أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلاتترجمة خاصة

مركز دراسات أمريكي: اتفاق الأمم المتحدة يمنح الحوثيين “الشرعية”

يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة:

قال مركز دراسات أمريكي، يوم الاثنين، إن الاتفاق الذي توصلت إليه الأمم المتحدة لرفع القيود الاقتصادية عن البنك المركزي اليمني قد يشجع الحوثيين بشكل غير مقصود ويعزز قدرتهم على إظهار القوة العسكرية.

جاء ذلك في تحليل نشرته الباحثة المتخصصة في اليمن فاطمة أبو الأسرار في معهد الخليج العربي في واشنطن.

وفي الثاني والعشرين من يوليو/تموز، سهّلت الأمم المتحدة التوصل إلى اتفاق بين الحكومة اليمنية المعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة والحوثيين بشأن سلسلة من التدابير الاقتصادية التي يشرف عليها البنك المركزي اليمني.

وقد أشعل هذا الاتفاق جدلاً كبيراً داخل اليمن. ففي السابق، فرض البنك المركزي اليمني قيوداً على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وقد حظيت هذه الإجراءات، التي عارضها الحوثيون بشدة، بتأييد واسع النطاق من قِبَل العديد من اليمنيين الذين اعتبروها ضرورية للتخفيف من حدة عدم الاستقرار الاقتصادي الذي أثاره الحوثيون.

المعبقي لا يتحمل اللوم

وقال المعهد الأمريكي: ومع ذلك، فإن الاتفاق الجديد للأمم المتحدة، الذي يرفع هذه القيود، ولّد شعوراً بالخيانة بين هؤلاء المؤيدين، الذين ينظرون إلى الاتفاق على أنه تنازل للحوثيين. وفي صراع عسكري طويل ودموي استخدم فيه كل جانب كل نفوذ اقتصادي يمكنه حشده لتعزيز الضغط العسكري على الجانب الآخر، يبدو من الواضح في هذه التطورات الأخيرة أن القوة العسكرية الشاملة للحوثيين ونفوذهم الإقليمي مكّنا الجماعة عملياً من تقويض هذا التطبيق للضغط الاقتصادي من قِبَل منافسيها الذين يسيطرون على البنك المركزي اليمني.

وتابع: وبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة، قدم أحمد غالب المبقي، محافظ البنك المركزي اليمني، استقالته إلى مجلس القيادة الرئاسي احتجاجاً على الاتفاق. لكن مجلس القيادة الرئاسي رفض استقالته على الفور، وهو ما يشير ربما إلى أن اللوم لا يقع على البنك المركزي في حملة الضغط الفاشلة وأن القيادة الفعالة للبنك ستظل ضرورية.

شرعية للحوثيين

وبحسب الأمم المتحدة، يهدف الاتفاق إلى استقرار اقتصاد اليمن، وضمان دفع رواتب القطاع العام، وتسهيل المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، ونظراً للتهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون، هناك مخاوف واسعة النطاق من أن الحوثيين تلاعبوا بهذه القضايا للهروب من الضغوط الاقتصادية التي كانوا يتعرضون لها، وقد يعرضون دفع الرواتب وتسليم المساعدات للخطر مرة أخرى عندما يختارون ذلك.

وقال معهد الدراسات الأمريكي: في الوقت نفسه، يضفي الاتفاق الشرعية على الحوثيين عن غير قصد، ويبرز ضمناً هيمنتهم في الشمال ونفوذهم الإقليمي، ويكافئ سيطرتهم على الأراضي الشمالية وربما يعزز سلطتهم.

وقال معهد الخليج العربي في واشنطن إن البنك المركزي اليمني في عدن سعى إلى استعادة السيطرة على النظام المالي في اليمن، مستغلاً العقوبات الدولية والوصول إلى شبكة سويفت المصرفية للضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات، وخاصة بهدف استئناف صادرات النفط والغاز، التي كانت ذات يوم شريان الحياة للاقتصاد اليمني.

يعود هذا الصراع من أجل السيطرة الاقتصادية إلى وقت مبكر من الحرب. ففي سبتمبر/أيلول 2016، وسط تصاعد التوترات، نقل الرئيس عبد ربه منصور هادي البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. أدت هذه الخطوة المثيرة للجدل إلى إنشاء سلطتين متنافستين للبنك المركزي – واحدة معترف بها من قبل الأمم المتحدة في عدن وأخرى يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء – مما أدى إلى اضطرابات اقتصادية، مع قيام كل جانب بتنفيذ سياسات مالية وإصدار عملات.

وفي تصعيد حديث لهذه التوترات الطويلة الأمد، في 7 يوليو/تموز، ألغى البنك المركزي اليمني تراخيص ستة بنوك رئيسية تطالب بنقلها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.

