطة الحاكمة، وذلك من خلال إعادة ترتيب القوام الاستراتيجي لمكونات الشرعية، وكذا توسيع خارطة التجنيد في المؤسستين العسكرية والأمنية، ودعم المقاومات الشعبية في المناطق المحتلة، وتوسيع خارطة الأمن القومي فيها بالقدر الذي يمكنه من تفكيك الحلقات التي لا زالت مغلقة، إضافة إلى حشد منظمات المجتمع المدني واعطاء دور للمؤسسات الأهلية وسلطات الحكم المحلي، وتوسيع شبكات العمل الخيري ودعمها مادياً ولوجستياً ولو أدى الامر إلى انشاء بنك أهلي خيري خاص بالفقراء والمحتاجين.
وفي الختام من المهم الإشارة الى ان أحزاب التكتل الوطني بمقدورها الاسهام في هذا الدور، وبتهيئة الظروف لمثل هذا الاحتشاد السياسي والمدني والخيري الكبير، لاسيما تلك الأحزاب الكبيرة التي لا تزال متماسكة وتحتفظ بقدر كبير من قوامها الاستراتيجي التنظيمي والسياسي والمجتمعي والعلائقي.