لماذا الحديدة؟.. إضعاف الأصول الاستراتيجية والاقتصادية للحوثيين
يمن مونيتور/ مأرب/ ترجمة خاصة:
قال مركز دراسات إيطالي، يوم الخميس، إن الضربة الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة على ميناء الحديدة في اليمن تمنح الحوثيين فرصاً سياسية لكنها تجلب في الوقت نفسه أضراراً اقتصادية.
وأضاف معهد الدراسات السياسية الإيطالية(ISPI): إذا نفذت إسرائيل سلسلة من الضربات ضد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، باستخدام نفس التكتيكات كما في الحديدة، فإن الخسائر الاقتصادية المطولة للحوثيين من المرجح أن تفوق أي مكاسب سياسية فورية.
وكتب التحليل “إليونورا أرديماني” خبيرة في شؤون اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، وينقله “يمن مونيتور” إلى العربية.
- الضربة الإسرائيلية تعزز موقف الحوثيين على طاولة محور إيران
- لماذا الحوثيون سعداء للغاية بالهجمات الإسرائيلية؟!
- خبراء.. الضربة الإسرائيلية تزيد بؤس اليمنيين وتأثير صفري على الحوثيين
التأثيرات السياسية
في التأثيرات السياسية يقول التحليل إن ضربة الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت ميناء الحديدة من شأنها أن تزيد من تحشيد الحوثيين، كما حدث بالفعل مع الغارات الأمريكية والبريطانية على المواقع العسكرية للحوثيين منذ يناير/كانون الثاني 2024.
وأضاف: ولأول مرة، استهدفت إسرائيل الحركة المسلحة المولودة في صعدة بشكل مباشر في اليمن: فبالنسبة لجماعة شعارها “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، فإن مثل هذا الحدث له معنى سياسي ورمزي ضخم، سيحاول الحوثيون الاستفادة سياسياً من الضربة الجوية الإسرائيلية قدر الإمكان.
وأشارت إلى أن الحوثيين سوف يؤكدون على الخطابات القومية والمعادية للإمبريالية ضد “العدوان” الخارجي لدفع التعبئة الشعبية والتجنيد، وتعزيز الدور الإقليمي الرئيسي الذي اكتسبوه منذ بدأت هجمات البحر الأحمر ضد الشحن في أواخر عام 2023.
التداعيات الاقتصادية والاستراتيجية
ولكن التداعيات الاقتصادية والاستراتيجية للغارة الإسرائيلية على الحديدة لن تكون سهلة على الحوثيين.
ويقول المعهد الإيطالي: تبدو هذه الغارة الجوية مختلفة تمام الاختلاف عن الغارات الأميركية السابقة: إذ استهدفت إسرائيل البنية التحتية الرئيسية لموانئ الحوثيين لإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة بالحركة المسلحة. وفي حين اعتادت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضرب المواقع العسكرية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن (مثل مرافق تخزين الأسلحة ومواقع الرادار وقاذفات الصواريخ ومواقع القيادة والسيطرة)، بحجة حماية ” التدفق الحر للتجارة “، قصفت إسرائيل منشأة للبنية التحتية ذات استخدام مزدوج، تخدم أيضًا أغراضًا مدنية.
يستورد اليمن 90% من احتياجاته الغذائية، وتدخل المساعدات الإنسانية بشكل رئيسي عبر ميناء الحديدة.
وأضاف التحليل: وهذا هو السبب الرئيسي وراء تجنب الولايات المتحدة شن غارات جوية على الميناء حتى الآن، على الرغم من أن الحوثيين يستخدمون المنطقة وجوارها وجزرها أيضًا كمحور لتنفيذ هجمات بحرية وجوية.
وتظهر التقييمات الأولية أن الاحتلال الإسرائيلي دمرَّ خمس رافعات ومحطة كهرباء وعدة ناقلات نفط، مما قلص سعة تخزين الوقود في الميناء من 150 ألف طن إلى 50 ألف طن .
- وسائل إعلام الحرس الثوري تتوعد إسرائيل بالحوثيين
- الولايات المتحدة تدرس وضع الحوثيين في مرتبة “القاعدة” كمنظمة إرهابية
- الولايات المتحدة: انتهى وقت تقديم الأعذار للحوثيين
قضية الأسلحة الإيرانية
وبعد الغارة الجوية، زعمت “إسرائيل أن ميناء الحديدة هو نقطة الدخول التي تستخدمها إيران لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وبالتالي تبنت هذه الحجة لتبرير اختيارها للميناء”.
ويقول التحليل: ومع ذلك، فإن الحديدة وجوارها ليست حاسمة عندما يتعلق الأمر بتسليم الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين: فوفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في عام 2024 ، “لا يوجد دليل يذكر على تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر إلى الحوثيين بين عامي 2015 و2022”.