فشل حملة البنك المركزي للضغط على الحوثيين

كانت محاولة البنك المركزي اليمني لإجبار البنوك المتمركزة في صنعاء على الانتقال إلى أماكن أخرى بمثابة مناورة محسوبة لتقييد قدرة الحوثيين على الوصول إلى النظام المصرفي؛ وفي نهاية المطاف، فشلت الجهود الرامية إلى تجنيد مثل هذا النشاط المصرفي في حملة الضغط الأوسع ضد الحوثيين. وقبل وقت طويل من أمر البنك المركزي الصادر في السابع من يوليو/تموز، كان الحوثيون يتفوقون فعليًا على هذه الجهود المالية لممارسة الضغط؛ فقد احتفظت الجماعة بسيطرة كبيرة على العمليات المالية في أراضيها وطرحت فئة 100 ريال يمني الجديدة في أبريل/نيسان. كما واصلوا اتخاذ خطوات لمحاولة تقويض تأثير العقوبات وخفض قيمة العملة اليمنية.

وقال معهد الدراسات الأمريكي: ومن خلال فرض سيطرتهم على العملة وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، يهدف الحوثيون إلى إجبار الحكومة وحلفائها على التفاوض على شروط اعتبرت غير معقولة في السابق. ويتمثل أحد العناصر الرئيسية لهذه الاستراتيجية في رفضهم دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية منذ عام 2014، وممارسة الضغط بدلاً من ذلك على الحكومة والمملكة العربية السعودية لتغطية هذه التكاليف، والتي تشمل رواتب المقاتلين والمسؤولين الحوثيين.

وأضاف إلى أن الاتفاق الذي يسرته الأمم المتحدة والذي تضمن إلغاء العقوبات المالية التي فرضها البنك المركزي اليمني والالتزام بتجنب اتخاذ إجراءات مماثلة في المستقبل، إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية على الحوثيين.

وتابع: ويسمح هذا التخفيف من الضغوط الاقتصادية لهم بإعادة تخصيص الموارد التي كان من الممكن استخدامها للتنقل عبر العزلة المالية نحو عملياتهم العسكرية ودعم جيشهم الكبير، الذي تضخم بمجندين جدد منذ بدء حرب غزة . وقد مكنهم هذا من استخراج المزيد من الموارد من خلال الضرائب ورسوم التحويلات المالية لإطعام وتسليح قواتهم. وفي هذا السياق، عزز اتفاق الأمم المتحدة قدرتهم على إظهار القوة العسكرية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.

 

الاستراتيجية الاقتصادية الحوثية والضغط الجيوسياسي

وتذهب الباحثة المتخصصة في اليمن في تحليلها إلى دراسة استراتيجية الحوثيين المعتمدة على الاقتصاد.

وقالت فاطمة أبو الأسرار:  ركز الحوثيون استراتيجيًا على تعزيز قوتهم الاقتصادية، وفرضوا تعريفات مزدوجة (تعريفات بالإضافة إلى تلك التي تفرضها – وتسيطر عليها – الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة) ورسوم جمركية زائدة عن الحاجة على نحو مماثل يسيطرون على عائداتها، في حين يوجهون الأموال والموارد إلى صناعتهم العسكرية. وقد أدى هذا إلى ترك المجتمعات الخاضعة لسيطرتهم تعتمد على الدعم الخارجي. وقد أدى عجز الحوثيين عن دفع رواتب الموظفين المدنيين، إلى جانب الجهود المبذولة لتحويل هذا العبء المالي إلى الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلى تفاقم الاضطرابات الاقتصادية في البلاد.

كما أدى حظر تصدير النفط الذي فرضه الحوثيون من خلال الهجمات على الموانئ الجنوبية إلى زيادة الضغط على اقتصاد اليمن، مما أثر على المجتمعات في كل من الشمال والجنوب. ومع هذه الأعمال المتمثلة في حصار صادرات الهيدروكربون والاستيلاء على عائدات الجمارك بعد تخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة، دفع الحوثيون الحكومة اليمنية إلى حافة الإفلاس. وتواجه الحكومة، التي أصبحت تعتمد كليا على المنح السعودية، صعوبة في مواجهة هذه التكتيكات.

 

الحسابات الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية

وبعد أن شعرت المملكة العربية السعودية بتجاهل حليفتها السابقة الولايات المتحدة، وفي مواجهة الرياح المتقلبة للسياسة العالمية، وجدت نفسها معزولة ومضطرة إلى التصرف وفقًا لمصالحها الخاصة. وفي مواجهة التهديد الوشيك المتمثل في الأعمال العسكرية الحوثية والافتقار إلى الدعم الدولي القوي والفوري، اتخذت الرياض إجراءات حاسمة للتخفيف من المخاطر وتعزيز الاستقرار. وتشير التسريبات من مصادر مجهولة إلى أن السعوديين مارسوا ضغوطًا دبلوماسية وفرضوا نفوذًا اقتصاديًا على المجلس القيادي الرئاسي في اليمن للامتثال لاتفاق الأمم المتحدة وعكس إجراءات البنك المركزي اليمني.

