التحديات لا تتوقف عند حدود الإمكانيات وإن كانت هي الأهم بطبيعة الحال، ولكنها أيضاً تتعلق بمواقف الأطراف المؤثرة في مجريات الأحداث وفي المقدمة التحالف العربي. نجحت المقاومة في محافظة تعز في تحدي الصعوبات الهائلة التي تعترض طريقها، وتحول دون إنجاز مهمة التحرير، ونجحت في اجتراح النموذج الأكثر نجاحاً للتشكيلات المقاومة في كل بلدان الربيع العربي، وبقي أن نتحدث اليوم عن أهمية إسناد هذا المشروع المقاوم أداء سياسي كفؤ وفعال.
التحديات لا تتوقف عند حدود الإمكانيات وإن كانت هي الأهم بطبيعة الحال، ولكنها أيضاً تتعلق بمواقف الأطراف المؤثرة في مجريات الأحداث وفي المقدمة التحالف العربي.
أنجزت المقاومة انتصارها الثالث على قوات المخلوع صالح وميلشيا التي تفوق المقدمة عدة وعتاداً، وتتمتع بفارق كبير في الخبرات القتالية بالنظر إلى أنها تعتمد على فرق النخبة في الجيش السابق الموالي للمخلوع صالح.
في البدء تمكنت المقاومة من تحرير وسط المدينة، ومرافق ومنشآت حيوية، بما فيها قصر المخلوع صالح، وفي الموجة الثانية تمكنت توسيع نطاق المناطق المحررة لتصل إلى معسكر اللواء 35، مع نجاحها في كسر الحصار المفروض من الناحية الجنوبية الغربية أي من جهة الضباب، وهذه المرة تمكنت من إعادة فك الحصار من المنفذ نفسه ولكن بعد أن سيطرت على جبل هان المطل على المدخل الجنوبي الغربي، وتحرير معظم أحياء الجحملية وصالة، وموقع المكلكل الذي كان يتحصن فيها الانقلابيون ويقصفون منه مناطق عدة من مدينة تعز.
إنجازات المقاومة في تعز تأخذ طابع المغامرة، وتعتمد على شجاعة المقاتلين وعلى إيمانهم بحقهم في الحياة والحرية، ولا تحظى في الغالب بدعم كافً من التحالف العربي، إذ أنه لو توفر هذا الدعم بالوتيرة نفسها الذي كانت عليه في عدن وقاعدة العند، فإن تحرير تعز كان سيصبح حدثاً قديماً.
لا يقاتل أبناء تعز على قاعدة النفير العام، فلا يزال القتال فرض كفاية، رغم أن مهمة وطنية كهذه لا يجوز أن تسقط على الأغلبية لمجرد أن هناك مجموعة من الشجعان قررت المقاومة مهما كان الثمن.
تعرضت جبهة المقاومة في تعز لمحاولة اختراق وإعادة هندسة للعلاقة بين مكوناتها، بما يتفق مع الأجندات الداخلية والخارجية، ولا شك أن ذلك أثر في أداء المقاومة لكن ليس بالعمق نفسه الذي نراه في التشكيلات المقاومة في أكثر من بلد عربي، فقد نجحت المقاومة في إبقاء تماسكها متيناً ولهذا هي تنجح في لحظات استثنائية في تحقيق هذه الاختراقات المشرفة التي تجعل منها أنموذجاً للمقاومة المكافحة التي تتغلب على تحديات الواقع بهذا القدر من الشجاعة والإقدام.
تحتاج المقاومة في تعز كما في بقية محافظات الجمهورية اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إطار سياسي جامع، يتحرر من الالتزام تجاه أي موقف حزب أو تنظيم أو أيديولوجيا، بل يكون مستوعباً لكل الألوان والأطياف، أي أنه إطار يتماثل مع المقاومة من حيث التنوع، لكنه متماسك من حيث الأهداف المرحلية وطويلة الأمد والمتعلقة بحاضر ومستقبل اليمن.
يفترض أن يؤمن هذا الإطار السياسي أداء مرناً وقدرة في التعبير عن المواقف، ويكون بوسعه استثمار حضور المقاومة في الساحة الوطنية، في تعزيز المشروع الوطني ومناهضة أية ترتيبات قد تأخذه بعيداً عن أولويات الشعب اليمني وثوابته الوطنية المعتبرة وفي المقدمة منها الجمهورية والوحدة والنظام الديمقراطي التعددي.
لا يجب أن ينتظر هذا الطيف الواسع من الشعب اليمني الذي يقف خلف المقاومة، التحالف والسلطة الشرعية، اللذين يتعرضان لقيود كبيرة وضغوط هائلة، حتى يجبرا على الذهاب إلى صيغ غير مقبولة للحل ولا تلبي تطلعات هذا الشعب، لهذا نحتاج إلى أن نعزز جهد التحالف والسلطة الشرعية والمقاومة بجهد سياسي أكثر ديناميكية. وهذا ما نعمل من أجله، ونأمل أن يرى النور قريباً.