ما تعنيه الخطة الأمريكية الجديدة في اليمن (تحليل)
لم تكن خطة وزير الخارجية الأمريكي التي أعلن عنها، اليوم الخميس، بشأن إنهاء الأزمة السياسية في اليمن سوى طريقة أمريكية قديمة في سياسة عدم الاعتراف بشرعيات الدول، والتعامل مع أطراف نزاع محددة يُفرض عليها الحل الأمريكي الذي يراه خياراً بين خيارين كانت الحكومة تباطء في التحرك نحوه بالعودة إلى البلاد. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عدنان هاشم
لم تكن خطة وزير الخارجية الأمريكي التي أعلن عنها، اليوم الخميس، بشأن إنهاء الأزمة السياسية في اليمن سوى طريقة أمريكية قديمة في سياسة عدم الاعتراف بشرعيات الدول، والتعامل مع أطراف نزاع محددة يُفرض عليها الحل الأمريكي الذي يراه خياراً بين خيارين كانت الحكومة تباطىء في التحرك نحوه بالعودة إلى البلاد.
وعلى عكس ما كان متوقعاً من تشديد أمريكي في الاجتماع الخماسي الذي جمع وزراء خارجية السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا و المبعوث الأممي إلى اليمن في جدة، على ضرورة عودة الحكومة المنتخب رئيسها شرعياً للسلطة في صنعاء، فلم يذكر جون كيري أثناء مؤتمره الصحافي مع عادل الجبير- وزير الخارجية السعودي- الشرعية اليمنية وتجاهلها بشكل مفرط -لايكون في العادة- داعياً إلى “اتفاق نهائي يتضمن حكومة وحدة وطنية وسحب الحوثيين قواتهم من صنعاء ولإعادة المفاوضات بين أطراف الأزمة اليمنية في مسارين أمني وسياسي”.
يُلمح كيري إلى “التوازي” في المسارين، وليس التدرج كما جاءت الخطة الأممية التي دعمها وطالب الحوثيين بتوقيعها بداية أغسطس/ آب الجاري. الولايات المتحدة تنظر إلى اليمن بصفتها تهديد إقليمي وليس للجماعات المسلحة بشكلها العام لكن فقد تنظيم القاعدة، لذلك لا توجد موانع لدى واشنطن من التعامل مع سلطة الحوثيين كأمر واقع من أجل محاربتها كما حدث سابقاً عقب اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول2014م.
وكما تجاهل كيري “الحكومة الشرعية” تجاهل الرجل كون جماعة الحوثي، ميلشيا مسلحة، وليست حزب سياسي دخل في انتخابات ديمقراطية وحصل على الأغلبية البرلمانية ورفضت السلطة تسليمه مقاليد الحكومة، وبانتهاك فجّ لكل المعايير الدولية تجاهل أن الجماعة وحليفها الرئيس اليمني السابق استحلوا السلطة بالسلاح وطاردوا رئيس منتخب متوسعين في كل المحافظات، حتى تدخل التحالف العربي أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة.
من خلال عرض كيري السريع لمخطط الولايات المتحدة لإنهاء الأزمة في اليمن، تبيّن أن الحوثيين سيضمنون نصيب الأقلية في اليمن، وهو من منظور آخر يشبه مخطط بقاء السلاح بيد حزب الله اللبناني في اتفاق الطائف (1989) الذي أعطى الحزب الثلث المُعطل؛ فلم تنتهِ أزمات لبنان من حينه.
وتحدث الوزير الأمريكي عن الحاجة لتسليم الحوثيين لسلاحهم إلى طرف ثالث، الذي وصفه بـ”المحايد”، غير الجيش اليمني!، ما يعني لا حاجة للأمريكيين بعودة الدولة اليمنية لبسط نفوذها محلياً طالما أن الجيش والجماعة المسلحة في فسطاط واحد؛ وفي ذلك خدمة كبيرة وتقدير لتقاربها (واشنطن) مع طهران الأخير، والمزيد من سخرية موسكو من السياسة الأمريكية المتضاربة حيّال الشرق الأوسط.
يشير المخطط الأمريكي لإنهاء الأزمة إلى رغبة “الحوثي-صالح” بالتعامل وفق شرعيتين “لا شرعية لهما” شرعية “صالح الصماد” في مجلس رئاسي فاقد الأهلية وأسسه حليفان في انقلاب شامل على الدولة، وبين شرعية رئيس منتخب كان أكبر حلفاء الولايات المتحدة وأحد أبرز المتعاونين معها في مكافحة الإرهاب، مساواة بين شرعية حكومة منتخبة وميليشيا مسلحة.
وهذا بمثابة تأكيد أن هذا “المجلس السياسي” جاء بـ”رغبة أمريكية” و إيعاز أمريكي، من أجل أن يعطي كيري شرعية لمخططه الجديد بشأن انهاء الأزمة في البلاد الذي تمزقها الحرب منذ 17 شهراً، من أجل عودة الدولة اليمنية المنشودة التي تضمن المواطنة المتساوية لا “حق إلهي” لطرف ولا إرادة “السلاح” تطغى على إرادة “الشعب”.
ويبدو أيضاً أنها ليست رغبة واشنطن وحدها، فحديث كيري في المؤتمر الصحافي، كان باسم وزراء الخارجية الآخرين والمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، فكثيراً ما كرر “اتفقنا” و”خرجنا”!؛ الأمريكيون منذ إقالة خالد بحاح رئيس الوزراء نائب الرئيس، في أبريل/ نيسان الماضي، وهي لا تعنيها بقاء شرعية “هادي” من عدمه، أو ممارسة صلاحيته.
لن تنهِ خطة كيري حالة الجمود السياسي في اليمن، لكنها ستفعّل الحكومة الشرعية من أجل التحرك سريعاً لبسط سيطرتها ونفوذها وحكم شعبها، لأن جمودها/ تباطؤها في العودة لداخل البلاد هو أحد أسباب واشنطن لتقديم الخطة، فعندما لا تختار الحكومة أحد خياراتها يختار لها الآخرون ذلك، وقد تم الخيار من قبل الرباعية الدولية.