في السياسة الدولية لا يوجد مسلمات، لكن هناك أسس متعارف عليها، ولأجل تلك الأسس يعيش الإيرانيون في القضية اليمنية حالة اضطراب ترغب بالاعتراف بسلطة الحوثيين وحليفهم “صالح” وتمتنع لأسباب عدة منها السبب الدولي، والخوف من المعاملة بالمثل إن حدث في بلادها تمرد سريع احتل طهران.
في السياسة الدولية لا يوجد مسلمات، لكن هناك أسس متعارف عليها، ولأجل تلك الأسس يعيش الإيرانيون في القضية اليمنية حالة اضطراب ترغب بالاعتراف بسلطة الحوثيين وحليفهم “صالح” وتمتنع لأسباب عدة منها السبب الدولي، والخوف من المعاملة بالمثل إن حدث في بلادها تمرد سريع احتل طهران.
حتى الآن وإن كانت تتعامل طهران مع المسؤولين الحوثيين برسمية مبالغ فيها إلا إنها لا تعترف بسلطتهم بشكل رسمي-معلن، كما أنها أيضاً لا تعترف بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
عندما أعلن الحوثيون عن تشكيل “مجلس سياسي” بالشراكة مع “صالح” بالغ المسؤولون الإيرانيون في مدى قدرته على تحقيق أهدافهم في اليمن، ليصابوا بخيبة أمل من التمثيل البرلماني الذي حضر جلسة النواب، ودخول الحوثيين في جدل دستوري وقانوني وشعبي، وفوجئوا بحجم السخط الدولي جراء قيام هذا المجلس، ومع ذلك استمرت حالة الإنكار الإيراني ليتحول الموضوع من مسألة الاعتراف بالمجلس السياسي إلى الإشادة بجلسة برلمان منقوصة في الدعوة والدستور والتصويت والعدد.
تحدث الرئيس اليمني أن (مجلس الانقلابيين السياسي) ينقل التجربة الإيرانية، وفيه جزء من الحقيقة فالتجربة الإيرانية لم تتمثل فقط في المجلس السياسي الذي يشابه في مهامه مهام المجلس الثوري الإيراني الذي ظل سرياً بعد اندلاع الثورة الإيرانية وكشف عنه بعد عام (1979-1980)، فالمجلس الثوري الإيراني جرى تشكيله من 14 شخصاً منهم 7 متدينين و7 من العلمانيين-جرى تصفية التيار العلماني في أعوام لاحقه- فيما جرى تشكيل مجلس صالح-الحوثي مناصفة من خمسة أشخاص، لإدارة البلاد. واهتم المجلس الإيراني -كما سيهتم اليمني- بإصدار مئات الأحكام والقوانين، التي تتعامل مع كل شيء من تأميم البنوك إلى رواتب عمال النظافة.
يستنسخ الحوثيون التجربة الإيرانية بإمعان من الألفاظ: “الشهيد القائد رضوان الله عليه”، و”من هدي الشهيد القائد”، من أقوال “القائد رضوان الله عليه”؛ وحتى استنساخ نمط النظام بإيجاد هيكلين للسلطة (حكومية وتابعة للمرشد) بدأه الحوثيون منذ فبراير2015م بتشكيل اللجنة الثورية العليا و وضعوا ممثلاً عنها في كل مؤسسة حكومية من رئاسة الوزراء وحتى قسم الشرطة في العزّل النائية، إضافة إلى استنساخ “الأحزاب” و “الأدوار الحكومية”. وتحول عبدالملك الحوثي إلى ما يشبه “المرشد الأعلى” قبل مارس/آذار 2015م، عندما كان يدعو الأحزاب للتشاور والحوار، وكأنه ليس طرفاً اجتاح العاصمة ودمر الدولة اليمنية.
