دليل أحفوري يكشف الجانب الرؤوف لأسلاف البشر
يمن مونيتور/قسم الأخبار
اكتشف علماء أول دليل أحفوري على وجود متلازمة “داون” لدى إنسان الـ”نياندرتال” مما يقدم رؤى جديدة حول التعاطف الذي أظهره أسلاف البشر تجاه الضعفاء من أفراد مجموعاتهم.
ودرس علماء الأنثروبولوجيا بقايا هيكل عظمي لطفلة من إنسان “نياندرتال” أطلق عليها اسم تينا، وكان عثر عليها في كهف في فالنسيا بإسبانيا.
وكشفت الحفريات أن عدداً صغيراً من الأفراد مكثوا في كهف “كوفا نيغرا” لفترات زمنية قصيرة، فيما احتلته في فترات أخرى حيوانات من أكلة اللحوم.
وتحدث في هذا الشأن فالنتين فيلافيردي باحث مشارك في الدراسة قائلاً إن “أعمال الحفريات في كهف ’كوفا نيغرا‘ اكتست أهمية كبيرة في فهم أسلوب حياة الـ”نياندرتاليين” على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في شبه الجزيرة الأيبيرية، مما سمح لنا بتحديد الأعمال التي قام بها سكان المستوطنة”.
وأجرى الباحثون وبعضهم من “جامعة فالنسيا” في إسبانيا فحوصاً بالأشعة المقطعية لجزء من جمجمة الطفلة. ودرسوا جزءاً مما يسمى العظم الصدغي الأيمن الذي يحوي منطقة الأذن، وأعادوا بناء نموذج ثلاثي الأبعاد بغية إنجاز عمليات القياس والتحليل المطلوبة.
وفي النتيجة، كشفت الدراسة أن تينا عانت حالاً صحية موروثة في الأذن الداخلية مرتبطة بمتلازمة “داون”، ومعروفة بأنها تؤدي إلى فقدان شديد في حاسة السمع وإلى دوار قوي يترك المريض في حال من اللاتوازن والعجز.
وفي الواقع ترتبط متلازمة “داون” بمجموعة من الإعاقات الجسدية والعقلية من بينها تشوهات الأذن الداخلية. وتؤثر هذه الحال الوراثية سلباً في النمو الجسدي والمعرفي وتؤثر بصورة كبيرة في جميع مراحل نمو الطفل، بما في ذلك التأخر في المشي وتطور النطق.
وفي حين ارتفع متوسط العمر المتوقع للأطفال المصابين بهذه الحالة إلى 60 عاماً في البلدان المتقدمة بفضل التطور الحاصل في مجال الرعاية الصحية، إلا أنه كان تسعة أعوام فقط حتى عام 1930.
وتشير بقايا العظام إلى أن تينا بقيت على قيد الحياة حتى عمر ستة أعوام في أقل تقدير، ومن المحتمل أنها احتاجت إلى رعاية مكثفة من أفراد آخرين من النياندرتال في مجموعتها الاجتماعية.
ويقول العلماء إن هذه النتائج لها آثار كبيرة على فهمنا لسلوك إنسان النياندرتال. على رغم أن الباحثين عرفوا منذ عقود أن إنسان النياندرتال كان يهتم بالأفراد المعاقين فإن الدراسات السابقة لم توثق مثل هذه الرعاية الاجتماعية إلا للبالغين فحسب. ودفع هذا الأمر بعض العلماء إلى التساؤل عما إذا كانت رعاية إنسان نياندرتال إيثارية حقاً أم أنها كانت مجرد علاقة تسودها المعاملة بالمثل بين طرفين متكافئين.
ولكن وفق مرسيدس كوندي باحثة أيضاً في الدراسة تتمثل المعلومة التي “لم تكن معروفة قبل الآن في وجود أية حالة لفرد ما تلقى المساعدة حتى لو أنه كان عاجزاً عن رد الجميل، مما من شأنه أن يثبت وجود فعل الإيثار الحقيقي بين أفراد النياندرتال”.
والآن تشير أحدث دراسة لأجزاء من عظام تينا إلى أن “النياندرتال” كانوا على الأرجح قادرين على تقديم الرعاية للآخر، حتى لو كانت إمكانية رد جميلهم هذا محدودة.
وتمثل النتائج الدليل الأول على وجود هذه الصورة من الرعاية الإيثارية من جانب “النياندرتال” تجاه الأفراد الضعفاء منهم.
وختم عالم الأنثروبولوجيا رولف كوام من “جامعة بينغهامبتون” بالقول “إنها دراسة رائعة تجمع للمرة الأولى بين الحفريات الأثرية الدقيقة، وبين تقنيات التصوير الطبي الحديثة، وبين معايير التشخيص بغية توثيق متلازمة “داون” لدى إنسان النياندرتال”.
© The Independent