دار أمناء لإيواء مرضى الفشل الكلوي”.. شحة دعم وكفاح من أجل الاستمرار والتطور
يمن مونيتور/ تعز/ من هبة التبعي
قضينا ليال كثيرة تحت الأشجار وفي الأزقة، نفترشُ الكراتين، ننتظر المساء بفارغ الصبر لعل إحدى غرف الطوارئ تصبح شاغرة، فننام فيها نحنُ النساء بينما الرجال يبيتون في الخارج”، تقول زين صالح، واحدة من 15 مريضة مقيمة في دار أمناء لإيواء الفشل الكلوي في مدينة تعز.
ويقول عبد الرحمن حمود لموقع ” موقع يمن مونيتور”: “أصبت بفشل كلوي في 2014م وبدأت رحلة الغسيل حينها في مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة العام وكنا نبيت في العراء بفناء المستشفى ننتظر دورنا في الغسيل”.
وتضيف زين التي تبلغ 55 عامًا، وتخضع لغسيل الكلوي منذُ عشرة أعوام، أن مستشفى الثورة كانت في عام 2014 تخلو من كل شيء عداهم ودكاترة الفشل الكلوي والرصاص والقذائف المتساقطة عشوائيًا عليهم.
ويُعد دار أمناء لإيواء مرضى الفشل الكلوي أول مركز أهلي لسكن مرضى الفشل الكلوي القادمون من الأرياف والذين لا مادة لديهم لسكن داخل المدينة ولا مقدرة لهم لقطع المسافة البعيدة بين أريافهم والمدينة مرتين أسبوعيًا، أي في كل جِلسة غسيل.”
جاء دار أمناء بمثابة تسخير رباني أوانا من التشرد ومن الرَّصاص والقذائف المتطايرة والتي أصابت أكثر من مرة المرضى المرتصين في حوش المستشفى، لم يأوينا فقط بل يقدم لنا المأكل والمشرب والاحتياجات الأساسية ومبالغ مالية بين الحين الآخر”، تروي زين.
ويضيف عبد الرحمن مبتسمًا، والبالغ من العمر 32 عام :” كان يومًا عظيمًا يوم دخلت دار أمناء لإيواء مرضى الفشل الكلوي يوم افتتاحه، الآن الحمد لله كل واحد منا في سرير مستقل ونأكل ونشرب ونشاهد التلفاز وندخل ونخرج وكل شي متوفر والمشرف يعاملنا معاملة الابن لأبيه وفيما بيننا نعيش في إخاء وتراحم كأننا إخوة”.
نَبْذَة تعريفية
تأسس “دار أمناء لإيواء مرضى الفشل الكلوي” في 28/ فبراير/ 2018، جاء التأسيس بعد زيارات عدة من الدكتور عبد الحميد اليوسفي، رئيس مؤسسة “معكم” إلى المستشفى ورى المرضى مشردين على الأزقة وتحت الأشجار ووعدهم بتسويق مشروع سكن لإيوائهم لرجال الخير، وبعد عدة أشهر تم تجهيز السكن لاستيعاب 30 مريض من الرجال والنساء، حسب ما تقول إحدى المريضات.
ويتكفل الدار بالتغذية حيث يقدم ثلاث وجبات لكل مريض ومريضة يقيم بالدار بالإضافة إلى تعليمات حول التغذية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي، كما تمنح المؤسسة مساعدات نقدية بين الفينة والأخرى، كما ينظم الدار أنشطة ثقافية وتوعية صحية وبرامج دائمة خاصة بالدعم النفسي إلى جانب الترفيه.
“ملاذ لمرضى بلا مأوى”
يقول صهيب العزي، المشرف الداخلي في دار أمناء:” أتت فكرة بناءه بسبب الحصار على مدينة تعز، وكذلك بسبب بُعد المسافات بين المدينة وأرياف محافظة تعز وقطع الطرق الذي ضاعف المسافة واستبدلها بطرق وعرة جدًا لا يقوى على تحملها مرضى الفشل الكلوي، بالإضافة إلى حالتهم النفسية والمادية وعجز المرضى عن العمل وتوفير مصاريفهم العشوائية، الذي لم يتلفت لهم أحد بسبب الانشغال بالصراعات السياسية”.
هذه الأسباب أدت إلى إقامة المرضى في أزقة وأرصفة المستشفى بين الحر والبرد والقصف العشوائي في المدينة ووصول القذائف بشكل شبه يومي إلى حوش المستشفى وتعرض هؤلاء المساكين إلى خطر آخر أكثر رعبًا؛ لذا كان لآبد من هذه المبادرة، حسب صهيب.
“شُح الدعم يهدد الخِدْمَات
يؤكد صهيب أن مؤسسة معكم تبذل جهود جبارة في دعم هذا السكن وهي الجهة التي تدير هذا السكن وهي من تستقبل الدعم من أي جهة أخرى أو فاعل خير.
ويشير في حديثه لموقع” يمن مونيتور” أن هذه المؤسسة تمر بمعوقات مخيفة، كون الدعم ليس متبني بشكل رئيس من قِبل أحد، لذا أحيانًا تمر بصعاب كبيرة تتعلق بمسألة الدعم لهذا السكن واستمرار الخِدْمَات التي يقدمها لهولا المرضى.
” التغذية مشكلة كبيرة نحاول حلها كل يوم، وبسبب شحة دعم هذا الدار وكذا ارتفاع الأسعار أحيانا لا نجد الميزانية لتوفير التغذية، إلا بعد الكثير من الجهد والتعب، فقر الدعم يهدد إغلاق المطبخ، ثلاثون مريضًا يعتمد اعتماد كلي على الدار في الغذاء، والدار ليس له جهة متكفلة لدعم طويل المدى”، يواصل صهيب حديثه وعلامة الأسى واضحة على ملامحه لأجل هؤلاء المرضى.
أزمة توسع الدار
يتطلع عبد الحميد اليوسفي مدير المؤسسة إلى بناء سكن متكامل لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى، خصوصًا أن عدد المرضى يزداد يومًا بعد آخر، ويزيد انتشار الفشل الكلوي في الأرياف مدينة تعز.
ولا يزال إلى الآن يأتي العديد من مرضى المعوزين الفشل الكلوي القادمون من أرياف بعيدة، يريدون السكن في دار أمناء وقابلوهم بالاعتذار نظرًا لفيض الدار بالمرضى.
ويعبر صهيب عن استياء الدار لحالة المرضى الذي يعودون من باب الدار مجرين أذيال خيبة الأمل، ويعاودون للنوم على الأرصفة والأزقة وتحت الأشجار لا يجدون أحيانا وجبة واحدة تسد رمق جوعهم، لكن ليس باليد حيلة، ويأملون لتطوير وتوسيع الدار لاستيعاب أكبر عدد ممكن.
“هذا الدار خفف الكثير عن هؤلاء المرضى وقدم خدمة متميزة، وبيئة صحية، نفسية ومناسبة تحفظ كرامة مرضى الفشل الكلوي، هذا الدار أزاح أعباء ثقيلة كانت تثقل كاهل هؤلاء المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة”، يرى صهيب.
مأوى محدود
حسب يوسف الزكري، مدير مركز الغسيل بهيئة مستشفى الثورة تعز، بلغ عدد المرضى بالفشل الكلوي في مستشفى الثورة 300 مريض، ولا يزال معاناة المرضى تتفاقم يومًا بعد آخر، وخصوصًا مرضى الفترة الرابعة، يضطرون بالمبيت على الأرصفة وغرف الطوارئ.
ويضيف الزكري لموقع” يمن مونيتور”:” أن مركز أمناء خفف من معاناة المرضى وخدماته جيدة وإنسانية، لكن سعته السريرية قليلة ولا تلبي بالاحتياج الكامل، ومازال هناك الكثير مرضى يعانون تحت حر الشمس وقساوة البرد”.
“دار الأمناء لإيواء مرضى الفشل الكلوي”، مشروع خيري نفذته مؤسسة خيرية “معكم” لإيواء 30 مريضًا ومريضة مشردون، يبتون في الأرصفة والشوارع رغم الإمكانيات الضعيفة والدعم الشحيح مازال يقاوم من أجل هؤلاء المرضى، بينما لا يزال هناك الكثير والكثير من القصص المؤلمة المرمية تحت الأشجار في مستشفى الثورة والجمهوري بين حرارة الشمس نهارًا وعلى الأراضي الباردة ليلًا، يفترشون التراب وأحيانا كراتين متهالكة، بالإضافة إلى عناء مرضهم يعانون من التشرد والفقر وقلة الغذاء وعدم المأوى مما يضاعف حالاتهم.