أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

فتح طريق تعز المدينة والحوبان يعيد بناء الجسور الاجتماعية بعد سنوات من الانقطاع

يمن مونيتور/من هبة التبعي

” عندما أعلنوا عن فتح الطرقات بين مدينة تعز والحوبان وثقت كل لحظة وكنتُ في أول الصفوف غير مكترث لمَ قد يحدث لي من مخلفات الحرب كالألغام وغيرها، كل الذي كان يهمني حينها، بعد عقد من الزمان أحقًا سألتقي بوالديَّ؟!”، يقول محمد دائل وهو اسم مستعار.

عاش محمد وعائلته قبل الحرب في حي ” الكمب” إلى أن اشتعلت نيران الحرب وبدأت تأكل هذا الحي بشراسة، اضطروا أن ينزحوا إلى ” الحوبان”، حصل محمد على فرصة عمل جيدة في المدينة، فغادر إليها وبقيا والديه في الحوبان لعدة أسباب لا يحب أن يذكرها لنا.

يصفُ محمد لموقع ” يمن مونيتور” شعور الغربة المشين الذي قساه لمدة عشر سنوات وعلامات الأسى واضحة على ملامحه تعبر عن شعور خمسة مليون مواطن، ” ما أقسى أن تعيش على بعد أمتار قليلة من أهلك ولا تستطيع رؤويتهم إلا بشق الأنفس، خمس ساعات من السفر على طرق وعرة قد تودي بحياتك إلى الهواية، وبتكاليف باهضه غير مقدور عليها من قِبل الكثير من الأسر”، يضيف محمد.

تفكك العلاقات

13/ حزيران/ 2024، هو يومٌ تاريخي فاضت دموع الفرح من أعين الكثير من الأسر في محافظة تعز والمناطق المجاور لها، جراء افتتاح طريق المدينة المحاصرة منذُ 2015، واجتمعت العديد من الأسر ببعضها بعد فراق دام لسنوات كثيرة.

” كل فرحة وكل دمعة نزلت من أبناء تعز يوم فتح الطريق هي لامست مشاعرنا وإحساسنا وبالكامل، هذه الفرحة تمثلنا وهي من سعينا من أجلها منذ بداية إغلاق الطريق، سُعدنا جميعًا بهذا الحدث ونتمنى أن يستمر”، يوضح ماهر العبسي، مدير مكتب شؤون الحصار في تعز.

الجهود المبذولة

يقول ماهر العبسي، لموقع ” يمن مونيتور”، الجهود التي بُذلت بدأت من أول يوم بالحرب، من قبل كل أبناء تعز من نشطاء وحقوقيين ومؤثرين في وقفات احتجاجية ومطالبات، حملات إعلامية وصياغة تقارير حقوقية، وفي اجتماعات جنيف لحقوق الإنسان كل أعمالنا شددت على رفع الحصار عن مدينة تعز وفتح الطرقات.

كل الجهود أتت من أجل لَم شمل الأسر وإنهاء معاناة المسافرين، والتخفيف من المأساة التي يقاسيها المواطنين، حسب العبسي.

ويسترسل المدير” كان هناك ضغوط من كافة المجتمع، إضافة إلى السلطات المحلية، من أكبر قادات الدولة إلى أصغر موظف فيها، وبعد تعنت الجماعة عشر سنوات وافقت على ذلك”.

مؤكدًا العبسي أن الحكومة الشرعية والسلطات الحكومية في تعز تعتبر أبناء المحافظة في الشقين مواطنيها وتسعى كل جهدها لإسعادهم وتخفيف المعاناة عنهم.

تفكك العلاقات الاجتماعية

“حصار مدينة تعز سبب في ضرر كبير للعلاقات الاجتماعية كون الحصار بين شقين في المحافظة نفسها، ولدى أبنائها قرابة دم عميقة بالإضافة إلى المأجورة والأرض الواحدة، ورغم هذا ستعود العلاقات الاجتماعية بشكل أسرع وأكثر كون الشعب لديه رأس مال ثقافي وحضاري وتعليمي”، يقول نائف الوافي وهو صحفي ونشاط في تعز.

