آراء ومواقف

صراع من أجل السلطة لا من أجل اليمن

مصطفى أحمد النعمان

بات واضحا أن الإعلان عن أي اتفاق سياسي يضع حدا للكارثة الإنسانية الحاصلة في اليمن سيكون بداية الحروب الصغيرة التي ستليه والتي أفرزتها الحرب الدائرة على السلطة بين قوى سياسي بات واضحا أن الإعلان عن أي اتفاق سياسي يضع حدا للكارثة الإنسانية الحاصلة في اليمن سيكون بداية الحروب الصغيرة التي ستليه والتي أفرزتها الحرب الدائرة على السلطة بين قوى سياسية وحزبية تديرها الأحقاد الشخصية ورغبات الانتقام، وانغمس الكثير من الساسة والكتاب، يمنيين وعربا، في تناول العوامل التي أشعلتها وتعرض الجميع لأسبابها كل من الزاوية التي ينطلق منها حزبيا أو فكريا أو حنقا على ضياع مصالحهم الشخصية، فأقحموا الذاتي بالموضوعي، وقلة تحدثوا بعيدا عن العاطفة والأفكار الجامدة والتأثيرات المذهبية والمناطقية، وبدون التعرض لمدى واقعية ما ذهب إليه الجميع إلا أن أحدا لم يضع يده على الحل الذي سيوقف مسيرة نزيف الدم ورحلة التيه اليمانية، ويصر الكل على أنه يمتلك الحق المطلق في طروحاته ومطالبته.
إن أي حرب لا يمكن إلا أن تكون حاضنة لمآسي الكثيرين وتلحق بهم دمارا نفسيا وماديا، وتكون تبعاتها مسلسلا طويلا من مشاهد الحقد والكراهية مهما كانت محاولات تفادي هذه الأعراض، ومن المنطقي أيضا أن الحرب لا تدوم إلى الأبد لكنها قد تخرج في أغلب الأحيان بطرف منتصر وآخر منهزم خاصة في المجتمعات المتخلفة ثقافيا والتي يغيب عنها الوعي الناضج، وتسيطر عليها روايات التاريخ وأساطيره، ويغيب عن ساحتها الرجال الكبار.
أفرزت الحرب عددا من المسلمات، فاليمن لن يعود كما عرفناه في طفولتنا وشبابنا، فالانقسامات الأفقية والرأسية ترسخت داخل المجتمع وأصبحت غير قابلة للالتئام سريعا، وطفت على السطح أمراض اجتماعية كالطائفية والمذهبية بعدما توهم كثيرون أنها قد غابت عن الوعي الجمعي، وصار الحديث عن الوحدة اليمنية بالصورة التي تمت بها في مايو ١٩٩٠ غير معقول، ولم يعد ممكنا تقبل فكرة سيطرة المركز المقدس (وأنا هنا أضع خطا فاصلا بين صنعاء كمؤسسة للحكم وصنعاء الإنسان) على إدارة بقية مناطق اليمن، ولكني أحذر أن تناول هذه القضايا بصورة عاطفية واعتبار أن الفرز الحالي الحاصل على الأرض خطوط لا يمكن التراجع عنها، سيزيد من مخاطر التمزق والتشظي، كما أن قيام دولة اتحادية كما يريد البعض في غياب مركز سياسي متوازن يدير العلاقات بين مكونات البلاد سيجعل المسألة في صيغتها الحالية مهزلة ومقدمة لمأساة متكررة.
أعترف أن الجنوبيين لهم مطلق الحق في مطالبة بالوضع الذي يرضيهم ولكن هذا لا يجوز أن يتم بإجراءات أحادية يتخذونها بمفردهم سواء من كان منهم ضمن «الشرعية» أو خارجها، وكم كان مزعجا ومثيرا للهلع أن يتصدى مسؤول أمني كبير لطرح هذه القضية محذرا من حسم الحرب في الشمال قبل إعادة ترتيب الأوضاع في الجنوب.
في الطرف المقابل يصر الرئيس السابق علي عبدالله صالح على الخروج عن السياق، فيصدر عنه الرفض لكل ما نتج عن الحوار الوطني والاعتراض على تقسيم الأقاليم، وأنا لم أكن متعاطفا مع العمليتين ومازلت عند رأيي انهما أديرتا بصورة تعسفية، ولكن تناولهما بهذه الصورة الفجة يجعل من العسير تصور إمكانية التوصل إلى قاعدة مشتركة يكون الوطن هدفها.
في روايته الأشهر (١٩٨٤) يقول جورج أورويل في معرض تناوله لحكم الأحزاب (إننا ندرك أنه ما من أحد يمسك بزمام السلطة وهو ينتوي التخلي عنها. إن السلطة ليست وسيلة بل غاية. إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد، وغاية السلطة هي السلطة).
نقلا عن عكاظ السعودية
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى