“بئر زمزم” .. النشأة والإعجاز
يمثل بئر زمزم ونشأته الإعجازية مكانة مميزة وروحانية يستشعرها كل آتٍ إلى الديار المقدسة من المسلمين في مختلف بقاع
يمن مونيتور/اينا
يمثل بئر زمزم ونشأته الإعجازية مكانة مميزة وروحانية يستشعرها كل آتٍ إلى الديار المقدسة من المسلمين في مختلف بقاع الأرض، سواء ممن يؤدون مناسك الحج أو العمرة أو الزيارة، والذي يقع داخل فناء المسجد الحرام في مكة المكرمة على بعد نحو 20 متراً إلى الشرق من الكعبة المشرفة، ويصل عمقه لحوالي 30.5 متر بقطر داخلي يَتراوح من 1.08 إلى 2.66متر، في حين يقع البئر من الناحية الهيدرولوجية في وادي إبراهيم الذي يَمْرُّ عبر مدينة مكة المكرمة.
وأولت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اهتماما كبيرا ببئر زمزم وتوفير التقنية والعناية الخاصة لضمان توفير ماء زمزم المبارك لضيوف الرحمن الذين تتجاوز أعدادهم الملايين، خاصة مع حلول موسم حج هذا العام 1437هـ والتأكد من مراعاة الجودة والكميات اللازمة التي تستوعب الأعداد الغفيرة على مستوى العالم.
وبحسب “واس” من خلال حجرة تحتية محمية بألواح زجاجية ترى البئر بوضوح، وتستعمل مضخات كهربائية لسحب الماء منه بدلاً من الحبال والأسطل، وتم تزويد خارج منطقة البئر بنافورات لماء زمزم البارد وحاويات توزيع مزودة لأغراض الشرب في مختلف نواحي الحرم المكي الشريف.
وتثبت الدراسات أن بئر زمزم الذي يعد أشهر بئر على وجه الأرض لمكانته الروحية المتميزة وارتباطه في وجدان المسلمين عامة والمؤدين لشعائر الحج والعمرة خاصة، مر بحفر الجزء الأعلى منه الذي يبلغ عمقه 13.5 متر في الطمي الرمليِ لوادي إبراهيم إلى جانب الجزء الأسفل أيضاً يبلغ عمقه 17.0 متر في صخر القاعدة الأسفل “الديورايت”، وتقع في الوسط صخرة سميكة مجواة شديدة النفاذية طولها نصف متر في حين أغلب الأجزاء الطميية من البئر مبنية بالحجارة ماعدا الجزء الأعلى الذي يبلغ عمقه متراً واحداً محاطاً بالإسمنت المسلحِ، وبنيت الأجزاء الصخرية المجواة بالحجارة حيث تعد هذه الأجزاء المدخل الرئيسي للماء إلى البئرِ.
وترتبط مشاعر القادمين إلى الأرضي المقدسة بروحانية نشأة بئر زمزم الإعجازية، عندما بحثت “هاجر” بصورة شاقة عن الماء لتروي عطش ابنها إسماعيل عليه السلام، وركضت سبع مرات ذهاباً وإياباً في حرارة مكة بين تلّين هما الصفا والمروة لجلب الماء -وبرحمة الله – أرسل جبريل، الذي قشط الأرض ليخرج النبع وعندما ظهر النبع، قامت هاجر مخافة أن ينفد الماء بتطويقه بالرمل والحجارة، لينشأ اسم زمزم من عبارة “زُم زُم” التي تعني “توقف توقف” والتي كررتها “هاجر” أثناء محاولتها لاحتواء ماءِ النبع، فيما تحولت المنطقة فيما بعد حول النبع إلى بئر وأصبح مكان استراحة للقوافل، ويصبح في النهاية مدينة مكة ومسقط رأس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون اقتداء المسلمين في سعيهم بين الصفا والمروة سبعة أشواط بـ “هاجر” في بحثها عن الماء.
ويحرص ملايين الحجاج أثناء أدائهم للنسك على شرب ماء زمزم أثناء رحلتهم الإيمانية وحمل عبوات معهم مختلفة الأحجام عند عودتهم لأوطانهم وتقديمها كهدايا لذويهم والأصدقاء، تيمناً بقوله صلى الله عليه وسلم: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ماء زمزم لما شرب له”.