ولأن اليمن يمتلك ديمقراطية وليدة فهيّ عصّب التحرك الإيراني. جعفر قنادباشی الذي يُعرف في إيران بصفته خبير في شؤون الشرق الأوسط -الرجل جزء من منظومة التنظير في الحرس الثوري- بعتقد أن أبعاد هذه المجلس السياسي تشبه نواة “النظام الإيراني” ويشير إلى عدة أبعاد من بينها أن اليمن سيقوم بتشكيل حكومة إسلامية ديمقراطية. وهي الحكومة التي نظّر لها روح الله الخميني قائد الثورة الإيرانية.
التحليل الذي كتبه قنادباشي نشر في صحيفة “الوقت الإيرانية” الناطقة بالفارسية، (17أغسطس/آب) الحالي، تحت عنوان “أهداف الاتفاق اليمني-اليمني متعددة الأبعاد”. وزعم “أن السعودية قد استخدمت كل ما بوسعها طوال الأعوام الخمسة الماضية لمنع تشكيل (حكومة إسلامية ديمقراطية)”.
تتوتر إيران من أي حديث عن حوار في اليمن يوقف إطالة الحرب على الحدود السعودية، لكنها في نفس الوقت ترى إن خروج الحوثيين من العزلة التي فرضها التحالف العربي، فحلفاءها حققوا استثماراً واسعاً في سوق العلاقات والاعتراف الدولي، وتراه إيران “لا يعني إلا معنى واحداً.. وهو انكسار شوكة (عباد الأصنام الجدد)”. في تعبير “محسن رضائي”-أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، وحسب العقيد حسين سلامي -نائب الحرس الثوري فهو: “تمكين قادم للصحوة الإسلامية-مصطلح تصدير الثورة الإيرانية- في اليمن على يد الحوثيين”، وهو بالتأكيد ما يراه سلامي الذي خطب في يوم “الحرس الثوري”-10مايو/آيار- “أن انتصار الحوثيين هو انتصار جديد سيدفع إلى الأمام الحراك في البحرين، وحزب الله والحشد الشعبي”. فما يهم إيران هو فقط بقاء الحدود الجنوبي للرياض مشغولة وإقلاق أمن شبه الجزيرة العربية من قبل ميليشياتها في البحرين والعراق ولبنان. وهو بالتأكيد ما يحققه المجلس السياسي للحوثيين فبدون وجود اعتراف دولي وفقدان الثقة في الحوثيين كطرف يمني يريد السلام سيدفعهم للقتال على الحدود وهذا ما حدث؛ ولذلك حذر قنادباشي الحوثيين من الدخول في حوار ومشاورات جديدة بالقول: ” استمرار تلك المفاوضات يعني فسح المجال أمام السعودية وبقية الدول الرجعية ومن ورائهم الغرب للتدخل في إيجاد نظام سياسي جديد في اليمن كما يروق لهم”. ولأجل ذلك رفض وفد الحوثيين المقيم في “مسقط” لقاء المبعوث الأممي “إسماعيل ولد الشيخ أحمد” يوم (السبت) 20 أغسطس/ آب.
تكون السعادة الإيرانية في عزّ نشوتها عندما يتذكرون أن السعودية تخوض حرب استنزاف على الحدود مع اليمن، مايعني إرضاخها بالقوة لإنهاء القطيعة والجلوس مع إيران في طاولة واحدة،-وليس الجلوس مع مجلس (الحوثي-صالح). وهو ما أكده سفير إيران السابق في السعودية “احمد دستمالچیان” وفي مقابلة مع وكالة أيلينا (19 يوليو/ تموز) تحدث بالقول: “السعودية تخوض حرب استنزاف في اليمن، لمصلحة إيران”، فمع الضغوط الغربية والأمريكية والضغط العسكري على الحدود سيتم إجبار الرياض على الجلوس مع إيران في طاولة حوار واحده، وإنهاء القطيعة، والوصول إلى حل لأزمات المنطقة”؛ وهو ما تحدث عنه قائد القوات البحرية في الجيش الايراني الادميرال حبيب الله سياري (24 يوليو/تموز) من أن بلاده “قوة كبيرة في المنطقة و لن يكتب النجاح لأي مشروع أو حلّ في المنطقة دون الرجوع اليها”.
تحقيق عالمية الحوثيين وإدخال السعودية في حرب استنزاف طويلة الأمد حتى الرضوخ، لا يشمل فقط المعنى العسكري فالمهمة الأصلية هي ممارسة ضغوط دولية كبيرة على الرياض من أجل انهاكها دولياً ويبدو أن التحركات في الكونجرس الأمريكي وداخل حكومة الظل البريطانية، والتعليقات الكندية والسويسرية تقف خلفها إيران ومكاتب العلاقات العامة التابعة لها في الغرب. وفي ظل ذلك يرى جواد أمدادي وهو باحث إيران في تحليل نشره في موقع الوقت (3 أغسطس/آب) إن على المجلس “اتخاذ إجراءات قانونية مكثفة ضد المملكة العربية السعودية وإلزامها بتقديم تعويضات لـ”اليمن”.” كما أن “هذا الوضع الجديد سيكون هناك هزيمة استراتيجية للسعوديين بشكل لا غبار عليه”. ومن شأن ذلك اهدار المزيد من قوة السعودية الناعمة.
لكن ما المانع من أن إيران لم تعترف بـ”المجلس السياسي” فهو يمثل مخرجها الرئيس وأداتها الكبرى للضغط على السعودية؟؛ السبب أن إيران وجدت نفسها مصدومة كوّن الحوثيين لم يحققوا تلك “العالمية” المنشودة، ولم يستطيعوا بأي حال من الأحوال كسّب دول غربية ذات ثقل في مجلس الأمن الدولي بما في ذلك روسيا، بالرغم من بقاء وفد للحوثيين أسبوعين في موسكو ومع ذلك عائد خائباً إلى طهران. وليس بمقدورها أن تعترف بسلطة لا أحد يعترف بها بما في ذلك مواطنوها في الداخل، فلو كان الحوثيون-صالح يمتلكون شعبية لما قاموا بالانقلاب من أساسه، وسيكون الضغط من أجل انتخابات مبكرة هو الأسلم، وهو ما عبر عنه أيضاً شخصيات البرلمان فحجم الذين حضروا الجلسة والأسس التي قام عليها مجلس “الحوثي-صالح” تشير إلى أن ما تبقى مع حليفهم في اليمن هو القليل فقط من الولاءات فيما القوات العسكرية للحكومة اليمنية تقترب من وسط صنعاء، وتستعد لإكمال تحرير تعز؛ كما أن مبرر “تنظيم القاعدة” الذي دائماً ما تشير إيران إليه قد انزاح مع تحرير حضرموت وأبين مؤخراً، وتعزيز الأمن في عدن وباقي المحافظات المحررة؛ ومايشير إلى تعزيز الأمن هو عودة القنصلية الهندية للعمل في عدن حسبما أعلنه أحمد عبيد بن دغر رئيس الحكومة.
لذلك ليس أمام إيران إلا إبقاء الحوثيين في الحدود السعودية من أجل ارباكها دولياً، وتكثيف النشاط الدولي من أجل إهدار ما يمكن من هيبة المملكة العربية السعودية فيما يتعلق باليمن، ويبدو أنها تجد صعوبة أكبر من أجل التقليل من شرعية الحكومة اليمنية في وقت تحشد دبلوماسيتها تجاه الغرب، ولقاءات عديدة بين جنيف والرياض من أجل “تعرّية” خطوات الحوثيين في صنعاء، إلى جانب إيقاف عمل “البنك المركزي في صنعاء” بتجميد الأرصدة و وقف التعامل معه داخلياً وخارجياً.
وبذلك سيجد الحوثيون أنهم ورطوا أنفسهم في “الجحيم” بتلك الخطوات وبالاستماع لتلك الاستشارات الإيرانية، واستنساخ تجاربها في اليمن.