تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر مقترحات وزير الخارجية جون كيري إلى توريط الأمة اليمنية بصراع أقليات وأكثريات عبر توصيف جماعة الحوثي الانقلابية بـ”الأقلية”. تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر مقترحات وزير الخارجية جون كيري إلى توريط الأمة اليمنية بصراع أقليات وأكثريات عبر توصيف جماعة الحوثي الانقلابية بـ “الأقلية”. نعم الحوثيون أقلية بالمعنى الفيزيائي العددي، لكنها ليست جماعة من الدراويش الذين يواجهون تمييزا قائما على الدين والهوية واللغة من قبل اليمنيين..
أساس المشكلة أن هذه “الأقلية” قفزت على حلم اليمنيين بدولة المواطنة والقانون، واستولت على الدولة وسلاحها واستدعت تدخلا عسكريا دوليا على البلاد، وما زالت تصر على أنها جماعة مقاومة “للعداون الخارجي”، دون الشعور بفداحة الإنقلاب على خيارات اليمنيين في الداخل ودفعهم لحمل السلاح في مشهد متخم بالكراهية والانتقام من ذلك الاستخفاف الذي طال الاجماع الذي أسسه الشباب اليمني في ربيع العام ٢٠١١.
ولن ننسى أن هذه الأقلية أمطرت مدينة واحدة فقط بخمسين ألف قذيفة، وقتلت فيها الآلاف من الأبرياء، وخلفت مايقارب الـ 22 ألف جريح، وهذا هو جوهر الصراع مع ما سماه كيري أقلية.
الملاحظ أن كثيرين في الوسط السياسي والثقافي اليمني احتفوا بتصريحات كيري باعتباره تقليلا من نصيب الحوثيين في أي تسوية قادمة كونهم أقلية لن تأخذ أكثر من حصتها في كعكة السلام السياسي والاجتماعي التي اقترحتها الأمم المتحدة. لكن الأمر احتوى في جوهره على قنبلة طائفية موقوتة أساسها التقسيم القائم على الهويات والعناوين المذهبية التي ذابت، على مدى قرون، داخل المجتمع اليمني الممتد من جبال صعدة حتى ساحل المهرة.
التواطؤ الغربي لخلق انقسامات هوياتيه في اليمن بات مفضوحا، وإن قبل به اليمنيون تحت تأثير الصدمة سيرفضه الضمير الثوري الذي دافع عن خيارات الجميع، بمن فيهم جمهور الانقلاب، بالمواطنة القائمة على احترام حريات الفرد والتمييز الموضوعي القائم على المعرفة والكفاءة.
تلك هي الأسئلة التي تشغل عقول اليمنيين منذ ثورات الربيع العربي: الديموقراطية. فلدى الغالبية العظمى من اليمنيين اعتقادا راسخا بأن الديموقراطية هي المدخل الرئيس للسلام والعدل والرخاء الاقتصادي، وبدون اخضاع الضمير اليمني لمادة اختبار عصرية للتمثيل السياسي وادارة مصالح البلاد، ستبقى كل الحلول ضربا من التنظير الفارغ الذي يؤسس لجولات أكثر عنفا من الصراع في المستقبل. وأزعم بأن المجتمع الدولي يدرك ذلك جيدا، لكنه يوزع الحلول “كأوراق الكوتشينة ” على مساحة مرعبة من الصراعات المسلحة التي تمتد من جبال كوردستان حتى صحراء ليبيا، دون حسابات أخلاقية أو انسانية، كتلك التي تظهر عبر منظمات الاغاثة التي تطعم المئات قليلا من الخبز وتتواطأ لحصار الملايين بمتتالية لانهائية من الحروب.