وقد مر بئر زمزم خلال العصور الماضية بالعديد من التطورات، واهتمت القيادة الرشيدة للمملكة العربية السعودية التي خصها الله عز وجل وشرفها بخدمة الحرمين الشريفين ببئر زمز، ففي العام 1377هـ حين نفذت التوسعة الأولى في المطاف وضع تصميم فريد لبئر زمزم روعي فيه إزالة ما يضيق على الطائفين، وذلك بوضع بئر زمزم تحت الأض وأصبح سقف المبنى مساوياً لأرض المطاف، كما جعل للبئر جدار من الخرسانة مكسو بالرخام.
من جانبها تقوم هيئة المساحة الجيولوجية ممثلة في مركز دراسات وأبحاث زمزم بسلسلة من المشاريعِ الاستقصائية للتعرف على مصادر الماء وتحديدها ومراقبتها وتزويد المعلومات الضرورية لإدارة ماء زمزم والمحافظة على توفيره لمواجهة الطلب المتزايد من قبل السكان والحجاج، وتوفير الحلول العلميةَ الضرورية لمراقبة وإدارة مستودعات المياه الجوفية التي تغذي بئر زمزم وضمان نقاوة الماء وسلامة نظام التزويد.
وتركز الهيئة على الجوانب المتعلقة بإدارة مستودعات المياه الجوفية وبئر زمزم، وأنظمة التوزيع، والتزويد، ومراقبة وإدارة الطلب على زمزم لتجنب نضوب الماء والعمران في منطقة مصدر مياه وادي إبراهيم وتأثيره على إعادة التزويد وإدارة تصريفِ مياه الأمطار المتعلق بإعادة التزويد والحفاظ على حركةِ المياه الجوفيّة وجودتها من خلال مراقبة البناء العمراني، إضافة لترقية نظام الخزن والضخ لمياه زمزم وتطوير أنظمة التزويد والتوزيع الأمثل لماء زمزم مع مراقبة وإدارة الطلب عليه لتجنب نضوبه.
وأشارت الهيئة إلى أن عملية مراقبة مستويات المياه في بئر زمزم كانت تتم في السابق بواسطة جهاز رسم مائي بسيط “drum hydrograph” ، وتم استبداله بنظام مراقبة أكثر تطوراً يقوم بعمل سجلات رقمية لمستوى الماء والتوصيل الكهربائي ودرجة الحموضة ودرجة التشرد ودرجة الحرارة بحيث يمكن للهيئة الوصول بسهولة لجهاز حفظ وتسجيل البيانات من خلال شبكة الإنترنت وفحص وتحميل البيانات بدون الذهاب إلى البئر.
ولفتت الهيئة إلى أنه تم تركيب شبكة آبار مراقبة أخرى في كافة أنحاء وادي إبراهيم لمراقبة استجابة نظام مستودعات المياه الجوفية للتزويد وإعادة التزويد، وزودت بعض هذه الآبار بأجهزة آلية رقمية لتسجيل مستوى الماء، ومع ازدياد عدد الزوار، ازداد الطلب على ماء زمزم بشكل مستمر، لذلك تتجلى مهمّة هيئة المساحة الجيولوجية السعودية في تقدير الناتج المستمر للبئر والتوصية بوضع الإجراءات اللازمة لتجنب زيادة الطلب في المستقبل لضمان عدم تجاوز الحدود الموضوعة لاستمرارية التزويد.
وقال مدير مركز دراسات وأبحاث زمزم المهندس الجيولوجي المستشار سامر بن أحمد شومان: لا يوجد مركز دراسات وأبحاث لزمزم إلا في هيئة المساحة الجيولوجية وهو شرف لنا أن تقوم الهيئة بهذه المهمة ونأمل بحول الله إعادة توظيف كل ما يتوفر من تقنية ومعرفة لمحاولة المحافظة على مصادر المياه المغذية لبئر زمزم وتحقيق الاستدامة للتوفيق بين حجم الطلب والمخزون الطبيعي، فكلما زاد عدد الحجاج والمعتمرين والسكان كلما زاد الطلب على ماء زمزم، ويعمل ضغط على الموارد الطبيعية والمحافظة على الاستدامة تتداخل مع المناشط الحضرية المختلفة بمكة التي تتعلق بالمشاريع الانمائية سواء في القطاع العام أو الخاص”.
