في اليمن، لا أحد يستبعد أن يتم تعزيز التقسيم لأنها تسير على فرضية أن هناك توازن عسكري على الأرض بين الحكومة وتحالف الحوثي وصالح، ولم يعد أحد قادر على اقتلاع الآخر. اختزلت مؤسسة “راند” الأمريكية في أحدث تقرير لها واقع الصراع والحل في سوريا في نظرية تقول إنه لا حل بالحرب، والمطالبة برحيل الأسد، وأن مشروع وقف إطلاق النار هو الأفضل الذي سيفضي إلى بقاء كل فصيل على الأرض التي يسيطر عليها.
ذهب واضعو التقرير إلى تهشيم أكبر فرضية ما زالت هي سبب استمرار الصراع وهي مسألة الحُكم، فقاموا باقتراح الابتعاد عن هذا المُشكل المُعقد للحديث عن وقف الحرب أولاً، ثم الحديث عن الحكم المحلي وإدارة كل فصيل لمربعه الذي سيطر عليه.
وبالنظر إلى خارطة سوريا العسكرية فهي مقسمة بين الفصائل التالية: مناطق يسيطر عليها الأسد وأهما دمشق وأجزاء من غرب سوريا ومناطق يسيطر عليها الأكراد أهمها “كوباني”، ومناطق تحت سيطرة الفصائل المعارضة وأهما حلب، وأجزاء واسعة تسيطر عليها تنظيم الدولة ومركزها الرقة.
هذه الخريطة توضح تقسيم سوريا، بنظر راند، الى أربع مناطق، ودافعت عن هذه الرؤية باعتبار أنه لا حل غير هذه الخطوات سوى استمرار في الحرب الذي أصبحت سوريا فيها توزان عسكري بفعل التداخلات الدولية والاقليمية، شيء مستثنى هو استعادة المناطق من يد تنظيم الدولة بعد استقرار المناطق الثلاث.
وقبل أن تجادل راند عن دقة ما ذهبت إليه من الحلول فقد وضعت عدة حقائق وهي: أن موضوع إنهاء بشار الأسد تحت مقولة “سيرحل الأسد مهما كلف الأمر”؛ ذهبت ولم يعد هذا التوجه قابل للتطبيق عملياً بل أصبح موضوع الأسد توافقي.
الحقيقة الثانية أن رفض هذه الرؤية معناة استمرار الصراع الذي يفضي إلى مزيد من المعاناة واللاجئين مع توزان قوى عسكرية على الأرض.
هذا أمر هو الواقع والحل هو إحلال “الحكم المحلي” وفي هذا تفصيل لكن أي رفض في تفاصيل هذا الحل معناه العودة من جديد للحرب وهذا أسوأ مشهد من مشهد التقسيم أصلاً، كما تقول راند.
ورغم أن هذه الخارطة يمكن لقارئ التقرير المعزز بحقائق وواقعية؛ أن يقتنع بها إلاّ أن أن خطورة هذه الرؤية تأتي في سياق الحديث الجدلي الواسع عن “خارطة شرق أوسط جديد” على أنقاض “سايكس بيكيو”، وما يجري على سوريا يجري على بقية دول المنطقة.
في اليمن، لا أحد يستبعد أن يتم تعزيز التقسيم لأنها تسير على فرضية أن هناك توازن عسكري على الأرض بين الحكومة وتحالف الحوثي وصالح، ولم يعد أحد قادر على اقتلاع الآخر.
ورغم الاختلاف، النسبي، بين المشهد اليمني والسوري، إلاّ أن هناك نقطة التقاء بين المشهدين وهي أن هناك توجه دولي ممنهج للوصول إلى توازن عسكري بين أطراف الصراع ووضع حدود عسكرية على الأرض لكل طرف سيطر على منطقته، حينها يتدخل الفاعلون الدوليون للقول لابد من السلام ووقف الحرب.
عند هذه النقطة يستجيب أطراف الصراع فتتوقف الحرب ويبقى كل واحد بمنطقته هي في الأصل حدود سياسية، حينها يتم الحديث عن خيارين إما بقاء كل واحد في منطقته ويتم إدارتها محلياً، إما على شكل أقاليم أو حكم ذاتي أو …، أو الذهاب للحرب التي هي أكثر كلفة من التقسيم!
هذا ما يحصل في اليمن، تماماً، ولذلك ورغم شرعية الحكومة وما تملكه من إمكانية التقدم العسكري لاستعادة المدن بدعم من قوات التحالف إلاّ أن المدفعية توقفت على مشارف صنعاء، بفعل تدخل فاعلين دوليين ليفرضوا مشاورات نتائجها صفرية، واعطاء تحالف الحوثي وصالح فرصة لالتقاط الأنفاس للعودة من جديد عسكرياً.
وما يعكسه تقرير راند من خطورة على اليمن، رغم أن التقرير خاص بسوريا، ليس التقسيم فاليمن أصبحت ستة أقاليم في اتفاقيات مؤتمر الحوار، ولكن الخطورة في فرض واقع ما بعد الأقاليم وهو تمكين الحوثيين في المناطق الشمالية باعتبار أنهم لا يزالون يسيطرون على أغلبها.
وأما العاصمة صنعاء فربما يتم خروج الحوثيين منها بطريقة شكلية بحلول سياسية ولكنها ستبقى محاطة بحزام حوثي له القدرة على خنق من فيها بأي لحظة، هذا في حال لم يتم استعادة العاصمة بطريقة عسكرية.
وتبقى المناطق الجنوبية بعيدة عن سيطرة الحوثيين إن لم يتم اعطائهم الحكم الذاتي فستكون قطعة أشبه بمنطقة كوباني في سوريا حسب ما تراه الدول الكبرى.
وحين يتم بناء توقعات على هذا النحو التي ربما لن تلاقي شكلاً عملياً في اليمن، إلاّ أنه حين يكون مستوحى من تقرير عدته راند فهذا ما يوجب الاستنفار لأن هذه المؤسسة أكثر ارتباطا بالبيت الأبيض وواضعو تقاريرها مسؤولين في الإدارة الأمريكية.