ويضيف الوافي الحاصل على الماجستير في علم الاجتماع أن المجتمع بكل ما فيه يعاني من موضوع إغلاق الطرقات، فبعض الأبناء ولدوا في سنوات الحرب ولا يعرفون أقربائهم، يكبر هؤلاء الأبناء في ظل فوضى واغتراب عن أهلهم مما يجعلهم يكسبون عادات سيئة ويمارسون أشياء سلبية في ظل عدم وجود الرقابة الإبوائية، الذي يغتربون في الشق الآخر من المحافظة من أجل العمل.

تغييرات اجتماعية إيجابي

بعد فتح شارع أمام المواطنين القاطنين في تعز المدينة والحوبان، من المتوقع أن تشهد المحافظة تغييرات إيجابية كبيرة على المستوى الاجتماعي، يتمثل اولًا في

انتعاش الروابط العائلية والأسرية، حيث سيتمكن أفراد العائلات الواحدة من التواصل والتنقل بسهولة أكبر بعد سنوات من الانقطاع، يفيد للموقع عمران فرحان

ويواصل عمران وهو صحفي مختص بالشؤون الاجتماعية:” ستتجدد هذه العلاقات الأسرية والزيارات المتبادلة بين الأقارب، مما يعزز الترابط والدعم المتبادل، كذلك الزيارات والتجمعات العائلية ستسهم في إعادة بناء الذاكرة الجماعية والشعور بالانتماء، ويمثل ثانيًا في إحياء الأنشطة والتجمعات المجتمعية، سيزداد التواصل بين السكان والمشاركة في الفعاليات والأعراف الاجتماعية، ستنتعش الحياة الثقافية والترفيهية في المدينة، مما يعزز الشعور بالانتماء والهوية المشتركة”.

“أما ثالثًا إعادة بناء الثقة والتماسك الاجتماعي، التواصل المتزايد على استعادة الثقة بين أفراد المجتمع، سيعزز مشاعر الأمان والاستقرار النفسي بعد سنوات من الخوف والقلق وتعزز قيم التعاون والتضامن الاجتماعي من خلال المساعدات المتبادلة”، يقول عمران.

حواجز أسرية

” لأول مرة منذُ عشر سنوات عجاف تمتد عشر أيادي إلى مائدة الطعام الموضوعة في منتصف حجزة منزل الإيجار الضيق الذي نعيش فيه كنازحين”، تقول شيماء غالب.

وتواصل قصتها شيماء لموقع ” يمن مونيتور”:” عندما انعدلت الحرب واشتدت الاشتباكات بين الأطراف في الحي السابق اضطررنا ترك منزلنا الذي نملك، والذي غدا بعدها ضحية هذه الحرب، وكذلك والدي الذي توفى بعد إصابة مفاجأة في ذبحة صدرية جراء هذا الحدث”.

تشتت العائلة بين مناطق مختلفة، حيثما وجد كل منهم عمل يناسبه، وما إن تتاح الفرصة لأحدهم أن يزور والدته وبقية الافراد المقيمين في المنزل لا يجد الآخرين بسبب مشقة السفر، إلى أن افتحت الطريق واستسهل السفر عادوا جميعًا إلى والدتهم ليجتمعوا كلهم على مائدة واحدة، يغمرهم مشاعر غزيرة ودموع فرح وحنين.

تفيد شيماء للموقع:’ لم يسبق لي أن سمعت هذه المسميات “خالة، عمة” من أنسابي وأولاد أخوتي مباشرا، أجد صعوبة في التعامل معهم كوني أقابلهم لأول مرة، أشعر أن هنا حاجز غريب بيننا، ربما الفراق زعزع شيئًا من علاقتنا الاجتماعية”.

التكيف

توضح غادة عبد اللطيف وهي أخصائية نفسية، بأنه أن يجب يكون هناك صبر وتفهم للظروف التي مرت بها كل عائلة، بالإضافة إلى احترام للوقت الذي يحتاجه كل فرد للتكيف.

تضيف غادة: “الأسر المنفصلة فئة محتاجة لدعم نفسي لتعيد بناء علاقتها الاجتماعية بشكل صحيح من خلال جلسات الإرشاد العائلي أو الفردي لمساعدة الأفراد على معالجة صدماتهم وبناء استراتيجيات فعّالة للتكيف”.

وتؤكد غادة على أهمية تعزيز المشاركة في أنشطة جماعية حيث أنها من الممكن أن تساعد في تعزيز الروابط العائلية وتقوية العلاقات من جديد.

آثار نفسية

سنوات انفصال الأسر والبعد القصري الذي فرضه الحصار سببت صدمات نفسية عميقة لفقدان الاتصال الاجتماعي والدعم الأسري، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي قد يعاني منه الأسر المنفصلة، كما توضح الإخصائية غادة.

وتوصل حديثها لـ “يمن مونيتور:” بالإضافة إلى ما سبق، ممكن أن يصابوا بالاكتئاب والقلق، فبسبب الفقدان الطويل للعلاقات الاجتماعية الوثيقة الذي أدى إلى مشاعر العزلة واليأس، كما أن التوتر والصراع العائلي كثير ما يحدث لأفراد تواجههم صعوبة في التكيف مع التغيرات الجديدة وإعادة بناء الثقة والتواصل الفعّال مع بعضهم البعض بعد هذه الفترة الطويلة من الانفصال”.

 

 

 

التحديات المعيشية

الحكومة الشرعية أو السلطات في لجنة التفاوض قدمت تنازلات لأشهر عدة، رتبوا مناطقهم وجبهاتهم، وفجأة دون أي تنسيق بين الأطراف، أعلنوا جماعة الحوثيين فتح الطريق، وهذا سبب إرباك للشرعية في تعز، كما أفاد العبسي.

” كان هناك تحديات كبيرة كون المنطقة خط تماس منذ بداية الحرب، المكان أشبه بالغابة، الجيش قام بتجهيز المنطقة والترتيبات اللوجستية والآمنية في وقت قياسي لا يزيد عن أسبوع، اجتزنا هذه التحديات الصعبة حتى لا يتحجج الحوثي أن السلطات الشرعية هي من ترفض رفع الحصار”، يشير العبسي وهو ناشط حقوقي أيضًا.

وفتح الطريق إلى ومن المدينة كان ومازال عشوائيًا وارتجاليًا إلى اليوم، كون الحوثيين يرفضون أن يكون فتح الطريق برعاية أممية وضمانات دولية تضكن استمرار فتح الطريق وعدم أغلاقها مرة أخري، كما يقول العبسي.

ويؤكد أن فتح بقية الطرقات سيخفف الكثير من معاناة المواطنين بشكل كبير جدًا، وستزول مشاكل عملاقة يواجهها الشعب منذُ بداية الحرب.

أطول حصار على مر التاريخ

بدأ حصار تعز 17/ تشرين أول/ 2015 واستمر 3 ألف يوم، من قِبل الميليشيا الحوثية لأسباب طائفية وديمغرافية وعنصرية، ليصبح أطول حصار على مر التاريخ بل وابشعها على الإطلاق، فهو أطول من حصار سراييفو وستاليذجراد وليننغراد” وأطول أيضا النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه.

شمل الحصار في تعز قطع الطرق البرية والبحرية والجوية التي تربطها ببقية المناطق والمحافظات الخاضعة تحت سيطرة الحوثي، وإغلاق المنافذ والمرافق الحيوية مما يمنع دخول المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية.

وحسب ماهر العبسي، فإن الحصار تسبب بنحو 481 حادث مروري نتج عنه 374 حالة وفاة وإصابة 966 حالة وخسائر قدرت 475 مليون دولار، وتسبب الحصار أيضًا بتضرر 180 مدرسة وإغلاق 31 مدرسة وتسرب 32 ألف طالب وطالبة.

ويضيف بأن عدد الطلاب المتضررين من عدم القدرة للوصول إلى الجامعات بلغ 8000 طالب وطالبة، بالأضافة إلى عدد ضحايا الألغام 1700 قتيل وجريح

كما صرح محافظ محافظة تعز ” نبيل شمسان” في مؤتمر صحفي أن الحصار سبب ازمة مياه تصل إلى 75% من احتياج السكان، وتدمير 50% من شبكة الطرق التي زاد طولها وكلفتها 1000% بينما ارتفعت أسعار السلع 35%.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى