اخترنا لكمكتابات خاصة

العلاقة بين جمهورية إيران الإسلامية والدول العربية: حلفاء وأعداء

رضوان حبيش

تتسم العلاقة بين جمهورية إيران الإسلامية (ولاية الفقيه) والدول العربية بالتعقيد والتناقض. تتأرجح تلك العلاقة بين التعاون الاستراتيجي والنزاعات الحادة. ففي بعض الأحيان، يتعاون الطرفان في مجالات مثل التجارة والطاقة، بينما تشهد فترات أخرى توترات وصراعات على النفوذ الإقليمي والطائفي، حيث تسعى إيران إلى التوسع في المنطقة العربية نتيجة لغياب التفاهمات والأهداف المشتركة للدول العربية ذات الأغلبية السنية.

 الجذور التاريخية

تعود العلاقات بين إيران والدول العربية إلى قرون عديدة، حيث شهدت فترات من التعايش والتبادل الثقافي والتجاري منذ العصور القديمة. مع ظهور الإسلام، تحولت إيران من الزرادشتية إلى الإسلام الشيعي، ما أضفى بُعدًا جديدًا على العلاقة مع الدول العربية ذات الأغلبية السنية. في العصر الحديث، تعززت هذه العلاقة بمراحل مختلفة من التعاون والصراع، خاصة بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي حملت مشروع ولاية الفقيه وهدفت إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة.

أثرت تلك التحولات على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول العربية، حيث سعت طهران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر دعم حركات المقاومة والجماعات المسلحة التي تتبنى المذهب الشيعي. كما لعبت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) دورًا كبيرًا في تحديد مسار العلاقات الإيرانية العربية، حيث وقفت معظم الدول العربية إلى جانب العراق، ما زاد من تعقيد العلاقات وأدى إلى تعميق الشكوك والعداوات.

 التعاون الاقتصادي

رغم التوترات السياسية، تمكنت إيران والدول العربية من بناء جسور التعاون الاقتصادي في فترات معينة. تُعد العلاقات التجارية بين إيران والإمارات العربية المتحدة نموذجًا واضحًا، حيث تعتبر الإمارات من أكبر الشركاء التجاريين لإيران. يسعى الطرفان للاستفادة من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز لتعزيز اقتصاداتهم.

على الرغم من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران، إلا أن بعض الدول العربية احتفظت بعلاقات تجارية مستمرة مع طهران. هذا التعاون الاقتصادي يظهر في مجالات مثل استيراد وتصدير السلع والخدمات، والاستثمارات المشتركة في مشروعات البنية التحتية والطاقة. يعتبر التعاون الاقتصادي من العوامل التي تسهم في تهدئة التوترات السياسية بين الطرفين، حيث يوفر فرصًا للنمو الاقتصادي والازدهار.

 الصراعات الإقليمية

تتجلى الصراعات الإقليمية بين إيران والدول العربية في محاولات السيطرة والنفوذ في مناطق مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان. تدعم إيران جماعات وميليشيات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وبعض الفصائل الشيعية في العراق وسوريا. في المقابل، تحاول الدول العربية مثل السعودية والإمارات التصدي لهذا النفوذ الإيراني من خلال دعم الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف مع القوى الدولية لمنع تمدد إيران في المنطقة.

في سوريا، دعمت إيران نظام الرئيس بشار الأسد بشكل كبير، ما أدى إلى تعقيد الحرب الأهلية في البلاد وزيادة التوترات مع الدول العربية التي دعمت الفصائل المعارضة. وفي اليمن، أدى دعم إيران للحوثيين إلى نشوب صراع إقليمي كبير، حيث قادت السعودية تحالفًا عسكريًا لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. هذه الصراعات الإقليمية أضفت طابعًا طائفيًا على النزاعات وزادت من تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.

 النزاعات الطائفية

تعد النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة أحد أبرز معالم الصراع بين إيران والدول العربية. تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الشيعي في المنطقة، ما يثير قلق الدول ذات الأغلبية السنية. تجلت هذه النزاعات بشكل واضح في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث برزت الانقسامات الطائفية بشكل جلي بين السنة والشيعة. وفي سوريا، يدعم النظام العلوي برئاسة بشار الأسد، والذي يحظى بدعم إيران، في مقابل المعارضة السنية المدعومة من بعض الدول العربية.

تعزز النزاعات الطائفية من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، حيث يتم استخدام الهوية الدينية كأداة لتبرير التدخلات الخارجية وتحقيق الأهداف السياسية. هذا التوتر الطائفي يعمق الخلافات ويزيد من احتمالات نشوب صراعات مسلحة بين الجماعات المختلفة، ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلدان المتضررة.

 الاغتيالات والردود الإيرانية

تعتبر عمليات الاغتيال المتبادلة من أبرز مظاهر الصراع بين إيران والدول العربية. من أبرز تلك العمليات اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني عام 2020، والذي أثار ردود فعل غاضبة من إيران ووعودًا بالانتقام. كما شهدت المنطقة العديد من عمليات الاغتيال التي تستهدف شخصيات سياسية وعسكرية من الجانبين، ما يعكس حجم التوتر والمواجهة بينهما.

تسهم عمليات الاغتيال في تصعيد التوترات وإشعال المزيد من الصراعات، حيث تُستخدم كأداة للردع والانتقام بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد يؤدي إلى تعقيد جهود السلام والتسوية، ويزيد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ما يؤثر سلبًا على الأمن الإقليمي والدولي.

 الدبلوماسية والتحالفات

على الرغم من التوترات والصراعات، تسعى إيران والدول العربية أحيانًا إلى استخدام الدبلوماسية لحل النزاعات وبناء التحالفات. شهدت السنوات الأخيرة بعض التحركات الدبلوماسية مثل اتفاقات تبادل السفراء ومحاولات تحسين العلاقات بين إيران والسعودية. تهدف هذه الجهود إلى تحقيق استقرار إقليمي والتصدي للتحديات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف.

تتضمن هذه الجهود عقد محادثات ومفاوضات تحت رعاية دولية أو إقليمية، بهدف بناء تفاهمات مشتركة وتخفيف حدة التوترات. في هذا السياق، لعبت دول مثل عمان وقطر دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين إيران وبعض الدول العربية. كما ساهمت هذه الوساطات في تحقيق بعض التقدم في مسار السلام، رغم أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً.

التحالفات والتكتلات الإقليمية

على صعيد التحالفات، شهدت المنطقة تكوين تكتلات إقليمية لمواجهة النفوذ الإيراني. تحالفت دول الخليج مع الولايات المتحدة في إطار مجلس التعاون الخليجي، لتعزيز أمنها والدفاع عن مصالحها في وجه التهديدات الإيرانية. كما شاركت في تحالفات عسكرية وسياسية مع دول غربية أخرى، بهدف احتواء طهران ومنع تمدد نفوذها في المنطقة.

وفي المقابل، سعت إيران إلى تعزيز علاقاتها مع دول وجماعات تتشارك معها في المصالح والأهداف. تعاونت مع روسيا في الملف السوري، ومع الصين في مجالات الاقتصاد والطاقة، ما منحها دعماً سياسياً واقتصادياً كبيراً في وجه العقوبات الدولية.

تهدئة لا تصعيد

*1. الحوار الشامل:*

إنشاء منتديات للحوار تجمع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك إيران والدول العربية، لمناقشة القضايا المشتركة والتحديات الإقليمية. يمكن أن تسهم هذه المنتديات في بناء الثقة وتخفيف حدة التوترات من خلال تبادل الآراء وبحث سبل التعاون.

*2. التعاون الأمني:*

تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية وإيران من خلال تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. يمكن أن يسهم هذا التعاون في تعزيز الأمن الإقليمي والحد من الأنشطة التي تهدد الاستقرار.

*3. المشاريع الاقتصادية المشتركة:*

تشجيع إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة في مجالات مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا. يمكن أن تساهم هذه المشاريع في تعزيز الروابط الاقتصادية وتوفير فرص العمل، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

*4. المبادرات الإنسانية:*

العمل على إطلاق مبادرات إنسانية مشتركة تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية في المناطق المتضررة من الصراعات. يمكن أن تسهم هذه المبادرات في تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة وتعزيز السلام الاجتماعي.

الخاتمة

تعكس العلاقة بين إيران والدول العربية تاريخًا طويلًا ومعقدًا من التعاون والصراع. يبقى مستقبل هذه العلاقة مرهونًا بمدى قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات والعمل نحو تحقيق مصالح مشتركة من خلال الحوار والدبلوماسية. إن التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة تتطلب جهداً جماعياً للتصدي لها، ما يستدعي بناء جسور الثقة والتفاهم بين إيران والدول العربية.

يمكن أن يسهم التعاون الاقتصادي والتجاري في تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية إدارة الصراعات الطائفية والإقليمية بطرق سلمية ومستدامة، تضمن حقوق الجميع وتحقق الاستقرار والأمن في المنطقة.

 التطلع إلى المستقبل

التحدي المستقبلي يكمن في كيفية إدارة التناقضات والتباينات بطرق تساهم في تحقيق السلام والاستقرار. يتطلب هذا التحول في التفكير والسياسات جهودًا مستمرة وجادة من جميع الأطراف المعنية. على الرغم من الصعوبات، يبقى الأمل قائماً في أن الحوار والتفاهم يمكن أن يفتحا آفاقًا جديدة للتعاون والشراكة، ويعززا الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.

 السياسات والتوجهات المستقبلية

يمكن أن يكون هناك توجه نحو إقامة منطقة خالية من النزاعات من خلال تعزيز السياسات الإقليمية التي تركز على التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي. كما يمكن تطوير آليات دبلوماسية تضمن تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. يجب أن تركز الجهود المستقبلية على إزالة العوائق التي تحول دون بناء جسور الثقة والتفاهم المتبادل، والعمل على إنشاء بيئة تعاونية شاملة تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

الختام

العلاقات بين إيران والدول العربية تتسم بالتعقيد والتنوع، مما يعكس تاريخًا طويلًا من التعاون والصراع. لتحقيق مستقبل مستقر ومزدهر، يجب على الأطراف المعنية تجاوز الخلافات وبناء شراكات تستند إلى الحوار والدبلوماسية. من خلال تبني مقاربات جديدة وفعالة، يمكن لإيران والدول العربية أن تسهم في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مما يعود بالنفع على شعوب المنطقة ويعزز من فرص التنمية والازدهار.

يظل الأمل قائمًا في أن الجهود المشتركة والحوار البناء يمكن أن يمهدا الطريق لتحقيق تفاهمات جديدة، تؤدي إلى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا لشعوب المنطقة، حيث يتمكن الجميع من العيش في سلام وتحقيق التنمية والازدهار.

 

رضوان حبيش

صحفي يمني ورئيس مركز الذاكرة اليمني

كندا- اوتاوا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى