في ممعمة الحرب، كان ثمة طرف متفرج من بعيد ذلك؛ المتفرج هي إيران التي ملأت الفراغ بعد الحرب، وأسقطت العاصمة العربية بغداد في قبضتها. في شهر مارس تقريباً من العام 2016 كتب “جيمس ليونز”، مقالاً في صدر صحيفة واشنطن بوست يقول: “إيران دولة متغطرسة ومعادية للولايات المتحدة، ولكن الإدارة الأمريكية هي التي تشجعها على تلك الغطرسة”، الجرس الذي وضعه ليونز في مقاله لم يكن حدس صحفي فقط، لكنه حد سياسي بالغ الحجم والتأثير كتب على هيئة مقال صحفي.
تاتي التحركات الأمريكية لتعزز ما ذهب إليه ليونز، وآخرها تحركات “كيري” في الاجتماعي الرباعي بجدة السعودية.
التحركات التي تسير في النفق الأسود ذاته الذي يسعى البيت الأبيض لوضع المنطقة العربية والخليح واليمن فيه بقصد أو بدون قصد.
نفق له علاقة بعمامة ولاية الفقية أكثر من علاقته بالديمقراطية التي تقول واشنطن إنها قميتها العليا لكن سياستها في المنطقة تعمل على وضع الديمقراطية في الدرك الأسفل من الجماعات والانقلابات المسلحة..
اليمن والخليج أبرز المتضررين من المقترحات الأمريكية وتحديداً المملكة العربية السعودية التي أصغت كثيراً إلى المقترحات الأمريكية خصوصاً في ثلاثة ملفات عربية حساسة؛ الملف العراقي، والملف السوري، وأخيراً الملف اليمني، ولم تعمل المقترحات الأمريكية أكثر من ذر الرماد في العيون وعلى العقول التي تعاني من بطء في التفكير وربط في الأحداث..
المقترحات ذاتها التي قوضت الوجود العربي في العراق ولم تعمل شيئاً في الملف السوري وتسير بخطى سوداء متعلقة بالملف اليمني الذي لا يخص اليمن فقط بل يخص الأمن القومي للجزيرة العربية برمتها..
حاجتنا إلى إعادة قراءة المقترحات الأمريكية المتعلقة بالعراق في هذا التوقيت الحساس تحديداً، من شأنه أن يجلعنا نعيد قراءة المقترحات الأمريكية ذاتها التي تريد إلحاق اليمن بالمصير العراقي الجريح ضمن مسلسل ما بات يعرف باسقاط العواصم العربية في قبضة المرشد الأعلى لولاية الفقية، وبتسيير أمريكي ضمن القسمة المطولة بين واشنطن وطهران في المنطقة.
عندما كانت الطائرات الأمريكية تتهيأ لقصف العراق، كانت المصارف الخليجية تتهيأ لذلك أيضاً، وكانت براميل النفط تستعد للتعبئة والتفريع وتموين الحرب، خاضت أمريكا الحرب نزولاً عند رغبات المدير العربي في المنطقة في العلن، لكنها كانت تبرم مقاولات باطنية مع الحليف الإيراني وهذا ما أفرزت عنه مخرجات الحرب وواقع اللحظة العراقية الراهنة، وكان آخرها صور الخميني قبل أسابيع التي استوطنت بغداد وتكريت، بينما أصبحت القومية العربية مجرد ذكريات قديمة في المشهد العراقي..
واشنطن حينها خدعت الشارع الأمريكي بكذبة أسلحة الدمار الشامل من أجل حروب بوش الذي استغل إلى حد كبير نزق صدام حسين الذي خرج منهكاً من حربه مع إيران وكان يبحث عن دفء إقتصادي “فقفز” فوق الكويت، وكان غزو الكويت مدخلاً لدخول القوات الأمريكية ونصب قواعدها واجتياحها للمياه البحرية، وبدأت تضرب الحصار تمهيداً للخطوة التالية، وجد صدام نفسه مغدوراً، أراد أن يرتكب حماقات لها صلة بإشفاء الغليل بعد نكران جهوده الحربية ضد إيران.
تخلت دول الخليج عن التزاماتها النفطية وما تيسر من معونات اقتصادية ولو من قبيل المكافأة ضمن سمسرة الحرب بالإنابة.
في ممعمة الحرب، كان ثمة طرف متفرج من بعيد ذلك؛ المتفرج هي إيران التي ملأت الفراغ بعد الحرب، وأسقطت العاصمة العربية بغداد في قبضتها.
استيقظت السعودية ومعها الأمريكان في اليوم التالي للكابوس، وجدت أن أوراقها في العراق زهيدة الصرف والمفعول، غابت الوجوه التي كانت تحاول السعودية أن تملأ بها المشهد العراقي، وجوه ليست على ما يرام، ليست ذات وزن سياسي فاعل وحنكة، شيوخ عشائر ذوو خطاب جهوي، وجدت أنها سلمت العراق لإيران!
أدخلتها المقترحات الأمريكية في ورطة ومعها تورط الخليج؛ المقترحات الأمريكية ذاتها تلوح في الأفق فيما يتعلق بالملف اليمني باشراف دولي. تم اسقاط العاصمة صنعاء في قبضة الذراع الإيراني في اليمن ودول راعية للعملية الانتقالية أشرفت على نقل اليمن من وضع ثورة وحوار إلى إنقلاب وحرب أهلية.
ولم تكتفِ عند هذه الخطوة، لكنها تسعى بلا كلل إلى توجيه الصراع نحو الانقسام الطائفي والبقاء في حالة اللا حسم واللا دولة واللا إستقرار..
وآخرها ما جاء على لسان كيري الذي وضع مقترحات مائلة أشبه بمشطة رأسه الجانبية. بعد أن راقبت واشنطن التحركات الأخيرة للجيش والمقاومة وتغيير الموازين العسكرية لمصلحة الشرعية في الطريق إلى استعادة الدولة، سارعت لإنقاذ ذراع إيران التي تتبناه واشنطن عملياً وإن كانت لا تقول ذلك إعلامياً.
كيري الذي أفرط في تصريحاته مغازلة المخاوف السعودية المهتمة بالشأن اليمني باعتبار ما يخص اليمن يخص الخليج فيما يتعلق بالمصير العربي والأمن القومي وحتى الأمن البحري المتعلق بأمن بحر العرب وأمن البحر الأحمر..