وأضاف: إن الطبقة الحاملة لمياه زمزم في البئر هي ١٢ متراً ويوجد تحتها طبقة من الصخور المتكسرة وتأتي موارد المياه له من نقطة التقاء طبقة التربة الحاملة للمياه وطبقة الصخور الصلبة التي توجد في القاع ويوجد في الوسط نصف متر تقريبا طبقة من الصخور المتشققة تعتبر من مداخل ماء زمزم، وتأتي على نقطة التقاء ثلاثة صدوع رئيسية أحدها يأتي باتجاه جبل أبو قبيس والآخر باتجاه الشامية والثالث باتجاه الصفا.
وأشار إلى أن البئر يعد علمياً خزانا سطحيا ويتأثر بالعوامل الجوية والمناشط الحضرية، ويخضع أيضاً للقوانين الطبيعية التي وضعها المولى عز وجل في الكون فهو يتأثر بمعدلات هطول الأمطار، حيث يهبط المخزون في مواسم الجفاف ويرتفع في حالة حدوث سنوات مطيرة، ويؤثر ذلك حتى على طعم الماء.
وكشف أن زمزم جف عبر الزمن أكثر من مرة ودفن كذلك، وقد قام أبو طالب جد الرسول صلى الله عليه وسلم بحفر البئر من جديد، ولا يزال على حاله منذ ذلك الزمن، وهناك دراسات وأبحاث كثيرة تشير إلى أن وجود تركيز للأملاح والصوديوم في ماء زمزم تتواءم وأجواء مكة المكرمة الحارة التي يعوض خلالها ماء زمزم عند شربه التعرق الذي يسببه الجهد البدني الذي يقوم الحجاج والمعتمرين.
ويعد مكتب الزمامة الموحد امتدادا لطائفة الزمازمة التي ارتبط اسمها منذ القدم بالماء المبارك – ماء زمزم – خير ماء على وجه الأرض، خاصة عند عملهم في مواسم الحج لسقيا ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار على مر التاريخ بطرق تقليدية، ثم تطور عملها أكثر تنظيماً عبر إنشائه في 21 /9/ 1403هـ بقرار من وزير الحج والأوقاف الأسبق عبد الوهاب بن أحمد عبد الواسع لتتوحد الجهود وتتضافر في خدمة الحجيج، ويصبح العمل جماعياً هدفه الأساسي تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والوصول بالخدمات التي تقدم من قبل طائفة الزمازمة إلى أعلى مستوى ممكن بما يتماشى ويتواكب مع التطورات الهائلة التي تشهدها المملكة.
ويقدم المكتب خدماته من سقيا زمزم لكافة جنسيات الحجاج القادمين للمملكة بدون استثناء، وذلك بتقديم ماء زمزم لهم في كل موقع يتواجدون به منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة وحتى مغادرتهم لها وتسخير كافة الإمكانات والطاقات لسقيا ماء زمزم، في حين يتمثل الهدف العام له في استقبال ضيوف الرحمن عند دخولهم إلى مكة المكرمة عبر مراكز التوجيه بتقديم ماء زمزم المبرد في عبوات بلاستيكية سعة “330” مم وسقياهم بهذه المياه المباركة وإيصالها لمنازلهم بمكة المكرمة طيلة فترة مكوثهم بها، حيث يتم توزيع عبوات سعة “20” لترا من ماء زمزم، وتوديعهم عند مغادرتهم لمكة المكرمة عبر مراكز مراقبة التفويج بماء زمزم في عبوات بلاستيكية سعة “330” مم.
كما أنشأ مكتب الزمازمة الموحد مصنعاً جديداً مؤخراً لتعبئة ماء زمزم بمكة المكرمة على مساحة تقدر بأكثر من 10 آلاف متر مربع، ويتكون من خطي إنتاج وتعبئة لعبوات ماء زمزم سعة “20” لتراً بطاقة انتاجية تقدر بـ “2000 عبوة في الساعة الواحدة لكل خط إنتاج ومنطقة تخزين وخدمات ومرافق، وقد تم تنفيذه وتصميمه وفق أعلى المواصفات الفنية والمعتمدة من مراكز أبحاث زمزم بهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، حيث يخدم هذا المشروع سقيا حجاج بيت الله الحرام يومياً بمساكنهم بمكة المكرمة وفق منظومة متكاملة من الأيدي العاملة ووسائل التوزيع والنقل الحديثة التابعة للمكتب.
وأولى المكتب المراحل التاريخية التي مرت عليها تعبئة ماء زمزم عناية خاصة من خلال انشائه لمعرض بجوار هذا المصنع يضم الصور واللوحات التاريخية التي يعود تاريخها إلى أكثر من سبعمئة عام، وبإمكان الزوار عند زيارتهم لهذا المعرض الإطلاع على مراحل تعبئة ماء زمزم على مدار الساعة.
كما يعد مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لسقيا زمزم بمنطقة كدي بمكة المكرمة، أحد المشروعات الضخمة لسقيا حجاج بيت الله الحرام، بطريقة منظمة وميسرة، الذي دشن في شهر رمضان المبارك عام 1431هـ.
ويعمل المشروع على مدار الساعة عبر العشرات من نقاط توزيع بمقر المشروع، حيث يمكن الحصول على عبوات ماء زمزم بدون أي عناء أو مشقة حيث يضمن المشروع نقاء مياه زمزم عبر تعبئته آلياً بأحدث الطرق العالمية التي عرفت في تعبئة مياه الشرب (AS-RS).
ويحوي المشروع على مستودع آلي مركزي لتخزين وتوزيع العبوات المنتجة من مصنع التعبئة، مجهز بأنظمة تكييف وأنظمة إنذار وإطفاء الحريق، يمثل (15) مستوى للتخزين والتوزيع.
ويعمل مستودع التخزين بشكل آلي بواسطة نظام تقني متقدم دون تدخل بشري للوفاء باحتياجات الحجاج والمعتمرين في أوقات الذروة، حيث يتم تخزين واستخراج العبوات آلياً من خطوط الإنتاج بمصنع التعبئة عبر سيور ناقلة آلية تصل بين خطوط الإنتاج والجسر الناقل، الذي يصل بدوره بين مصنع التعبئة والمستودع المركزي، حيث تدخل العبوات المنقولة عبر الجسر الناقل إلى المستودع المركزي عن طريق رافعات رأسية حمولة كل منها (2000 كيلو جرام)، تُخزن هذه العبوات في أماكن محددة ويُتحكم فيها وتدار عن طريق برنامج تخزين متطور يتم من خلاله التخزين حسب تاريخ الإنتاج وخط الإنتاج، ويتيح هذا البرنامج المتطور تحديد أولويات التوزيع حسب تاريخ التخزين ونتائج الاختبارات الخاصة بالمياه المنتجة التي تتم بمختبر المحطة.
كما أثبتت الدراسات والأبحاث في مجال المياه أن ماء زمزم قلوي وغني بالمعادن المفيدة للجسم ويمده بقدر كبير من الطاقة، ويعادل الأس الهيدروجيني للجسم ويزيل الفضلات الحمضية منه، كما أنه مضاد قوي للأكسدة، ومزيل قوي للسموم، ويساعد على امتصاص العناصر الغذائية بكفاءة أفضل إلى داخل الجسم، ويساعد الجسم في تمثيل المعادن المؤينة بسهولة أكبر، بالإضافة إلى أنه يساعد على تنظيم الهضم وتحسينه بصفة عامة بإعادة التوازن للجسم، ويقلل من تأكسد الأعضاء الحيوية، وله معامل أكسدة واختزال سالب لذلك يعد وسطاً معادياً للبكتيريا.
وكان الفرق بين ماء زمزم وماء الشرب الذي يضخ في المنازل هو نسبة أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم، فلقد كانت نسبتها أعلى في ماء زمزم وهذا هو السبب في أنها تنعش الحجاج المتعبين، والأكثر أهمية من ذلك هو أن ماء زمزم يحتوي على فلوريدات مضادة للجراثيم بشكل عالي الفعالية.