منذ عام 2015، فرض التحالف الذي تقوده السعودية حظراً على اليمن ، يتألف من حصار بحري للساحل الغربي الذي يسيطر عليه الحوثيون، على الرغم من تعليق القيود المفروضة على السلع المستوردة عبر موانئ البحر الأحمر منذ عام 2023 بسبب الهدنة في اليمن (2022). وتم تكليف آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) -التي أنشئت في عام 2016 بناءً على طلب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بالتحقق من أن السفن التجارية التي تصل إلى الحديدة لا تحمل أسلحة وذخائر- بالاستمرار بالعمل. وهذا يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 (2015) الذي وافق على حظر الأسلحة المفروض على قيادة الحوثيين (ثم تم تمديده ليشمل المجموعة بأكملها في عام 2022).
ومنذ الاتفاق على الهدنة الوطنية، تواصل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش عمليات التفتيش ولكنها تتعامل مع المزيد من السفن، بما في ذلك الحاويات.
ويشير التحليل إلى أن هذه العوامل “تفسر لماذا من غير المرجح أن يكون ميناء الحديدة المدخل الرئيسي للأسلحة الإيرانية إلى اليمن”.
فوفقًا للتقرير النهائي لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن 2021، هناك طريقان رئيسيان لنقل الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن. الأول، والذي يستخدم بشكل أساسي لتهريب مكونات الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر المراكب الشراعية، هو الحدود البرية المسامية بين عمان واليمن، أو مباشرة الموانئ اليمنية في المهرة (بالقرب من الحدود العمانية) ومحافظة حضرموت، في بحر العرب. أما الطريق الثاني، والذي يستخدم في المقام الأول للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، فيتضمن إعادة الشحن في البحر قبالة سواحل الصومال إلى الموانئ اليمنية في بحر العرب.
استمر اشتعال النيران في ميناء الحديدة منذ السبت وحتى الثلاثاء بفعل الغارات الإسرائيلية pic.twitter.com/icPMLgKw6A
— يمن مونيتور (@YeMonitor) July 23, 2024
لماذا الحديدة؟.. إضعاف الأصول الاستراتيجية والاقتصادية للحوثيين
وبالتالي –يقول التحليل- فإن ضرب ميناء الحديدة يعني في المقام الأول محاولة إضعاف الأصول الاستراتيجية والاقتصادية للحوثيين، من أجل إضعاف القدرات الهجومية والشريان المالي للحركة المسلحة. وتساهم عائدات الموانئ بشكل كبير في تمويل المجهود الحربي للحوثيين، و”حكومتهم”.
ووقع الحوثيون على اتفاق ستوكهولم الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في عام 2018، والذي منع هجومًا بريًا لاستعادة المدينة الساحلية. وقد صمد وقف إطلاق النار في الحديدة والموانئ المجاورة، رأس عيسى والصليف، إلى حد كبير حتى الآن. ومع ذلك، لم يتراجع الحوثيون أبدًا عن المدينة التي لا يزالون يسيطرون عليها ولم يتخلوا عن عائدات الموانئ. وتمثل عائدات ميناء الحديدة أكثر من 40٪ من دخل الجمارك في اليمن.
ويضيف: علاوة على ذلك، أدى تخفيف الحظر السعودي على الوقود على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب هدنة عام 2022 إلى زيادة دخول ميناء الحديدة، حيث يتلقى الحوثيون الآن ” إيرادات جمركية كبيرة ” من قطاع الوقود. كما يحول الحوثيون البضائع المستوردة من عدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي المنافس (جزء من المؤسسات المعترف بها دوليًا)، إلى الحديدة، لمزيد من خفض موارد الحكومة المالية.
وعلى وجه التحديد، حذرت الجماعة المسلحة التجار من أنه لن يُسمح لأي بضائع يتم شحنها عبر ميناء عدن بدخول الشمال الغربي الذي يسيطر عليه الحوثيون. ووفقًا للأمم المتحدة، كسب الحوثيون حوالي 4 ملايين دولار من الخدمات البحرية في النصف الأول من عام 2023، وهو مبلغ من المتوقع أن يرتفع في الفترة اللاحقة.
وخلصت الخبيرة في شؤون اليمن إلى أنه “لهذه الأسباب فإن ضرب ميناء الحديدة يتعلق في المقام الأول بأهداف اقتصادية واستراتيجية ، ويضيف ديناميكية جديدة وقوية إلى السيناريو اليمني، ويضر بجوهر مصالح الحوثيين أكثر من الهجمات الأميركية السابقة”.