الكيانات المناطقية في اليمن.. هل تكون بديلة عن الأحزاب السياسية؟
يمن مونيتور/ العربي الجديد
قالت صحيفة “العربي الجديد”، إن اليمن يشهد تغييباً شبه كامل للعمل المدني، مقابل بروز الكيانات والجماعات المسلحة، أو في انعكاس لتقسيم غير معلن الذي باتت تتقاسمه الجماعات والمكونات السياسية والعسكرية، إذ تبرز كيانات مناطقية في اليمن كبديل عن الأحزاب السياسية.
وأوضحت الصحيفة في تقرير لها، أنه خلال الفترة الأخيرة برزت أدوار مؤتمر حضرموت الجامع، ومؤتمر شبوة الجامع، من خلال تهديدهما الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي بمنع استئناف تصدير النفط، والمطالبة بحصة من إيرادات النفط للمحافظات النفطية.
وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت تشكيل كيانات سياسية في اليمن على أساس مناطقي على غرار مؤتمر حضرموت الجامع الذي بات ممثلاً لأبناء محافظة حضرموت النفطية شرقي اليمن، وشارك في حكومة المناصفة التي تم تشكيلها، ليتم لاحقاً تشكيل مؤتمر شبوة الجامع، وأخيراً مؤتمر مأرب الجامع.
ونوهت الصحيفة، إلى أن “كيانات مناطقية في اليمن بأهداف مطلبية، ولدت من رحم غياب دور الأحزاب السياسية، في ظلّ موت شبه كامل للعمل الحزبي في اليمن، باستثناء محافظة تعز التي ما زالت الأحزاب السياسية تمارس فيها عملها المحصور بإصدار البيانات السياسية، أو تنظيم المسيرات الجماهيرية بين الحين والآخر، وهو ما يعكس مشكلة حقيقية يعاني منها اليمن الذي بات محكوماً من كيانات عسكرية في الشمال والجنوب على حدّ سواء”.
مؤتمر مأرب الجامع
وفي هذا الشأن، قال عضو لجنة التيسير في مؤتمر مأرب الجامع، مهدي محمد بلغيث، لـ”العربي الجديد”، إن “تشكيل المؤتمر جاء لتوحيد جهود أبناء مأرب للمطالبة بحقوقهم المشروعة في الشراكة بالسلطة والثروة، وكذلك العمل على جبر الضرر الذي لحق بمحافظة مأرب، نتيجة الأحداث الأخيرة منذ عام 2014 حتى اليوم”.
وأضاف بلغيث أن “الحاجة الملحة لعقد مؤتمر مأرب الجامع، جاءت استجابة طبيعية للمتغيرات والأحداث التي مرّت بها المحافظة، ليتوج نضال أبناء مأرب الممتد عبر عقود، بالمطالبة بحقوقهم في شراكة حقيقية بالسلطة والثروة، والمؤتمر يعد خطوة نحو تحقيق العدالة والتنمية في مأرب، وضمان مستقبل أفضل لأبنائها”.
غياب الأحزاب السياسية
بدوره، قال دكتور علم الاجتماع السياسي فؤاد الصلاحي، لـ”العربي الجديد”، إن “الأحزاب في اليمن صارت ضعيفة، بل كسيحة في النشاط السياسي، وسط غياب تعبيرها عن أزمات المجتمع، وحضورها أصبح احتفالياً لا غير”.
وبرأيه، فإن ذلك “يرجع إلى أسباب داخل الأحزاب من سيطرة الحرس القديم (كبار السن) على الهيئات القيادية، وتهميش الشباب، والتزامها بمصالح تلك القيادات وحلفائها من مراكز القوى، وعدم تجديد خطاب الأحزاب، وغياب مشروع سياسي وطني يعملون من أجله والدفاع عنه”.
وأضاف الصلاحي أنه “بين الحين والآخر تصدر عن الأحزاب بشكل منفرد بيانات هزيلة، تريد منها إثبات حضورها في المشهد العام، مع أن لها ممثلين في الحكومة ومجلس الرئاسة”.
ولفت إلى أنه “حتى الصف الثاني من قيادات الأحزاب ليس لهم تميز بخطاب سياسي أو نشاط مجتمعي، بل يدورون في فلك القيادات التقليدية”.
وتابع: “صحيح أن أزمات المجتمع والدولة انعكست في الأحزاب، لكن هذه الأخيرة أزماتها مستمرة لأكثر من ثلاثة عقود متصلة، ومن هنا ووفق تراكم الأزمات الراهنة في المجتمع يعود الناس إلى تنظيماتهم الأهلية ليشكلوا منها تجمعاً للحماية والمساندة، وهذا أمر طبيعي”، في تفسير لولادة كيانات مناطقية في اليمن.
واعتبر أن “الجديد ظهر عندما عملت دول التحالف على إنشاء تجمعات تقليدية ضمن هويات محلية ودعمها لتكون تعبيراً عن المجتمعات المحلية، ومن يمولها من الخارج، وهذه التنظيمات الأهلية لا تدعم وحدة اليمن، ولا الاستقرار، ولا تشكل ركيزة لبناء الدولة، وسيكون لها تأثير سلبي في قادم الأيام”.
أمر واقع في الشمال والجنوب
بدوره، اعتبر دكتور علم الاجتماع عبد الكريم غانم أن “انتقال الوضع في اليمن أواخر عام 2014 من حالة السلم والحراك السياسي إلى حالة الحرب والنزاع المسلح، ترتب عليه بروز جماعات مسلحة في الشمال والجنوب تفرض سيطرتها بحكم الأمر الواقع، وتمارس الشمولية، وفرض الرأي الواحد، وترفض التعددية السياسية والحزبية، الأمر الذي جعل الدور السياسي للأحزاب يكاد يقتصر على المشاركة في تولي المناصب الحكومية العليا، من دون وجود فعلي للأحزاب في معظم المحافظات اليمنية، باستثناء المناطق المحررة في محافظة تعز”.
وقال غانم لـ”العربي الجديد”: “يرتبط بقاء العمل الحزبي في هذه المحافظة إلى حدّ كبير بانحلال البنى التقليدية القبلية والطائفية، ولأن محافظة تعز تكاد تكون الرافعة الأساسية للوحدة والحامل الرئيسي لمشروع الدولة الوطنية، فقد كانت الملاذ الأخير للأحزاب، لا سيما أنها المعقل الرئيسي لها، منذ أن تم الإعلان عن قيام التعددية السياسية والحزبية 1990”.
وأشار غانم إلى أن “الناس سعوا في بعض المحافظات إلى تشكيل تكتلات اجتماعية سياسية، من قبيل مؤتمر حضرموت الجامع، ومؤتمر شبوة الجامع، لملء الفراغ الذي خلّفه غياب الأحزاب السياسية، وحالة عدم اليقين بنهوض المشروع الوطني الجامع، على المدى القريب”.
وأضاف أنه “في ظلّ ضعف الدولة تستغل بعض القوى الاجتماعية عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها التنموية والخدمية، لتتقاسم ما هو متاح من موارد سيادية ومناصب سياسية، عبر تكوين هذه التشكيلات ومنها الكيانات المناطقية في اليمن التي تعد بمثابة أدوات ضغط تستخدمها النخب الاجتماعية لتحسين معايير تقاسم السلطة والثروة، بعدما كادت التعددية الحزبية في هذه المحافظات تختفي”.
وأوضح غانم أن “هذه التشكيلات لن تنجح في لمّ الناس حولها على المدى الطويل، لكنها في الوقت الراهن مقبولة، لأنها لم تتعرض بعد للاختبار، فالناس الذين ساءت أوضاعهم المعيشية ويعانون تدني مستوى الخدمات، ما زالوا يعولون على وجودها في فرض مطالبهم الخدمية على الحكومة، وفي الواقع فإن لقيادات هذه التشكيلات مطامح سياسية قد تدفعها إلى التخلي عن المطالب العامة بمجرد الوصول إلى تلك المطامح”.
كيانات مناطقية
وفي هذا السياق، رأى دكتور العلوم السياسية في جامعة تعز، عبد الرحمن الكمالي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “غياب السلطة مع وجود كيانات مسلحة والسلاح المتفلت أدت جميعها إلى تراجع الأداء الحزبي في اليمن، وساهمت بنشوء صراعات جديدة، وبروز زعامات بديلة، بالإضافة إلى بروز الكيانات المناطقية في اليمن بعد الحرب، بينما ظلّت هذه الأحزاب موجودة في تعز، وهذا يعود إلى الطابع المدني للمحافظة نفسها، وكذا وجود معظم قادة الأحزاب في تعز، بالإضافة إلى أن تعز لا تتمتع ببنية قبلية كبقية المحافظات، كما أن معظم الناس فيها يرون أنها تحمل مشروعاً عاماً لليمن، رغم ما تعانيه من أزمات”.
واعتبر الكمالي أنه “في ما يخص إعلان كيانات مناطقية في اليمن ببعض المحافظات فلا يمكن أن نرده إلى موت الأحزاب، وإنما إلى غياب سلطة الدولة التي تقدم الخدمات للشعب في ظل ظروف ضاغطة على الأسر والأفراد والمجتمع في هذه المحافظات، وكذا الشعور المتنامي لدى المجتمع بما يعانيه من ظلم”.
كما رأى أن أحد أسباب تنامي الظاهرة “انتشار الفساد في هذه المحافظات بشكل رئيسي كونها تحتوي مخزوناً من المعادن المتعددة من دون أن يحصل مواطنوها على عائدات من هذه الثروات، وانتشار السلاح، وشعور المواطنين والنخب في هذه المحافظات أنهم الأجدر في إدارة محافظاتهم والاستفادة من الثروات التي تحويها، وهنا لم تعد تعنيهم السلطة المركزية”.
وأشار الكمالي إلى أن “تفكك السلطة وعدم قدرتها على احتكار وسائل القوة وأهمها السلاح، وسلطة اتخاد القرار وتنفيذه، مثّلت دافعاً لتشكيل كيانات مناطقية في اليمن وتشكيل المؤتمرات في المحافظات لتسد فراغاً تركته السلطة، ممثلة بالتحالف الداخلي وتحالفاتها الخارجية”.
وفي تقديره، فإنه “إذا استطاعت السلطة السياسية في البلاد، من خلال شراكتها مع التحالف العربي والدولي، بناء ذاتها، فإنها سوف تستطيع التعامل مع هذه المكونات أمراً واقعاً، وليس إنهاءها، لأن النظام السياسي أو شكل الدولة المقبل، هو نظام فيدرالي، وهنا لا يمكن تجاهل هذه النقطة عندما ننظر إلى هذه الكيانات”.