ثمن الحماية من العنف.. عنف ايضاً
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من أحمد الشيخ
وسط مجتمع تقليدي يرزح تحت وطأة السلطة الذكورية، وماتزال فيه قضايا المرأة تواجه تحديات وصعوبات، تبرز قصص أولئك الذين قرروا السباحة ضد التيار والنضال من اجل المساواة بدافع الايمان بحقوق المرأة وعدالة قضاياها.
المحامي ياسر المليكي أحد هؤلاء، اما القصة فتدور احداثها في بيئة يتحالف فيها من تناضل ضده ومن تناضل من اجله ضد خصم واحد هو انت.
عندما بدأت حملة “جوازي بلا وصاية”، لم يكن يتوقع ياسر حجم التحديات والتهديدات التي سيواجهها، ليس فقط من المجتمع الذكوري المحيط، بل حتى “من النساء أنفسهن.”
يقول ياسر المليكي في حديثه لـ يمن مونيتور: “من الصعب تحديد ما إذا كانت السلطة الذكورية المكرسة على المرأة قد تلاشت أو تعمقت، لكنها ما تزال موجودة ومؤثرة الى حد كبير”.
مضيفا” القياس بشأن هذه السلطة يمكن ان يقوم على اساس من الدراسات والمسوحات الاجتماعية، لكن ما يمكنني قوله هو أن السلطة الذكورية ما تزال متجذرة في تفكير النساء والرجال على حد سواء”.
ذات التوصيف يتفق معه الصحفي وهب الدين العواضي، الذي قال في حديقه لـ يمن مونيتور: إن “السلطة الذكورية ما زالت حاضرة، والمرأة اليمنية تواجه صعوبات عديدة للاندماج في المجتمع بالشكل المطلوب، ذلك ان العادات والتقاليد والفكر التقليدي يقيدان المرأة في أدوار محددة، لم تتح لها الفرصة الكافية لإثبات ذاتها وحضورها.”
فيما توضح المختصة في علم الاجتماع الدكتورة انتصار الصلوي، أن العنف الممارس ضد المرأة اسبابه عديدة، من بينها عوامل التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة وجماعات الاقران”، وهي حد وصفها “عوامل رسخت المجتمع الذكوري وعززت النظرة الدونية للمرأة، ما سهّل تعنيفها بأشكال مختلفة”.
وتضيف لـ يمن مونيتور: “صحيح ان المرأة لم تسكت عن حقها، بل اجتهدت وسعت وحققت حضورا في مجالات العمل وأصبحت جنبًا إلى جنب مع الرجل في الإنفاق على الأسرة، وحظيت باستقلالية مادية وحرية تصرف في راتبها الا ان ذلك الحضور ما يزال نسبيا وضعيفا”.
وتعزو الصلوي ذلك الضعف للعوامل الثقافية التي رسخت من خلال تكريس العادات والتقاليد قيمًا ذكورية في المجتمع اليمني، بل و العربي بشكل عام كل ذلك بحسب الصلوي “جعل المرأة معنفة داخل أسرتها الكبيرة ممثلة في الأب أو الأخ، وفي أسرتها الصغيرة ممثلة بالشريك ، ومن زملاء العمل وفي الشارع “.
وتعتبر الصلوي أن العنف اللفظي والجسدي أصبح شائعًا كون القيم الذكورية راسخة منذ الطفولة، حيث تختلف طريقة تربية الابن القائمة على أساس تعظيم السلطة لديه عن تربية البنت التي توجه نحو السمع والطاعة”.
“تجربة ملهمة.. مؤلمة”
هكذا يصف المحامي ياسر المليكي تجربته في الدفاع عن قضايا المرأة “ملهمة مؤلمة” فيقول: “تجربتي كانت ملهمة ومريرة. حيث تصديت لحملة شرسة للدفاع عن قضايا المرأة، والمؤسف أن بعض الهجوم كان يأتي من النساء أنفسهن”. مضيفا بنبرة اسف” يحزنني أن بعض النساء ما زلن ينظرن إلى أنفسهن على أنهن قاصرات ولا يحق لهن اتخاذ قراراتهن الخاصة، كالحق في الحصول على جواز السفر”.
لم يكن المليكي وحده في تلك المعركة؛ فقد كان جزءًا من فريق تعرض للتهديدات والمضايقات. “بعض القيادات في الحملة مُنِعوا من الخروج من منازلهم وتعرضوا للوصم الاجتماعي، حتى من أسرهم”.
وبخصوص الاثار المرتدة على الرجال المدافعين عن قضايا المرأة، تقول الدكتورة انتصار الصلوي إن عوامل التنشئة المعززة بالعوامل الثقافية تعزز هذا الرفض. “يرون أن الدفاع عن حقوق المرأة يجب أن يأتي من قبل المرأة نفسها، وليس من قبل الرجال”.
وتستطرد، “ولأن الانسان يتمسك بقوة فيما يفيده وما يضره يرفضه بقوة، ينظر المحيط من منطلق الوصاية الى المدافعين عن حقوق المرأة من الرجال من زاوية الظنون المريضة وقد يصفونهم بصفات مسيئة والعكس بالعكس”.
ثمة اختلاف نسبي لكنه ملحوظ بين جنوب اليمن وشماله لجهة مساندة حقوق المرأة وقضاياها من قبل الرجال.
فيما ترى الصلوي أن التفاعل مع قضايا المرأة في الساحة العربية عموما موجود في المجتمعات والفئات والمجموعات المختلفة بأشكال ومستويات مختلفة تبعا لموروثها الثقافي. فعلى سبيل المثال تأثرت بعض المجتمعات العربية التي تعرضت للاستعمار بجانب من القيم الغربية لجهة تقبل فكرة دفاع الرجل عن المرأة من منطلق ثقافة الايمان بالحقوق والمساواة، بخلاف تلك التي ظلت مغلقة على رواسبها التقليدية ويجمع اليمن بين كلا الثقافتين”.
ثورة فكرية
على الرغم من التحديات التي واجهها، المليكي خلال حملة “جوازي بلا وصاية” يعتبر الرجل ان تلك الحملة أحدثت هزة في الوعي الاجتماعي التقليدي “استفدنا من هذه التجربة أن مجموعة من الشباب والشابات باتوا قادرين على مواجهة ردود الفعل السلبية من قبل المجتمع، لقد أحدثت تغييرا في الوعي وصلبت الإرادة”.
ويضيف:” تلك الحملة ما تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم. “تعرضنا لتعنيف نفسي، وأثرت الحملة على عائلاتنا. زوجتي وقريباتي كنّ في صدمة من الهجوم الذي تعرضنا له، ومع ذلك تحملت وتحملن الأمر بهدوء وروية”.
حتى حين يتقبل الرجل دور المرأة باطنيا لجهة كونها شريكا مساهما في الانفاق على الاسرة، تظهر ثقافة المجتمع الذكوري بقوة لمجرد ظهور جهود او محاولات تدعم تكافؤ الفرص بين الجنسين بحسب انتصار التي ترى ان “التنمر على الرجال المدافعين عن قضايا المرأة ينبع من القيم الذكورية التي تعتبر أن الدفاع عن المرأة هو دور للمرأة نفسها فقط”.
لافتةً إلى أن الردود السلبية تجاه هؤلاء المدافعين تعكس واقعًا فرضته القيم التمييزية والعادات الذكورية التي تعتبر الدفاع عن حقوق المرأة انتقاصًا من مكانة الرجل.
دور الإعلام والمجتمع
معالجة حدة ردود الفعل الذكورية تجاه المدافعين عن المرأة من الرجال تتطلب جهودا مكثفة في نشر الوعي وتوظيفا ذكيا وفاعلا للسوشيال ميديا وتحفر عميقا في أساليب التربية والتنشئة، الى جانب تنظيم ندوات ومؤتمرات وورش لمناقشة هذه القضايا واجراء دراسات اجتماعية ونفسية معمقة حول جذور هذه الظاهرة، كما ترى المختصة في علم الاجتماع الدكتورة انتصار الصلوي.
وأشارت الصلوي في حديثها لـ يمن مونيتور، إلى ان حضور الادباء والمفكرين والكتاب والمثقفين والفاعلين والمؤثرين والأكاديميين المختصين محليين واقليميين ودوليين في هكذا انشطة أمر مهم وحيوي من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة.
في السياق يقول الصحفي وهب الدين العواضي، إن ” الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة بشأن تغيير الصورة النمطية حول المرأة من خلال تقديم قصص نجاح وانجازات نسائية ظاهرة وملهمة”.
ويضيف العواضي في حديقه لـ يمن مونيتور: “نساء كثيرات أحدثن اثرا على صعيد التعليم والتنمية المجتمعية والتنوير والابداع الادبي، هذا الامر لا يمكن إنكاره.. وهن قدمن للمجتمع خدمات جليلة وأسهمن في تحسين أوضاعه ومن الجيد البحث عن هذه القصص والتجارب والاعمال ونشرها على نطاق واسع للمساهمة في تغيير المنظور السائد”.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.