وفي هذا السياق، يمكن فهم القرار السعودي بممارسة مثل هذه الضغوط باعتباره خطوة مدروسة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية مصالحها. وتؤكد هذه المناورة على التوازن المعقد للقوة والنفوذ في المنطقة، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها السعودية في التعامل مع مشهد جيوسياسي مضطرب دون حلفاء أو ضمانات بالدعم الخارجي.

التداعيات على الاستقرار الإقليمي

في حين أن الضغوط السعودية على الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة توضح الحقائق وراء اتفاق البنك المركزي الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، إلا أن هناك آثارًا أوسع نطاقًا للاتفاق. من خلال الفشل في الحفاظ على الضغوط القائمة أو فرض شروط جديدة صارمة بما فيه الكفاية لمعالجة الاعتداءات العسكرية للحوثيين ودورهم التخريبي في المنطقة، فإن اتفاق الأمم المتحدة يخاطر بتقويض السلام والأمن على المدى الطويل.

وفي الوقت نفسه، هناك تكهنات مستمرة بأن المجتمع الدولي يسارع إلى دفع اليمن نحو تسوية سياسية لإنهاء الصراع، وهو أمر إشكالي للغاية بالنظر إلى القدرة العسكرية للحوثيين ونفوذهم الإقليمي الذي يمكن أن يشوه مثل هذه المفاوضات لصالحهم. من الناحية المثالية، يجب أن تجبر أي مفاوضات الحوثيين على كبح أنشطتهم المسلحة والالتزام بتدابير بناء السلام الحقيقية والقابلة للتحقق. بدون مثل هذه الأحكام، قد يتبين أن أي اتفاق انتصار باهظ الثمن، مما يوفر هدوءًا قصير الأجل مقيدًا باحتمالات عدم الاستقرار على المدى الأطول.

إن الرد السعودي المحسوب والمثير للمشاكل يسلط الضوء على كفاحها لضمان الأمن القومي في بيئة إقليمية أوسع حيث تتفكك التحالفات التقليدية، مع صعود قوة ونفوذ الحوثيين الموحَدين إلى حد كبير والمدعومين من إيران. فيما حلفاء الرياض ممزقون بالانقسامات إلى حد كبير منذ فترة طويلة. ولم تكن التدابير القسرية التي اتخذتها الرياض تجاه الحكومة اليمنية تهدف إلى عكس السياسات المالية فحسب، بل كانت تهدف أيضًا إلى مواجهة تهديد وجودي أكثر عمقًا: تحذيرات الحوثيين المشؤومة من أنهم سيستهدفون السعودية إذا لم يتم تخفيف هذا الضغط الاقتصادي.

وقال معهد الدراسات الأمريكي: إنه يتعين على المجتمع الدولي أن يفكر في استراتيجية أكثر قوة وتنسيقا لحماية الشعب اليمني من السياسات التي قد تضر به في الأمد البعيد. ومن المرجح أن يبرر فرض عقوبات أكثر صرامة على الحوثيين، وضمان الامتثال لاتفاقيات السلام، وتقديم الدعم الثابت للحكومة اليمنية المعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة، مراعاة احتياجات الشعب اليمني ورفاهته.

وتابعت: ولكن من المؤسف أن اهتمام المجتمع الدولي لم يعد يركز بشكل وثيق على اليمن، وأصبحت حسابات السياسة الواقعية تشكل عملية صنع القرار لدى الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، وهي حسابات تستند إلى الحقائق العسكرية والسياسية التي أصبحت واضحة الآن على الأرض – وبين الأطراف المتحاربة – في اليمن.

واختمت بالقول: ومن المرجح أن يؤدي فشل المجتمع الدولي في مضاعفة الجهود لمعاقبة الحوثيين ودعم الحكومة اليمنية المعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة – وهو الفشل الذي يبدو أكثر قابلية للتنبؤ به مع مرور كل أسبوع – إلى استمرار الحوثيين في توسيع نفوذهم وسيطرتهم. ويشير هذا الواقع إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في اليمن والمنطقة.

ومن خلال جهود متضافرة من جانب المجتمع الدولي فقط يمكن كسر دائرة الصراع وتحقيق السلام المستدام. ورغم الضرورة الملحة، فإن احتمالات نجاح مثل هذا الجهد لا تبدو واعدة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى